يا تجّار الجنوب ، أين أنتم ؟

225

العقل التجاري الجنوبي لا يُضاهى ، صدقًا ، أقول هذا و أنا أضع عينا على نماذج جنوبية  رائدة و هامات باسقة  في سماء  التجارة العالمية ، كلها تقافزت من رحم الجنوب نحو الخليج و أوروبا و أمريكا و الشرق الأقصى ، أنعشت الاقتصاد العالمي بعقليات فريدة  تاركين جيب جنوبهم  فارغا و قلبه عليهم أفرغ .

لما كنتُ كتبتُ هذا المقال لولا معرفتي القريبة و الأكيدة ، بأن هؤلاء التجّار على أتم الاستعداد فعلاً لأن يبذلوا الغالي و النفيس من أجل الجنوب و ثورته  و قضيته ، لكن للأسف هذا الشغف تتلاقفه أيادٍ نهمة لم تشبع بعد مما قد اجترته من آمال الناس و كرامتهم في السابق ، تعود للظهور الآن و قد أصابتها الثورة الجنوبية " بحكّة " الدولارات المزمنة  .

دعونا من هذا الآن ، دعونا من المؤتمرات التي تحدث في الخارج باسم  الجنوب و تُحلب لأجلها الأموال الضخمة من التجار و الراغبين في البذل ، دعونا من مؤتمر القاهرة الأخير الذي رفعت فيه ميزانية تزيد بـ" ثلاثة أضعاف " الميزانية الحقيقية له ، و لا تزال الذمة المالية حوله مصلوبة في غرف القيادات التاريخية .

 دعونا من كل ذلك و هاتوا نفكر سويا كيف نلفت انتباه هؤلاء التجّار إلى أن مكاسب السياسة الحقيقة تبدأ من سد الأفواه الجائعة ، من رفع سقف الطموحات للشباب العاطل ، من دعم التعليم و الاكتمال الأكاديمي ، من إعادة ترقيع شرايين المدنية و التحضر و الفن و الثقافة الممشوجة  في هذا الجسد الجنوبي الفتي .

أشعر بالغرابة أحيانًا و أنا أشاهد الشباب الرائع و المدهش في الجنوب يناضلون في أقصى الطرق الوعرة و البعيدة للحصول على دعم لمشروع تنموي ، أو لحملة توعية ، أو لمنحة دراسية ، أو لتمويل لعمل فني ، أو لتطبيق فكرة مبدعة و خلّاقة ، في ظل ظروف غاية في القسوة و الجمود ، في ظل عراكنا اليومي مع هذا العقاب الجماعي الذي تفرضه علينا الدولة و في ظل تنحية تامة للجنوب من صدارة الإهتمام و الدعم ، في ظل مركزية قاتلة و ظلم بشع لكل الكفاءات الجنوبية ، و أتساءل أين هم تجّارنا الجنوبيون ؟ أين هي أياديهم البيضاء ؟ .

أنا لا أحاول التشكيك  أبداً في الضمائر الداعمة الجنوبية  هنا ، مطلقاً ، و لا حتى أحاول أن أضع الجميع في سلة التقصير ، و لا حتى أطلب من رأس المال الخاص أن يحل محل الدولة بمؤسساتها و خدماتها ، لكني أرسل رسالة عتب و عشم كبيرة أن ينتبه هؤلاء السادة الأفاضل إلى بعض الاستراتيجيات الناجزة على المدى البعيد في خدمة القضية الجنوبية .

 كلنا نقدّر فعلا الدور الذي تقومون به في علاج جرحى الثورة و دعم العمل الدبلوماسي الرفيع المستوى ، و لكنه الطريق الضيق و الآني و الضئيل ، دعوني اتساءل عن طريق المبادرة لمن شاء :

* لم لا يقوم التُجّار و أصحاب رؤوس الأموال الجنوبيون بالاجتماع سويًا تحت أي مسمى أو تكتل ، و يقرّون ميثاقاً للعمل المالي و التجاري الطارئ ، و يضعون خطة ذكية و بعيدة للدعم من أجل الثورة الجنوبية ، تكون برؤيتهم هم لا برؤية الساسة ؟ .

* لم لا يشكلون لجانًا تنزل إلى أرض الواقع  لتحسّس الأجزاء المفصلية و المحورية في دعم الجنوب إنسانيا و ثقافيا و اجتماعيا و اقتصاديا ، قبل أن يكون سياسيا أو ثوريا .؟

* لم لا يكونون ورقة ضغط دولية فعلية لأجل القضية ، من موقعهم و بثقلهم الاقتصادي في بلدان مهجرهم على الحكومات الحاضنة ؟

* لم لا يقدمون التطمينات و الضمانات للمحيط الاقتصادي فيما يخص القضية الجنوبية و فكرة الاستقلال ؟

* من ثم لم لا نجرّب تغيير نمطية  الفكرة القائلة بـ  " يجب أن نستعيد الدولة حتى يعود التجّار " إلى "يجب أن يعود التجار حتى نستعيد الدولة ؟  "

[email protected]