بين المهنية الإعلامية والظاهرة الدعائية .. منير الماوري مثالاً

190

 بناء على قاعدة أنّ، المفكّرين يركزون على جوهر القضايا والسطحيّين ينشغلون بالأشخاص، فإنني أخشى هنا أن أقع في فخ ما أحذّر منه بدءاً وأركز على أشخاص. غير أنّ الحديث عن القضايا المصيريّة خلال هذه الفترة الهامة والحرجة من تاريخ اليمن وصناعة مستقبله يحتاج الى قدر كبير من الحكمة والشجاعة والعقلانية ، وبالنظر بتجرّد وموضوعيّة إلى الكمّ الهائل من منتجات الخطاب الإعلامي الذي تشهده صفحاتنا المعرفيّة بنوعيها الورقي والالكتروني، نشهد معها نوعين من الخطاب، أولهما بنّاء معنيٌّ بالمصالحة والوفاق واحترام الآخر، وثانيهما فوضوي مشغول بالضجيج واتّهام الأشخاص خروجاً على المهنية وابتعاداً عن حرفيّة الحوار الهادف.

ويبدو أنّ مستوى المهنيّة في الكتابة الصحفيّة قد تراجع كثيراً عند البعض، ومنهم الأخ منير الماوري، الذي بات منشغلاً بمصالح القلّة، مترفّعاً عن هموم أكثريّةٍ مطالبة بالتغيير، ليؤثر ترك التحليل العميق للقضايا الاستراتيجية والمصيرية ويوجّه اهتماماته إلى مزيج غير متجانس من محاولة إعلاء الذات وانتقاص الآخر لمجرّد أنّه لا يوافق هواه. فها هو اليوم مشغولٌ بالحديث عن نفسه وتلميع صورته والتصريح بآماله بأن يكون وزيراً في حكومة الوفاق، مشاركاً القرّاء أحلام يقظة يفتقدها وهو يتخيّل نفسه رئيساً لليمن، إلى استهداف أشخاص محل إجماع وطني ممن شهد لهم الجميع بالكفاءة، وآخرين بذلوا عقوداً طويلةً من سنوات عمرهم في سبيل بناء الوطن وتنميته ، وكأن التغيير يعني أن يتغيّر منصب، وشخص، وموقف، وتستمر معاناة وطن.

ومن المؤسف حقّاً أن نجد الماوري يمارس عبر مقالاته نفاق الحكام والمسؤولين الذي اشتكى هو منه سابقاً، ذلك النفاق الذي أفسد نظام الحكم في اليمن سابقاً، ليستمر التضليل ضمن ثورة مصطلح لا وفق قيمة التغيير الفعلي الذي يتجاوز الفرد إلى الكل .. والحزب إلى الوطن. وهنا فإنّني أقول للماوري كفى .. لا تفسد بنفاقك ثورتنا ومسيرتنا لبناء اليمن الجديد، ولا تكرر علينا فساد الماضي من خلال تصويرك للمسؤولين والحكام بأنه لولاهم ما هبط مطر ولا أثمر شجر، بين تمجيد رموز نظام قيد الرحيل، واستهداف شخصيّات لنظام قيد التقييم، فأي معنى نستنبطه من حديث بلا أفق، وتحليل دون مؤشّرات أداء، وكأنّ الثورة بحد ذاتها غاية، وحكومة الوفاق غاية، وتغيير الأشخاص غاية، وأن يكون الأخ الماوري وزيراً للإعلام غاية؟!!

فلماذا الإسراف في الثناء أو الهجاء امتداحاً وابتذالاً؟ ما هي الحاجة للنَيل من الآخرين؟ وهو ما يبتعد عن المنهاج القرآني في الإحسان للآخر: "وقولوا للناس حسنا"، والهدي النبوي: "أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما"، وهو ما امتثل له الخلفاء الراشدون والتابعون بإحسان. وهنا لا بد من التذكير بمقولة الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: "قيمة كل امرىء ما يحسنه.. استغن عمن شئت فأنت نظيره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، وتفضل على من شئت فأنت أميره"، وهو ما يجدر أن يستوعبه بعض الكتّاب الذين لم نسمع منهم مديحاً قبل أن يصل هؤلاء المسؤولون إلى مناصبهم الحالية. وهنا أتساءل هل كيل المديح هو للأشخاص أم للمناصب؟ وكأن قدر اليمن أن تتخم دوماً بدواشين الحكم يفسدون بتملّقهم حياتنا السياسيّة التي قاد إلى التغيير فيها شعب ينتهك ثمار تطلّعاته مجموعة من الطفيليّين الذين لا يتجاوزون شخوصهم، وتعكس كتاباتهم سيرورة فرد لا مصلحة أمّة.

لقد ترك الماوري الموضوعية والعقلانية في التعامل مع قضايا الوطن ولبس ثوب الكاتب السطحي المأمور الذي سرعان ما يكتشفه الناس من واقع كتاباته الناقمة في ظل الشخصنة التي تفتقد للحقائق والوعي والإدراك للمسؤولية الوطنية.

فإذا غيّب الكاتب ضميره سهل عليه تمجيد نفسه وآمريه وانتقاد الآخرين أو حتى اتهامهم بالقتل مجرّباً السمّين القاتلين، إطراءٌ في غير محلّه أو اتّهام دون بيّنة، فمن السهل على المرء تمجيد نفسه وأصحابه وانتقاد الاخرين أو حتى اتهامهم بالقتل دون إثبات الجريمة جنائياً، وعليه أن يدرك أنه بكتاباته الهدّامة يقتل شعبا بأكمله ويهدد مستقبل وطن وأحلام شبابه من خلال كتاباته غير المسؤولة والتي تبث الكراهية والفتن.

وعندما نسأل أنفسنا عن دافعيّة البعض لتشويه الحقائق وتعمّد الكذب وتضليل الرأي العام بخصوص القضايا الوطنية والمصيرية، فإننا نقف على احتمالات النظرة السطحيّة أو الأجندة الخفيّة أو المكاسب الماديّة مدحاً في هذا و إساءة إلى ذاك. وهذا ولا شك تعريف الكاتب المأجور .. والذي يتحوّل في هذه الحالة إلى قاتل مأجور، غير أنّه فاشل في الأولى محترف في الثانية.

ومع واقع كون الأخ منير الماوري حاملاً للجنسية الأمريكيّة فإنّ السؤال يتجاوز ما ذكر إلى الاستفسار عن ارتباطاته الخارجيّة، ومدى لعبه لدور مخطط يريد بالبلاد شرّاً، وهو بذلك عميل مخلص لوطنه الغربي أو أسير لقوى سياسية غير مخلصة في وطنه الأصلي الذي تركه لعقودٍ من الزمن، مبتعداً عن آلام المواطن اليمني التي كثيراً ما تناولها دون أن يعانيها؟ غير أنّني أستبعد احتمال العمالة لا لنزاهة الماوري، لا سمح الله، وإنما لذكاء القوى الخارجية التي تدرك أنّها ليست بحاجة إلى هذا النوع من الكتًاب.

فلا شك أن مصداقية الماوري معدومة كونه قرر أن يكون مهتماً باليمن "عن بعد" حيث ترك الوطن ليسترخى في حياة الرخاء الأمريكي، وكان الأَولى به أن يبقى في اليمن ليساهم في البناء والتنمية بدلا من الشكوى عن بعد أو أن يعود على الأقل إثر الثورة مساهماً فعليّاً في التغيير، لا ليجعل من نفسه بطلاً بالمراسلة، مشترطاً للرجوع حقيبة وزاريّة تنتظر عودته مسبقة الدفع.

نعم إنّ مثل هؤلاء المنتفعين أبطالٌ مزيّفون بالمساحات الورقيّة والالكترونيّة المتاحة لهم، في حين أن الأبطال والثوريين الحقيقيّين ممن عملوا في وطنهم مناضلين ميدانيين صاروا منبوذين وفق كتابات الماوري، فقط لأن الذين يعملون لا يجيدون الحديث عن أنفسهم، أما المتملقون فمهارتهم الوحيدة هي الكلام تزييفاً للوقائع وانتهاكاً للحقائق. وهكذا هم أبطال الكلمة جنود يظهرون ولا يقاتلون، أما أبطال الساحات فجنود يقاتلون ويُقتلون ولا يظهرون، ومن أجل هؤلاء علينا أن نحترم الكلمة التي نقول ونكتب فحرب المواقع الألكترونية ليست كحرب المواقع القتالية، والأجدر بالكتّاب بثّ ثقافة الحب للوطن والتسامح بدلا من ثقافة الكراهية والانتقام والحسد، وإنني لا أخشى على الشرفاء من أبناء الوطن من كاتب اختار لنفسه التنظير دون التفكير، ولا أخشى على العقلاء من مثل هذه الكتابات لأنه ما يطمئن هو "إذا كان الكاتب مجنون فالقارئ عاقل".

  وعودةً إلى مضمون العنوان .. فهل إعلامنا اليوم مهنيٌّ وفق هوى المواطن أم دعائي وفق منطق الغلبة؟، وهل هو امتداد لتطلّعات شعب أم أسير لقوى وأحزاب؟ وهنا أقول إن كل كلمة يكتبها الماوري وغيره ستبقى شهادة عليه في التاريخ وليس على من يكتب عنهم، فلعله يعيد النظر في كتاباته ليصنع لنفسه اسما مشرفا ولعله يعمل بالحديث الشريف "من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"".

 

طالب ماجستير – بريطانيا