معارك آل صالح وآل الأحمر أربكت ثورة الشباب..

46

ربما رضخ السياسون لدعاة الحرب و تحول استهداف الجيش اليمني إلى فعل يراد إخراجه بشرعية ثورية ، فباقتحام معسكر اللواء الثالث مشاة على خط المواجهة شمال صنعاء ، ومحاولة السيطرة على مطار العاصمة الدولي، تكون جبهة أرحب- نهم-  الواقعة شمال العاصمة صنعاء قد تصاعدت إلى أقصى درجاتها والحرب بلغت ذروة  الجنون ، انفرط العقد وسقط  أخر جدار ولم يبقى سوى العراء ، البلد على تخوم حرب أهلية ، الباب مفتوح على احتمالات لا حصر لها ، والتكهن بشكل القوى التي ستمسك  بتلابيب  الفترة المقبلة أمرا غاية في التعقيد ، خصوصاً بعدما ساهمت الثورة في إعادة تشكيل بنى القوى القبلية والعسكرية الموجودة على الساحة. وانتصرت للقبيلة على الدولة ، وللعسكر على المدنية  ،و للحرب على السلم.. باحتراب له بعد سياسي وتصفية حسابات عائلية  بين السلطة الباقية في السلطة والأخرى التي حددت موقفاً تحت ادعاء حماية الثورة .

 

عندما أمرت قيادة الحرس الجمهوري جزءاً من قواته المرابطة في معسكر يقع في جبل الصمع ، منطقة أرحب، بالعودة إلى العاصمة بهدف تقوية الخط الدفاعي حول دار الرئاسة  بمنطقة السبعين، وتحسباً لإمكانية حدوث مواجهات محتملة بداخل العاصمة مع قوات الفرقة ، لم تكن تعلم أن أهالي المنطقة سيقومون بمنعها من التوجه إلى العاصمة.

لكن قيادة الحرس الجمهوري لم تتعامل مع الواقعة على أنها تصرف عفوي قام به الأهالي تلقائياً، إذ أعلنت أن رجل الدين عبد المجيد الزنداني الذي ينتمي للمنطقة، ومن خلفه اللواء علي محسن الأحمر، يقفان وراء هذا العمل من أجل استنزاف طاقة الحرس الجمهوري وجره إلى خانت المواجهات  ضمن استراتيجيه  إنهاك بطيئة بعض الشيء .

ربما أن وحدات الحرس  تدرك لعبة الإنهاك  هذه تماما ، ولهذا تتعامل بذهنية حريصة على عدم استنزاف قدراتها البشرية التي تدخرها لمعارك أهم قد تكون في وسط العاصمة ، وعليه تعمد على عدم الاشتباك المباشر مع العناصر القبلية مركزة على اعتماد تكتيك القصف المدفعي المجرد وأحيانا على إسناد سلاح الجو .

 

في مواجهات الحصبة  بين قوات الجيش والأمن ومسلحو آل الأحمر، تلقت السلطة ضربات موجعة أشبه بهزة كسرت تلك الصورة، التي كانت تروج للقوات التابعة لها ، في ما يتعلق قدرتها على حسم أي صراع مسلح  بسهولة.

الوقائع على الأرض، أظهرت قدرات قتالية عالية للمسلحين القبليين في مواجهات الحصبة بالعاصمة صنعاء، اذ تمكن المسلحين القبليين  من إلحاق خسائر كبيرة  بقوات الجيش والأمن  ، إضافةً إلى قدرتهم على احتلال مواقع حكومية مهمة في النصف الشمالي من العاصمة وفي وقت قياسي. وفي النتيجة، تبدو مواجهات قبائل آل الأحمر وقدرتهم على استعراض قوتهم مؤشراً إلى دور مستقبلي، قد لا يكون من السهل أن يتخلوا عنه لاحقاً خصوصاً مع حتمية إبقاء آل الأحمر موضع قدم لأنفسهم في بنية الدولة اليمنية القادمة.

لكن هناك من يرى أن الرئيس صالح ومن خلفه قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، لم يدخلا المعركة بعد، وإن من غير المنطق قياس قدرات الحرس الجمهوري وإمكانياته من  تلك المواجهات -على افتراض- أن وحدات  من الحرس الجمهوري-   ساندت الوحدات الأمنية  في التصدي لهجمات المسلحين القبليين ، وشاركت في المعارك . فضلا عن كونها(المعركة) تكتيك ذكي صرف  الأنظار عن إشكالية توقيع الرئيس صالح على  اتفاقية التنحي عن السلطة التي جاءت بها مبادرة الأشقاء الخليجيين، وأيضا  توجيه  النقاش نحو ثورة الشباب وتدويرها على أنها نوع من الصراع على السلطة بينه وبين آل الأحمر، وهو ما نجح فيه إلى حد بعيد..

يبدو هذا الطرح أكثر مقاربة للوضع الراهن، وما كان يجري فعلاً على الأرض،لعدم  اشتراك قوات «الفرقة أولى مدرع» التابعة لعلي محسن الأحمر على نحو مباشر في المعركة حينها ، لعلم هذا الأخير أنّ قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة لم تنزل بعد، وأنها تراقب فقط وتنتظر لحظة إنهاك الطرف الآخر لتنزل حاسمة المسألة.

رغم القوة المفترضة لقوات الحرس الجمهوري الذي يقوده العميد احمد علي نجل الرئيس صالح ، وتجهيزاتها العالية ومستواها التدريبي العالي، لا يمكن القول إنها ستكون نقطة حاسمة وقوة فاصلة في الصراع الحالي، نظراً لاختلاف طبيعة الصراع الدائر اليوم، واقترابه من حالة أشبه بحرب أهلية منظمة هدفها استنزاف قدرات الحرس الجمهوري وتشتيت تركيزه بفتح أكثر من جبهة قتال " بالإنابة " وفي أكثر من مكان .. الأمر الذي  لا يمكن معه لجيش نظامي معد على نحو جيد ولديه إمكانيات عالية جدا أن يتصرف فيها على نحو طبيعي، كما لو كان يواجه جيشا نظاميا مماثل و في جبهة قتال  وليس حرب عصابات .

في المقابل لا يمكن الاستهانة بقدرات «الفرقة أولى مدرع» ،التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر والفرق الأخرى التي انضمت إليه وشاركت معه إعلان البيان رقم واحد ، أيضا له أيادي خفية ونشطة داخل بعض الوحدات العسكرية التي ما زالت تدين بالولاء و تتبع القيادة العليا للقوات المسلحة ، عدا تلك التي سبق وان انشقت عن الجيش بالتزامن مع انشقاقه. إضافة إلى علاقات الرجل الواسعة برجال القبائل ورؤوسها ، وخطوطه الواسعة مع الجماعات الجهادية والتنظيمات السرية وبعض رجال الدين المتشددين . القوى السياسية المعارضة في حالة لا تسمح لها بأن تكون طرفاً حاسماً على مستوى ما بعد حسم الصراع اليوم. فرصيدها  ليس جيداً للغاية، حيث نالت ثورة الشباب منهم الكثير، عبر إظهارهم تابعين لقرارات الجنرال ،تجلى ذلك حين ظهر محاورا باسم الثورة والمعارضة في اللقاء الذي جمعه بالرئيس صالح في بيت النائب.

إعلان الأطراف السياسية إغلاق أبواب التواصل والوصول لحالة الانسداد.. فهذا لا يعني إلا فتح باب آخر يقود باتجاه حرب ستفضي إلى إقصاء السياسيين واستبدالهم بأمراء الحرب الذين سيحكمون بشرعيتها .

فالأزمة بشقها السياسي و العسكري تم- الجمع بينهما - فكانت النتيجة أن تم عسكرة الثورة والسياسة، إذ وبدلا من طاولات الحوار تم حفر الخنادق وبناء المتارس ، ليس في الحصبة والمناطق القريبة من العاصمة فحسب .. بل وانتقلت بحرفية كبيرة إلى –تعز- أكثر مدن اليمن مدنية وثقافة .

سقوط معسكر الصمع  بيد المسلحين يعني بالضرورة سقوط  مطار صنعاء الدولي الذي يطل عليه وتهيئة الطريق للسيطرة على مناطق شمال الشمال ، وعليه يكون الطريق سالكاً ومتاحاً للتوغل باتجاه الشرق ،ومن هنا تأتي استماتة قوات الحرس الجمهوري في الدفاع عن هذا المعقل الاستراتيجي الذي سيضع مصيرها على المحك .

الميزان العسكري ما زال يميل إلى  صالح ، حيث مازالت القوة العسكرية النخبة والنوعية تدين له بالولاء ، فيما القوات المساندة للثورة تمثل القوات التقليدية، ،ولهذا السبب قررت _هذه الأخيرة _ عدم التورط في مواجهات عسكرية "مباشرة" مع قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ، هي تدرك تماما ان ذلك بمثابة انتحار ، ولذا تعمد إلا  إسناد مرئي ولا مرئي

لقوى قبلية وتيارات جهادية لتأدية نفس الدور  ولعبه بالوكالة .

مشايخ محسوبين  على حزب الإصلاح الإسلامي والشيخ عبدا لمجيد الزنداني .. كانوا ذراع اللواء علي محسن في البطش بموقع " نهم " العسكري  شمال صنعاء ، الذي لم يزد عدد أفراده عن الـ 70 فردا في مقابل نحو خمسة آلاف مسلح هاجموا الموقع وتعاملوا بوحشية مفرطة مع الجنود الذين كانوا قد عقدوا هدنة مع هؤلاء المسلحون قبل يوم واحد فقط من الواقعة .

ما استدعى السلطة إلى إرسال  قوات خاصة بمكافحة الإرهاب إلى  منطقة أرحب حيث تدور المواجهات ، للمشاركة في القتال إلى جانب قوات الحرس الجمهوري، بعدما وجدت صعوبة في حسم المعركة سريعا على عكس ما كان متوقعا تماما ، أيضا، فرضية وجود عناصر مسلحة من المتشددين الإسلاميين يشاركون في المعارك ، يتبعون رجل الدين عبد المجيد الزنداني  الموالي للواء علي محسن الأحمر.

من المبكر جداً القول بأن قوات الحرس الجمهوري لم تعد تُشكل تحدياً مناوئاً ورقما صعبا يصعب على ا لوحدات المنشقة تجاوزه، غير أن ذلك –بالمقابل- لا يعني إغفال المؤشرات التي تؤكد مبارحة الحرس لتموضعه المتقدم  في معادلة  القوى الأكثر ترجيحا  ولو جزئياً .

ثمة واقع عسكري جديد –ما لبث أن تخلق بفعل الأحداث- يجعلنا نزعم بانخفاض معدل قوة الحرس الجمهوري لقوى اخرى"مضادة" استطاعت بفعل عامل الخبرة في الحروب أن تحد من تحركاته وإرباكه في الحال . إذ ثمة تراجع ملحوظ –نوعا ما - في مستوى أداءه  العسكري على الأرض ...

وفق المعطيات الظاهرة، لا يزال الحرس الجمهوري محافظاً على ولاءاته للرئيس صالح والأولاد، لكن –في الوقت عينه- لم يعد بذاك القدر من الحيوية، وبنفس الصورة النمطية المتخيلة عنه ، أو كما كان ينظر إليه داخل المعسكرات قبل أن يخض معركة من أي نوع لتتضح من خلالها  قدراته وإمكانياته  . بعض المؤشرات الظاهرة توحي الى حد ما بأن إمكانيات الحرس والقدرة العسكرية في حسم أي صراع وكسبه ، أضحىت أمور نسبية وربما مرتبطة بمتغيرات عديدة ..

ربما التحالفات  القائمة  بين قادة الجيش المنشق  وشيوخ القبائل ورجال الدين وبعض الحركات المسلحة .. لها انعكاسات على الواقع  تعيق تحركات الحرس الجمهوري و نقطة تأثير هامة في زعزعة المسارات الاداءية  للحرس ، فحصار القبائل لمعسكرات الحرس خارج العاصمة قد أدى لعزلها عن الفعل العسكري وشل قدرتها على التحرك بموازاة التأثير في ولاءات منتسبيها، ، غير أن التحريض وحث القبائل على التحلي بقدر معين من الكراهية للحرس الجمهوري من  بوابة العمليات الحربية والقتالية التي يقوم بها الحرس وهي في الغالب- لا تتجاوز خط صلاحياته- تجسد نقطة التأثير الأكثر عمقاً وحضوراً في استعادة طابع  الكفاءة لوحدات الحرس الجمهوري ، لان ذلك يعني بالضرورة "استهداف مركز وحرب تم  تحوير أهدافها في  اجتثاث الحرس الجمهوري.

ونفس الأمر في استعادته زمام السيطرة مرة أخرى على الوضع ،وتماسك القيادة داخل ألوية الحرس وهذا لحساب نجل الرئيس الذي لازال يحتفظ بموقعه كقائد للحرس .

على عكس الجنرال محسن ، إذ تتجه الأوضاع نحو مزيد من الانشقاقات داخل القوات التابعة له ، فبعد الخلاف داخل اللواء 33 مدرع في تعز اندلعت اشتباكات داخل لواء عسكري في محافظة حجة يتبع الفرقة الأولى مدرع وذلك على اثر تعيين  قائداً جديداً للواء ، ورفض قائده السابق تنفيذ القرار وتسليم اللواء للقائد  الذي عينه علي محسن . كذلك أجرى تغييرات في اللواء 33 مدرع وعدد من المواقع العسكرية في محافظة تعز جنوب البلاد وقوبلت بالرفض ايضا

مقالات الكاتب