هل الخوف من "الإخوان" أم من الإسلام؟

217

تتزايد المخاوف تجاه جماعات الإسلام السياسي لا سيما في مصر وتونس وذلك بعد وصولهما إلى الحكم عبر ثورة شعبية مدنية لا مثيل لها وعملية ديمقراطية نزيهة وشفافة، ولم تكن آخر المخاوف تلك التي اطلقها مؤخرا الرئيس التونسي منصف المرزوقي إلا تصب في خانة الخوف من "اسلمت الدولة" التي اصبحت ايضا بمثابة ايقونات الثورات المضادة التي تقودها بقايا الانظمة المتصاقطة

كما في مصر عوضا عن دعاة الليبرالية والعلمانية وهم عادة نفر من المعارضات والنخب المتآكلة عبر الزمن متخمون بالتناقضات الصارخة.

لست هنا في مقام الدفاع عن الإخوان المسلمين فهم ليسوا بحاجة لذلك كما اعتقد ولكني أمام مسألة تزايد المخاوف والتحريض أجد نفسي أمام السؤال التالي:هل الخوف من "الإخوان" أم من الإسلام؟ إذا كان الخوف من الأول فالثابت أن جماعة الإخوان في كل من مصر وتونس هما حديثتا عهد بالتجربة وليس من الإنصاف في شيء أن نقيم كل هذه الضجة طالما وهم وصلوا للسلطة عبر صناديق الاقتراع التي يحتكم إليها الجميع ومن حقهم أن يحكموا مثلهم مثل غيرهم من أبناء الشعب طالما وصلوا بطرق مشروعة وقانونية ثم أني لست متأكدا من أن الإخوان كحركات سياسية ظلت تعارض لعقود طويلة متحملة ويلات السجون والقتل والتشريد لا تعي أن مسألة إكراه الناس على الدين مرفوضة في الإسلام"لا إكراه في الدين" وأنه الأولى لها في هذه المرحلة هو إقامة بناء الدولة على أساس المشروع الوطني والحضاري لا الديني،فالانتقال إلى الدولة مسألة مختلفة كثيرا عن المعارضة ولا اعتقد أنهم لا يعون جيدا أنهم اصبحوا اليوم ليس أمام جماعة سياسية عقدية كما كان في الماضي وإنما أمام أمة مختلفة التوجهات والمشارب وبالتالي فإن الأدوات والأساليب سوف تختلف تماما وليس من مصلحتهم بكل تاكيد الذهاب إلى "اسلمت الدولة" رغم عدم قناعاتي بما يروج له انطلاقا من ايماني بأن الشعوب العربية في أغلبها الأعم هي شعوب مفطورة على الإسلام أساساً.

أما إذا كان الخوف من الإسلام وبالتالي يكون الصراع مع "الإخوان" هو صراعا غير مباشرا مع الإسلام ويتخذ الشكل السياسي لا الديني تحوطا من أن يضع أصحابه في صدام مع المجتمع المسلم فلا اعتقد أن صراعا مثل هذا سيكون مجديا بل بالعكس فهو يخصم كثيرا من رصيد القوى التي تقف خلفه سيما فيما يتعلق بحديثها عن الحريات الدينية والثقافية والفكرية عدا ذلك فالاسلام دين عالمي وكوني وليس مجرد بضاعة فكرية مستوردة..

إن الحديث عن الإسلام يكتسب أهميته من كونه حديثا يهم الجميع وليس الحركات والاحزاب السياسية الإسلامية فحسب فالجميع مسلمون سواء الإخوان أو غيرهم في الأحزاب والحركات الأخرى ولا اعتقد ان هناك خلاف حول هذه المسألة فالإختلاف وليس الخلاف هو في كيفية التطبيق العملي على الأرض وهذه مسألة مهمة للغاية اتمنى أن يتنبه لها الجميع لاسيما "الإخوان" وفي تقديري أنهم واعون بأن الموضوع لا يعدوا أن يكون مجرد محاصصات أو البحث عن درجات وظيفية وغيرها بل هو في الأصل مشروع حضاري ومدني جديد ينقل الأمة من حالة الوهن والضعف إلى حالة القوة والعزة ويرسخ دعائم بناء دولة تلبي تطلعات كافة فئات الشعب في الحرية والعدالة والمواطنة.

المرحلة صعبة ولكنها ليست مستحيلة ويبقى على الحركات والأحزاب الإسلامية في دول الربيع الأخرى التحول التدريجي إلى أحزاب مدنية حقيقة وفك ارتباطها بالقوى والبنى العصبوية إو ترويضها على الأقل والتي تلعب دور الكابح لحركتها كي تتمكن من قيادة الثورة وبناء الدولة بمشاركة جماهير الشعب.

التفرد والإقصاء أداة الثورة المضادة لابد من وضع حد لها وإلا فإن الامور سوف تتعقد وستعود إلى المربع الأول لا سيما في اليمن حيث تسير العملية ببطء شديد للغاية تتخللها عديد اعتوارات واختلالات يفترض حسمها بجدية وحزم لتحقيق الانتقال الحقيقي صوب بناء الدولة المنشودة وتحقيق تطلعات الجماهير العريضة.

مقالات الكاتب