بين عدن المحتلة وصنعاء المستقلة

155

1882 بداية الارتباط السياسي لحضرموت في تاريخها الحديث بعدن ، بمعاهدة الصداقة مع المستعمر الإنجليزي الذي كان حينها يحتل عدن ، لتليها بعد ست سنوات معاهدة الحماية ، ثم تأكد الارتباط بعدن المحتلة بمعاهدة الاستشارة سنة 1936 التي شكلت احتلالاً غير مباشر لحضرموت مع بقاء شخصيتها الاعتبارية على المستوى الثقافي كحد أدنى ، ثم كانت الكارثة بتجذر الارتباط بعدن المستقلة سنة 1967 ارتباطًا ألغى حضرموت كيانًا وإنسانًا .

شكل صيف عام 1990 نهاية لأكثر من قرن من ارتباط حضرموت السياسي بعدن ، فبدأت تتنفس أنسامًا جديدة تتحسس بها نفسها وكينونتها ، لكنها ارتبطت بمدينة أخرى هي صنعاء المستقلة ارتباطًا تعمد في صيف 1994 ، لكن حضرموت رفضت أن يشكل هذا الارتباط الجديد إلغاء آخر لكيانها وإنسانها وتعزز الشعور بالوعي بالهوية المتميزة لحضرموت وأبنائها عن سائر الوطن شمالاً وجنوبًا على السواء .


   في صيف 2009 حاول بعض أبناء حضرموت استبدال ارتباط بارتباط آخر ، وأن يعيد الارتباط البائد بمدينة عدن ( المحتلة ) كما هو في أدبيات أصحاب الفك اليوم ، واختزل الحراك الشعبي المبكر لجنوب اليمن في تلك الدعوى (الفاكّة) ، ففككوه وأفشلوه حتى تحولت شوكة الحراك الشعبي إلى جنوب تونس فحقق في مدة وجيزة ما عجزنا عنه لأنها خلا من لوثة الفكاكيك الذين صاروا من حينها يتغنون بمجد لم يستطيعوا الحفاظ عليه .
   لكن من أبناء حضرموت من يصرون على عملقة عدن ( المحتلة ) ، واتخذوها لهم عاصمة أبدية ، متناسين أن المستعمر الإنجليزي هو أول من ربطنا بها ، ومتناسين أن مصدر الحل والربط وموضع معركتنا الحقيقية هو في صنعاء المستقلة ، شئنا أم أبينا ، وأن دكاكين المجتمع الدولي كلها موجودة هناك لا ترى ولا تسمع إلا ما يعتمل فيها ، فلماذا يصر الفكيّون على التمسك بالارتباط بمدينة تحت الاحتلال كعدن ( كما يصفونها هم ) ، ونغفل عن المطالبة في ظل هذا الحضور الدولي في اليمن بما يحقق لنا ما نريده من مكاسب أرهقنا أنفسنا ومواطنينا والأغرار من شبابنا لأجلها ثم نخطئ المسير إليها .


   هذا يذكرني بموقف مفتي الديار الحضرمية عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف الذي ازداد تعجبه من هرولة سلاطين حضرموت للارتباط بعدن المحتلة عبر المعاهدات الظالمة لحل أزماتهم ، تمامًا كما تفعل مجاميع الفك بالهرولة إلى عدن ( المحتلة ) كأن التاريخ يعيد نفسه ، فكان ابن عبيد الله يردهم للاتجاه إلى صنعاء المستقلة إن كان ولابد من الاتجاه للخارج ، ويقول في بعض شعره :
      على الهون إن جدوا الرحيل إلى عدن    وسيروا بشكواكم لعاصمة اليمن
   لقد طمح سلطان لحج في نهاية الأربعينيات إلى ما لم يطمح إليه سلاطين حضرموت ، حاول أن يعلن عن ( دولة لحج المستقلة ) وقدم طلبًا للانضمام إلى جامعة الدول العربية ، ومن طريف ما ورد في خاتمة مذكرة الطلب المرفوعة للجامعة ( إنه ليس هناك طريق للوحدة اليمنية إلا أن تقوم في اليمن- يقصد الشمال- حكومة نظامية مدنية تعترف بوجود العلم والفن ، ولا تعتبر الجامعات والكهرباء والراديو والطيارات من عمل الشيطان ) ، ومع ذلك استطاع مندوب صنعاء في الجامعة إفشال محاولة الانضمام والاعتراف بالدولة اللحجية ، فماذا سيقول سلاطين الفك أكثر مما قاله سلطان لحج .