* إلى أم كل شهيد . . ! *

259

بعد أن شدد الحجاج الحصارعلى عبدالله بن الزبير بمكة وتفلك جيشه و أنصاره ؛ ذهب يستشير أمه أسماء بنت أبي بكرالصديق . . وقد بلغت من العمر مئة سنة . . وقد كف بصرها . . فقال لها :

يا أماه . . لقد خذلني الناس حتى أهلي و ولدي ؛ و لم يبق معي إلا اليسير و من ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة . . فما رأيك ! ؟ .

فقالت له يا بني ! إن كنت تعلم أنك على حق و إليه تدعو فامض له . . فقد قتل عليه أصحابك !

و إن قلت كنت على حق ؛ فلما وهن أصحابي ضعفت ؛ فهذا ليس من فعل الأحرار و لا أهل الدين ! . . إذن لبئس العبد أنت . . القتل أحسن ! لضربة بالسيف في عز ؛ خير من ضربة بالسوط في ذل !

فقال يا أماه ! إني أخاف أن يمثلوا بي إذا قتلوني !

فقالت ويحك يابي إن الشاة المذبوحة لا يضيرها السلخ ! . . فقبل رأسها و ودعها و مضى !

هكذا استشار ابن الزبير أمه في أصعب أوقات حياته ! وقد بلغت من العمر مئة سنة ؛ وقد عمي بصرها ؛ و هكذا أشارت عليه رضي الله عنها !

فمضى عبدالله بن الزبير يقاتل حتى لجأ إلى الكعبة فدخلها محتميآ بها . . فرماها الحجاج بالمنجنيق حتى هدمها عليه !

وقتل فيها !

فصلبه الحجاج في المسجد الحرام ؛ و صاح في حاشيته : هاتوا لي أسماء تنظر ما فعل الحجاج بولدها !

فأتوها فأخبروها فقالت والله لآ آتيه !

فقال أخبروها تأتي وإلا لأبعثن إليها من يسحبها من قرونها !

فقالت والله لا آتيه حتى يبعث إلي من يسحبني من قروني !

فلما رأى إصرارها وقوة عزمها تركها و تظاهر بالخروج من مكة !

فلما اعتقدت خروجه من مكة جاءت إلى الكعبة تتحسس ولدها عبدالله . . فتسلل إليها الحجاج من أحد البيوت فناداها متشفيآ بها : كيف وجدتني فعلت بإبنك يا أم عبدالله ؟

فردت عليه بشجاعة نادرة : وجدتك يا حجاج أفسدت عليه دنياه و أصلحت له آخرته . . !

فطأطأ الحجاج و همس في حاشيته قائلآ قتلت ولدها فغلبتني بصبرها و قوتها !

إسمعي يا أم الشهيد !

بمثل هذه الأم .. التي تعلم أبناءها ؛ أن المبادئ أغلى من التضحيات ؛

تعيرهم يوم يأتون بنقيصة . .

و تؤنبهم يوم يفرون عن واجب . .

و تفخر بهم يوم يضحون . .

و تعتز بهم يوم يخاطرون . .

بمثل هذه الأم تكون الرجال . .

و بمثل هذه الأم تكون العزة . .

مقالات الكاتب