يــوم فـي عـدن

153

اعتدت وأنا طفلة صغيرة ان استيقظت كل صباح على صوته, اهرع فورا لفتح نافذة غرفتي حتى أرى أمواجه الرائعة تذهب وتأتي, حاليا لم أعد استيقظ على صوت أمواج البحر لأني لم اعد أراه من الأساس..!! أصبح مخفي خلف بنايات عشوائية ومشاريع كبيرة, تبنى على أراضي مغتصبه او مهداه..!! لا تفرق فكلها حواجز بيني وبينه, على كل حال لن يتوقف يومي لأني لم اعد أرى البحر, ليست مشكلة كبيرة مازال هناك يوم طويل أمامي.

المشكلة بالهواء, فقد رضينا ان البحر اختفى..!! لكن الهواء يختفي أيضا..!! اذكر أني كنت في السابق اخرج وأنا استنشق هواء طبيعي مثل باقي البشر, الآن أصبحت استنشق ما يشبه مرض الربو, ممزوج بإنذار بأزمة قلبية مبكرة جدا, فرائحة القمامة المحروقة (التي مع الأسف مرمية بكل ركن) قضت على معنى الهواء الطبيعي الذي اعتدت عليه.

ولكن تعرفون الهواء غير مهم..!! يمكننا التغاضي عنه إذا ما نظرنا للجانب المشرق من الأمر, فأنا سأصل قريبا للعمل, وادخل مكتب مقفل بعيد عن هواء الشارع, ولذلك سأنتظر منقذي وهي المواصلات, وما أحلى أيام زمان حين كانت حافلة المدرسة تنتظرني, لم تعد تنتظرني, أصبحت أنا من انتظر الحافلة لأذهب للعمل, وانتظر وانتظر وانتظر, وبالأخير أما ان امشي لأقرب محطة, او أعود للمنزل..! فكيف ستأتي حافلة وهناك أزمة بترول..؟؟ وإذا وجدت حافلة علي ان أتأكد ان سائقها سيضاعف الأجرة, وعليا بالطبع ان ادفع وأنا صامته بدون نقاش.

وبعد ان يكون الإنسان قد تعب طوال اليوم في حر عدن, يتمنى ان يعود ليجد طعام جاهز ليأكل وينام عميقا, إلا ان اليوم لا ينتهي أبدا, يمكننا ان نجد الطعام, هذا إذا استطاع بطل المنزل ان يظفر من الطابور الطويل بــــ (دبة الغاز), لكن لا يمكننا ان نجد النوم..! فكيف ننام وهناك "دائما وأبدا" إما قتال, او زفاف بقرب منزلك..؟؟!! فعلا لا تفرق, فصوت الرصاص بالحالتين لن يعطيك فرصة لترتاح ولو لدقائق.

الغريب ان كل عناصر العذاب تتكاتف مع بعضها البعض فإذا وقف الرصاص, تنقطع الكهرباء, وبالطبع سأعود لذكرياتي لأقول ان في الماضي كانت تنطفئ الكهرباء لدقائق او ربع ساعة بالكثير, أما الآن فهي لا تأتي إلا إذا ذوبنا, قبل ان يذوب الشمع.

كل شيء تغير وتبدل للأسوأ, فقد كنت سعيدة, الآن أصبحت أخاف من السعادة..!! بما أني من سكان هذا الحي السعيد جدا..!! وكنت حالمة, الآن وقد كبرت يمكنني القول بأن "بعض" أحلامي مازالت تكافح للبقاء, لكن هناك شيء ثابت لا يتغير وهو أني كنت أحب عدن, وما زلت أحب عدن كما كنت, وربما أكثر وأكثر!!