كلمة الصحوة الأسبوعية

142

الحرب الأهلية التي يلوح بها رموز النظام ليست طارئاً جديداً في خطابه السياسي والإعلامي، ولا هي غريبة عن سلوكه المعروف في التلاعب بأمن الوطن والشعب واستخدامه كفزاعة لضمان بقائه في الحكم، ولاستدرار دعم الخارج: سياسياً ومادياً. فمثل هذا النهج، الذي لا يتفق ألبتة مع مفهوم الدولة، يتماهى مع نظام سياسي أسس لبقائه في السلطة على التزوير والتلاعب بالإرادة الشعبية، وتحويل الدولة كلها إلى مزرعة خاصة للحكام وأعوانهم.

الحرب الأهلية صارت– إذا- هي الخيار الوحيد المتبقي لدى النظام في بلادنا للحفاظ على احتكاره للسلطة والثروة.. وقد عبر عن ذلك كثير من المسؤولين المدنيين والعسكريين، والأجهزة الإعلامية وخطباء الجمعة الرسميين من خلال تقرير أن الحرب الأهلية هي البديل الحتمي في حالة الإصرار الشعبي على إجراء إصلاحات حقيقية تغير جوهر السلطة من الفردية إلى حكم المؤسسات ومن الفوضى إلى حكم الدستور والقانون.. ويصل الأمر ببعض هؤلاء المغرمين بالحروب الأهلية إلى إعلان خططهم السرية ودون انتباه لما يقولون –أو ربما يتعمدون ذلك لمزيد من إشاعة الرعب والخوف- عندما يتحدثون عن (شي الجلود، والتنكيل بالمعتصمين، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف).. وكذلك عندما يحذرون –دون مناسبة- من أن يكون (شهر رمضان شهراً لسفك الدماء، وهتك الأعراض، وقتل الأبرياء، والاغتيالات السياسية). والمفارقة المضحكة أنهم يصنعون ذلك في مناسبات يعطونها أسماء مثل: الإخاء والتراحم والأخوة..و كذلك عندما يتحدثون عن ضرورة التسامح ونبذ الحقد والكراهية والعنف، ويرفعون المصاحف ويدعون إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله!

وفي التأمل السريع في مفردات الحرب الأهلية التي يبدو النظام وكأنه يحذر منها ؛فالواضح أنها تنطبق بالضبط على ممارسات الأجهزة العسكرية والأمنية الموالية للنظام؛ فهي التي تسفك الدماء في تعز وأرحب وغيرهما، وهي التي قتلت وتقتل الأبرياء في ساحات الحرية والتغيير،وهم الذين أحرقوا جلود المعتصمين في تعز، وهم الذين قطعوا أجساد الأبرياء في المعجلة ومصنع الذخيرة في أبين.. هم الذين يرتكبون كل هذه الجرائم ثم يتظاهرون أنهم يشفقون على الوطن والشعب منها، وينسون أن أحداً لم يقتل في ميدان التحرير أو في مؤسسات الدولة حيث يعتصم مؤيدو النظام، ولم يصب أحد بأذى في مهرجاناته ومسيراته التي تمولها خزينة الدولة بلا حساب!

(الاغتيالات السياسية) هي المفردة الأكثر دلالة في خطة النظام الدموية على أنه هو الذي يخطط لتفجير الحرب الأهلية؛ فرموز المعارضة والمستقلين هم الذين تعرضوا للاختطاف والإيقاف ومحاولات الاغتيال التي تضيع تحقيقاتها عادة في زحام الحوادث المشابهة المتتابعة.. والحادثة الوحيدة التي تعرض فيها كبار المسؤولين في النظام للاغتيال جرت وقائعها داخل قصر الرئاسة الذي تحميه قوات خاصة، وتحيطه الأسوار والأبراج الحصينة، ولا يدخله إلا أهل الثقة والمقربون!

لم يتعلم النظام من دروس التاريخ ومصائر الأنظمة البائدة أن الشعوب لا تهزم مطلقاً.. ولا تخيفها الحروب الأهلية ولا يردعها العقاب الجماعي؛ عندما تقرر أن تغير مسار حياتها نحو الأفضل ، وتتولى بنفسها زمام التحولات  وصناعة حاضرها ومستقبلها مهما تكن فداحة التضحيات.

 ولم يتعلم النظام أن التاريخ عرف نماذج نادرة من الشعوب اللاجئة لكنه عرف أعدادا لا تحصى من الزعامات والأعوان اللاجئين الذين لم يعد لهم مكان في أوطانهم بعد عاندوا سنن التاريخ في أن الشعوب باقية والأفراد زائلون، وحاولوا إجهاض آمال الشعوب في الحياة الحرة الكريمة!

التلويح بالحرب الأهلية، وقتل المسالمين وتقطيع أرجلهم وأيديهم، واغتيال المعارضين لن تنفع النظام ولن تؤخر ساعة التغيير القادم بإذن الله تعالى.. فالبغي يعود على مرتكبه، والمكر السيء لا يحيق إلا بأهله، والله غالب على أمره في أنه ناصر المستضعفين ومذل الجبابرة، لا يرضى بالظلم لعباده بعد أن حرمه على نفسه وجعله محرما بين العباد.. فكيف لا ينصر من يرفض عبودية الحكام البشر ويرفض تألههم ومظالمهم طالما بذلوا ما بوسعهم من الأسباب؟ وكيف لا يهزم من استحلوا الدماء، وتجبروا على عباد ظلما وعتوا طالما عموا وصموا؟

لقد آن الأوان ليعرف الجميع أن المواجهة قائمة بين شعب يعتصم بالله ثم بسلمية ثورته ومشروعية مطالبه.. وبين فرد يعتصم بآلة الحرب الجهنمية وبمغرر بهم وببلاطجة يبحثون عن متاع دنيا فانية!

وبين هؤلاء وهؤلاء.. تقف اليمن اليوم على مفترق طرق.. ولسان حال ثوارها يقول:

                              فإما حياة تسر الصديق

                                                     وإما ممات يسوء العدا