غيوم صنعاء ..ظاهرها صراع وباطنها اتفاق

185

نسمع الضجيج الإعلامي المنذر بتفجير حرب أهليه في صنعاء بسبب تعنّت بعض إطراف الأزمة الرافضين للالتزام بتنفيذ ما نصت  عليه المبادرة (الامريروخليجية) فيما يخص الهيكلة للمؤسسات العسكرية والأمنية (الشمالية) دون إن نسمع ولو كلمه واحدة بشأن المؤسسات العسكرية والأمنية الجنوبية التي اتفق الطرفان على تسريحها بالجملة بعد احتلال الجنوب في حرب 94م ... قد يكونوا محقّين في بحث ما يخص الشمال فقط بعد إقرارهم العلني باحتلال الجنوب الذي ينبغي أن  يقابله الإقرار بالجلاء .

 

إن صراعهم على ألهيكله للمؤسسات ألعسكريه والأمنية ليس لخدمه الوطن ، ذلك إن هذه المؤسسات جرى بناءها من قبل مراكز النفوذ في صنعاء لحفظ توازن النفوذ واقتسام الموارد بين تلك القوى ، وما يجري اليوم من صراع ظاهري إنما لتكريس هذا التوازن بينهما ... بعد إن استطاع الطرف الذي تملّك الثورة الشبابية وحولها إلى مجرد أزمة سياسيه ليحفظ بقاء حليفه من الباطن ( العدو ظاهريا ) .. يقابل هذه الخدمة الاتفاق معه على إعادة التقاسم للنفوذ والثروة بالمناصفة .. المتتبع لنشوء هذا الخلاف يلاحظ إن أسبابه لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بموضوع بناء ألدوله المدنية المنشودة للشعب الشمالي ذلك إن هذا الصراع قد بدأ عندما تجاوز الرئيس السابق خطوط الاتفاق الساري تاريخيا بين قوى الهيمنة في صنعاء ، وذلك عند التفكير بالتوريث للعرش ..واستمر الشّد والجذب ... لم يختلفا الطرفان في قتال صعده ولم يختلفا أيضا في استخدام العنف في مواجهه الحراك السلمي الجنوبي ( ثورة الجنوب السلمية ) .

 

وجاءت ثورة الشباب الشعبية السلمية المندلعة من تعز الأبية ألمعلنه أهدافها اجتثاث النظام السياسي بكل رموزه ومؤسساته وثقافته ..وبناء الدولة المدنية  ... فكشفت حدود الصراع الظاهر بين الجناحين الحاملين لتسمية ( السلطة والمعارضة ) الذي لا يتعدى الشراكة المنصفة بينهما .. لاحظ موقف المعارضة - لقد قامت بتسخير المال والإعلام باسم الثورة والتطبيل في الساحات وامتلاك منابرها ، ونعلم ما جرى لشباب الثورة السلمية في كل ساحة وكيف تم اختراقهم وإزاحتهم من المسرح وتقمّص ( المشترك ) للثورة الشبابية ولكن مع اختصار أهدافها على الشراكة العادلة مع الحزب الحاكم ...والسؤال ؟
ـ الم يكن هذا الصراع المحتدم والمتفجر أحيانا بين الجناحين أمر متفق عليه فيما بينهما ؟؟  خاصةً اذا علمنا إن دماء الإنسان ( جندي أو مواطن ) لا قيمة له في تفكير مراكز نفوذ صنعاء !! وما قاله الرئيس السابق في حرب صعده دليل على ذلك .


ـ الم تمثل المبادرة (الامريروخليجية) طوق نجاة للجناحين المتصارعين ظاهريا ؟؟
ـ الم يأتي الحل بموجب تلك المبادرة بما يرضى جناحي الصراع الظاهري وإسقاطا للثورة الشبابية وأهدافها المرعبة ؟؟
ـ الم تضمن تلك المبادرة الخروج المشرف للرئيس السابق إلى جانب إعفاءه ومن عمل معه ( شركاء الأمس ) من الجرائم المرتكبة في عهدة ؟؟.


ـ الم تأتي هذه المبادرة إجهاضا للثورة الشبابية الشعبية في الشمال وإعادة التوازن بين مراكز القوى الحاملة لنظام الرئيس السابق ؟؟
وأخيرا الم يتفق الطرفين ضد الجنوب من خلال توكيل طرف ثالث للاستيلاء على محافظات الجنوب إثناء انشغال الطرفين بالترتيبات لتجديد الوجوه للنظام المقبل الذي لن يخرج عن مراكز نفوذ نظام ما قبل المبادرة .. ومع كل هذا فكل الاحتمالات واردة في الصراع من اجل الإبقاء على توازن اقتسام النفوذ والثروة .


المشكلة التي يواجهها الطرفين (صنع قرار المستقبل) طوال فترة حكمهما (ثلاثة وثلاثون عاما) كانوا هم المتحكمين بالقرار ..
اليوم لم يعد أمامهم غير التخويف بتفجير الوضع في حاله شعور أي طرف بإخراجه من المعادلة السياسية لدولة المستقبل أو الاتجاه إلى بناء دولة مدنية حديثة تستثني رموز الطرفين .


اتفق الطرفان على تولي الأخ/ عبدربه منصور منصب رئاسة الجمهورية وفي اعتقادهم انه  لا يستطيع استخدام سلطات وصلاحيات منصب الرئاسة إلا بعد الرجوع لهما ...معتمدين في ذلك على تحليلهم الخاطئ لشخصية الرئيس الحالي إثناء فترة منصب (نائب) .. فاتهم إن الرجل يدرك حدود سلطات وصلاحيات ذلك المنصب المقيّد تنفيذيا وتشريعيا والمطوّق بكثير من الألغام المزروعة حوله من قبلهم ... اعتقدوا إن ابتساماته إمام اعتراضاتهم على ما يقدمه من معالجات للقضايا التي توكل إليه هي عبارة عن اعترافه بخطأ رأيه واقتناعا وقبولا بصواب اعتراضهم ولم يلحظوا في تلك الابتسامات سخريه من الأقدار التي أوصلتهم إلى مواقع مسؤوليات تفوق قدراتهم ألعلميه والعملية ...هذه الأقدار التي مثلت لعنة على شعب بأكمله .


إن تولي الأخ /عبد ربه منصور منصب رئيس الجمهورية تجعله مجبر على إظهار شخصيته الحقيقية التي ظلت خفية طوال الفترة الماضية ... كان إصرار الرئيس السابق على عدم التنازل عن الرئاسة إلا عبر صناديق الاقتراع غباء منه وذكاء من الرئيس الجديد ، ذلك أنها مثلت أفولاً شرعيا للرئيس السابق وبروزا شرعيا للرئيس الجديد ، الأمر الذي لا يستطيع الأول التحكم بالثاني كما كان يعتقد .... نأمل للأخ/الرئيس الجديد التوفيق في تجنيب البلد ويلات الصراع مع إننا نعتقد ان الطرفين اللذين يهددان بحرب أهليه شامله إنما يستخدمان هذه التهديدات للابتزاز السياسي والقبول من قبل رعاة المبادرة بالإبقاء على التوازن المقبول للطرفين في سلطه المستقبل والقبول محليا باستمرار سلطتهما مقابل سلامة البلاد من حربهما التي يهددون الشعب بكوارثها إن  انفجرت .

 

 وفي الجنوب فعلوا معا ما تقّشعرّ له الأبدان لإيصال الإنسان الجنوبي إلى قبول الأمر الواقع .. لكن النتائج جاءت معكوسة بسبب اختلاف موروث الحكم في الشمال عنها في الجنوب ومع كل ما يفعله وكيلهم على الجنوب في هذه الفترة نحن على ثقة بان شمس دوله النظام والقانون ستشرق من عدن وسيتلاشى ظلام صنعاء وفي ذلك يكون الرد على شاعر ( خولان الطيال ) الذي أعلن رفض قبوله لانقلاب العسكر على الإمام في 26سبتمبر 1962م عندما قال :


حيد الطيال أعلن .. ونادى كل شامخ في اليمن           

   مابا نجمهر قط .. لو نفنى من الدنيا خلاص                      

 لو عاد أمس اليوم.. ولا الشمس تشرق من عدن        

   والأرض تشعل نار ..ومزان السماء تمطر رصاص


كان الجنوبيين يعتقدون أنهم بالوحدة مع الشمال يستطيعون إقامة دوله النظام والقانون وكانت التقديرات لفاعلية المعارضة الشمالية بالاعتماد على ما تنقله قياداتها المتواجدة في الجنوب تقديرات غير دقيقه  وقد تبين ذالك في انتخابات 93م وكذلك الموقف من إعلان الحرب على الجنوب وأخيرا ما حدث بعد احتلال الجنوب في يوليو 94م حيث استوعب نظام صنعاء كل قيادات المعارضة الشمالية التي كانت في الجنوب قبل الوحدة بما فيهم الشماليين أعضاء المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي من ( حوشي ) .

 فلا قادة الانقلاب (ثورة سبتمبر)استطاعوا إقامة دوله النظام والقانون ولا الجنوبيين بعد وحدتهم مع الشمال استطاعوا ذلك .. وهكذا لم يعد أمام الجنوبيين إلا العودة لإقامة الدولة في الجنوب أولا ودعم شباب الثورة في الشمال لاستمرار ثورتهم حتى تأتي  ثمارها بإقامة الدولة المدنية _  دوله النظام والقانون التي لن تأتي إلا بإزاحة قوى النفوذ الحالية التي تقاسمت بالمناصفة السلطة والثروة والتي بشرنا الشاعر المرقشي ( أحمد سعيد السعيدي ) بنهاية عصرهما عندما رد على نجاح الرئيس السابق في انتخابات 2006م فقال :-


يا بيت لحمر قر .. ماشي لك مفر     

        

من خذ ملاح الناس ... بايندي ملاح
              

النجم الأول مر ..  دي فيه المطر              

 ما باقي إلا النجم .. دي فيه الرياح


نعم لقد استطاع هذا الشاعر قراءة ما يختلج في نفوس الجنوبيين وعبّر عنه تعبيراً دقيقاً ... وتحقق ما تنبأ به خلال أشهر قليله بعد انتخابات 2006م ، إذ تحول التذمر إلى ظهور أفعال ترفض قبول استمرار الوضع القائم في الجنوب ، ثم جرى تنظيم هذه الأفعال الفردية إلى فعل جنوبي جامع بإسم ( الحراك السلمي الجنوبي ) وتفاعلت الساحة الجنوبية من شرقها إلى غربها مع الصوت السلمي الجنوبي الرافض .. ولم يبقى لقادة نظام صنعاء ومراكز نفوذه وثقافته قبولاً في الجنوب ، وأصبح ليس فقط مطالباً بالرحيل من الجنوب بل وبإعادة كل ما نهبه حتى الآن  ، وبالرغم من كثرة تركيزهم الإعلامي على أهمية استمرار الوحدة التي لا يرون فيها إلا غطاءً للنهب وتوسيع النفوذ والتملّك .

إلا أن الجنوبيين لم يعودوا قابلين لبقاء هذا الغطاء ( الوحدة ) بالمقابل تلاقحت الثورات العربية السلمية ، وإذا بشباب تعز يتصدرون ثورة اليمن المطالبة بإقامة الدولة المدنية الحديثة القائمة على أنقاض النظام القائم وقواه المتنفذه ، نعتقد إن مراكز النفوذ في صنعاء اليوم لن يسمحا بإقامة دوله في الشمال ذلك إن بقاءهما مرهون ببقاء وضع ( أللا دوله ) ولا أعتقد إن يفوتهم خطورة بقاء الارتباط مع الجنوب ، ذلك إن الجنوب والجنوبيين لن يقبلوا بوضع ( اللادوله) و أولياء أمور صنعاء لن يقبلوا ببناء دوله :ذلك إن أقامه دوله النظام والقانون بمؤسساتها وأجهزتها تعني نهاية نظامهما بكل رموزه ومؤسساته و موروثه الثقافي ، وقريبا سيعلن تحديد مستقبل البلاد وليعلم أولائك إن الجنوب حتى وان استعاد دولته سيظل يناصر ثورة الشباب حتى إسقاط هيمنة من لا يستطيعون قيادة سفينة الوطن ، ذلك إن ربان السفينة مهنه لا تؤرث ولكنها تكتسب بالعلم والمعرفة والقبول ، وقد حان سقوط التوريث على كل المستويات (أسريه ، قبليه ، مناطقيه ، مذهبيه .. الخ ) وستنتصر ثورة التغيير في شمال الوطن ذلك إن الشعب قد وعى وزمن القطران قد مضى .


وحتى تأتي ثورة التغيير الشبابية في الشمال بثمارها .. نعتقد إن الأخ رئيس الجمهورية يمتلك من القدرات ما يمكنه من النجاح في أداء دوريين مهمين أو ثلاثة :-

الأول : إصلاح ذات البين للإخوة ( الأعداء ) في صنعاء .


الثاني: تلبية ما يجمع عليه الجنوبيون بشأن تقرير مصيرهم السياسي الذي بات امرأ لا بد به وهناك دورا آخر يمكن للرئيس أداءه باقتدار وهو جذب الأنقياء من بين صفوف قوى النفوذ المتصارعة ، ذلك انه قد حان ظهور التباين ثم الاختلاف وسيأتي قريبا الافتراق بين من يسعى ليس فقط إلى امتلاك السلطة والثروة بل أيضا إلى امتلاك واستعباد الأمة والعبث بمستقبلها وبين من ينحاز إلى تحرير ألامه وإسعادها ، بذلك يرفد شباب الثورة بقوى جديدة تستطيع خلق اصطفاف جديد يخلّ بالتوازن القائم لصالح ثورة التغيير ، ويسرّع بأفول قوى الممانعة بل وتقديمها للقانون بعد سحب الحصانة التي أعطيت لها مقابل تقليم أظافرها بحيث لا تستطيع الإيذاء ، وبعدها وبحكم ثقافة التملّك والاستعلاء ستدفع بنفسها لارتكاب ما من شأنه سحب حصانتها وتكون قد جنت على نفسها براقش .