الإصلاح و صناعة الأحداث الدامية على خارطة الوطن وذاكرته!!

200

يتحدث البعض عن دور (حزب التجمع اليمني للإصلاح) وحلفائه في حرب صيف 1994م، والحقيقة أن الدور الذي لعبه حزب (التجمع) برموزه القيادية أبرزهم الشيخ عبد الله، والآنسي، والزنداني، وخلف هؤلاء كان تقف بعض الرموز العسكرية وفي المقدمة الجنرال علي محسن الحاج، وكانت هذه المجموعة تمثل (قلب الهجوم) خلال الأزمة لتصل بالوطن والمواطن إلى حالة الحرب، في الطرف الأخر كان نائب الرئيس علي سالم البيض يمثل القطب الآخر في مسار التصعيد، واعتقد جازما أن هؤلاء وخاصة الشيخ عبدالله الأحمر وعلي البيض كانوا مكلفين بإشعال الفتنة والحرب، ولكل طرف منهم دوافعه ومبرراته التي يصنعها له الطرف الآخر، فالبيض استمد شرعيته للازمة والحرب من تصرفات ومواقف الشيخ عبد الله وعصابته، الذي هو بذات القدر استمد شرعيته للأزمة من تصرفات ومواقف البيض..

الرئيس علي عبد الله صالح كان في واجهة الأحداث واعتقد أن طرفي الأزمة (الشيخ والبيض) قد خذلوه، وهذا ما سبق أن أشار إليه الشيخ عبد الله في أكثر من حوار له قبل وبعد الحرب وحتى بعد انتخابات 1997م التي خذلت الإصلاح ليعلن على إثرها فك الارتباط مع (المؤتمر) على خلفية خسارة لم يكن الاصلاح يتوقعها في الانتخابات، فيما هناك معلومات غير مؤكدة تقول إن حزب الإصلاح خسر الانتخابات (عمداً) من خلال جناح فيه كان يرغب بهذه الخسارة ليعلن فك الارتباط بالمؤتمر وبالرئيس الصالح، كون العلاقة التي ربطت الزعيم الصالح بالشيخ عبدالله كانت تحول دون قدرة جناح التطرف الذي يمثله الزنداني وتيار الشباب من جماعة الإخوان على الحكم والسيطرة وإقامة اللبنة الأولى لدولة (الخلافة الإسلامية) على أنقاض نظام الرئيس الصالح، وهو ما لم يتم تحقيقه في ظل بقاء تحالف الزعيم الصالح والشيخ عبدالله الذي سهل كثيراً للإخوان المسلمين ومنحهم غطاء سياسياً وقبلياً واجتماعياً ومكنهم من الانتشار والتوغل في مفاصل السلطة، كما حرض معهم للفتنة والحرب وأتاح لهم عملية نهب المحافظات الجنوبية ثم بعدها اتاح لهم نهب الوظيفة العامة.

وكان الإصلاح ممثلا بالشيخ عبد الله والزنداني وعلي محسن أكثر الأطراف التي عملت وبشفافية على إقصاء قادة وكوادر الاشتراكي من الوظيفة العامة عنوة عن رؤى وقناعات الترويكا الحاكمة، كون ما كان يقوم به الشيخ الأحمر وعصابته فعل يلقى دعم ومباركة طرف إقليمي فاعل هي (السعودية) التي في ذات الوقت كانت تحتضن كل رموز الانفصال وتمنحهم (رواتب وميزانية شهرية)، واستضافتهم في مدنها المختلفة على أمل أن تسخرهم ليوم الحاجة وهذا ما يجب أن يدركه.. وللعلم البيض ومن يقف خلفه وحميد ومن يقف خلفه ومعه والإصلاح والزنداني وعلي محسن كل هؤلاء لا يخرجون عن العباية (السعودية)، بل جميعهم يستظلون بها بما في ذلك الزعيم الصالح إلى حد ما، وهو المعروف بحسه الوطني وببعده القومي لكنه أمام واقع الحال اليمني بمراكز القوى الفاعلة وجد نفسه مجبراً على مسايرة هذه القوى حتى لا يلحق بأسلافه الذين ذهبوا ضحية للمؤامرات (السعودية) التي نفذها بحقهم الشيخ عبد الله وباعترافه الذي نشرته ذات يوم صحيفة "الثوري" التابعة للحزب الاشتراكي، وهو عبارة عن حوار مطول أجراه الزميل الصحفي جمال عامر ناشر ورئيس تحرير صحيفة "الوسط" الأسبوعية، وفي ذلك الحوار قال الشيخ عبد الله حرفيا(أنا فعلا تآمرت على السلال الذي سلم البلاد للمصريين، وتآمرت على القاضي الإرياني لأنه سلم البلاد للحزبيين، وانقلبت على الحمدي لأنه غدر بنا)، فسأله الزميل جمال عامر عن علاقته بالرئيس علي عبد الله صالح فوصفها بـ"الممتازة" ووصف الرئيس الصالح بـ(الرئيس العاقل والحكيم)!!.

حكاية الإصلاح كثيرة ومعقدة ومربكة في سياق المسار الوطني, فهو من حرض على الفتنة والحرب وغذّى مفردات المواجهة, وهو من قطف ثمار تلك الحرب (فيداً ونهباً وإقصاءً وإحلال كوادره بدلاً عن المقصيين)، وهو من أفتى وأفسد وخرب ودمر ووقف عائقا أمام منظومة التحولات الوطنية الجمعية، بدءاً من رفضه (للوحدة) ثم رفضه ( للدستور) ثم رفضه (للتعددية) ثم رفضه (لحرية الإعلام)، ثم قبوله بكل هذه المفاهيم بعد إخضاعها (لمنطقه السفسطائي) ومخرجاته (العبثية) التي غلفها باسم (الشريعة)..

وعلى ضوء هذه المعطيات مارس حزب الإصلاح وجماعات الإخوان المسلمين كل الموبقات بحق الوطن والمواطن والمسار والتحولات والنظام السياسي، ونجد أن الإصلاح بدءاً من ظاهرة (الخطف) وضرب المقومات السياحية والاستقرار الأمني- كان هو الفاعل وكانت كوادره تختطف والشيخ عبد الله كان دوماً هو الوسيط بين الدولة والخاطفين، وكان هذا السلوك قد غدا مشروعاً استثمارياً رابحاً للشيخ وجماعته وكان جزءاً من ثروتهم المتراكمة التي نهبت من خزانة الدولة وذهبت خزانة الشيخ وحزب الإصلاح.

في الاتجاه الآخر والخطير كانت هذه السلوكيات تستهلك قوة وقدرة وسمعة ومكانة النظام، فهي تضرب الاقتصاد الوطني، وفي ذات الوقت تضرب سمعة البلاد وتهز ثقة العالم باليمن الوطن والنظام، وكل هذا قام به الإصلاح برعاية وحماية الشيخ عبد الله، وبعد وفاته حل محله الجنرال علي محسن الأحمر الذي هو اليوم قائم بأعمال ومهام الشيخ وليس أولاد الشيخ الذين يأتمرون بأمر علي محسن، الذي غذَّى قناعات أولاد الشيخ منذ وقت سابق بخطورة الرئيس صالح وأقربائه وخاصة نجله أحمد عليهم وعلى مستقبلهم القبلي والوطني والسياسي، فكان وراء التحاق حميد بأحزاب المشترك قبل وفاة والده، وبرضا الوالد أيضا الذي كان يرى في (حميد) الشخص الذي سيعيد الاعتبار له ولدوره، فالشيخ كان يشعر أنه (مهضوم) وأن الرئيس الصالح (يضحك عليه) أو كما قال لأحدهم ( يجبر بخاطره) وحسب!!!..

أضف إلى هذا أن الشيخ عبد الله كان يشعر أنه لولا (السعودية) لكان الرئيس الصالح قد تخلص منه وأقعده في (البيت جنب النسوان) كما أسر هو بهذا القول لدبلوماسي عربي ذات يوم!!!..

نعم الرجل الذي عبث بالبلاد والعباد كان يرى نفسه (مهضوماً) لهذا زرع في نفسية أولاده وخاصة حميد كل ممكنات ومقومات (الحقد) الذي خرج به حميد إلى العلن، ومنها أن الشيخ عبد الله وهو على فراش الموت في المستشفى وخلال زيارة الرئيس الصالح له وجه كلامه للرئيس وبحضور أولاده ومعهم حميد قائلاً له: (أمانتك الأولاد من بعدي) فرد عليه حميد قائلا: (أمنا نحن عليه)..

هذا السلوك وما تبعه من سلوكيات ومواقف لم يكن وليد اللحظة ولا تعبيرا عن تداعيات سياسية آنية برزت على سياق الأحداث، ولكنه نتاج تعبئة ومخطط معد وترتيبات تم الأخذ بها والعمل وفقها منذ وقت قديم، رعاه وخطط له الجنرال علي محسن وجماعة الإخوان وما حميد إلا بمثابة المترجم لهذا المخطط الذي انطلق مع انطلاقة فجر الـ22 من مايو وما تلاها من أحداث وترتيبات وسيناريوهات محلية وإقليمية، تقاطعت فيها وبها مصالح أطراف داخلية وخارجية رأت في الوحدة الخطر الداهم على مصالحها في لحظة كان فيه من صنعوا الوحدة أعجز عن إدارتها برؤى وقيم ومفاهيم وحدوية، فلا الاشتراكي استوعب منجز 22 مايو وتأثيره الاستراتيجي وطنيا وقوميا ولا المؤتمر ادرك هذه الحقائق، فغرق الكل للحظات في مربع النشوة بانتصار الفعل ثم ما لبثوا أن دخلوا جميعا في خلافات ثانوية لم يفرقوا فيها بين الثابت والمتغير في الحدث، فكان أن قزم الكل عظمة الفعل بحثا عن مصالح (ذاتية) زائلة!!..

ليتسنى لحزب الإصلاح جني ثمار الخلافات والصراعات ولا يزال وبشهادة راهن الحال، بالتالي ليس جديدا قولي هذا ولا غريبا، بل إن الجديد في القول ربما لم يقل بعد عن دهاء ومخططات الإصلاح التآمرية وهي مخططات ليست وليدة المرحلة ولا الحدث ولكنها تعود ليوم تم استقدام (الفضيل الورتلاني) ليكلف بإعداد خطة للإطاحة بالإمام يحيى وتنصيب آخر عام 1948م، فقتل يومها الإمام يحيى في منطقة حزيز لكن لم يتسن للإخوان تنصيب آخر مقرب منهم أو تنصيب إمام (مرحلي) لفترة انتقالية، بل كان الإمام أحمد أكثر ذكاء منهم وهكذا أحبط أول مخطط إخواني للسيطرة على الحكم في اليمن.. للموضوع تتمة..

مقالات الكاتب