جمهورية رابعة

41

اليمن بمسيس الحاجة إلى إعادة صياغة وتركيب لجمهورية مختلفة تليق بثورة اليمنيين وتطلعاتهم وقدراتهم ،فالسياسة والاقتصاد والقضاء والثروة ،الأحزاب ،الديمقراطية والحريات والانتخابات ، المؤسسات، الدستور، الوحدة الوطنية، الجيش والأمن ، التعليم والصحة والخدمات والاستثمار وحتى حقوق الإنسان والمرأة والفن والإعلام والمسجد وغيرها من المسائل الملحة يستلزمها قيام جمهورية جديدة رابعة .

البعض يظن أن هذه الثورة على النظام ستكون كافية لإصلاح ما أفسدته جمهوريات ما قبل الوحدة أو بعدها، الواقع أننا نعاني من إرث ماضوي مثقل بالمشكلات والقضايا السياسية والاجتماعية والقبلية والدينية والثقافية والتاريخية المؤرقة لكل اليمنيين الذين أنهكتهم صراعات وتبعات الجمهوريات الثلاث .

قبل عقدين ونيف أعلن عن قيام الجمهورية اليمنية باعتبارها أمل اليمنيين ومنقذهم من الجمهوريتين القائمتين في كل شطر ، لكن هذه الجمهورية الثالثة كانت مخيبة لليمنيين ، فبدلا من تكون بوابة انتقال إلى مرحلة تالية أكثر إشراقا وازدهارا عادت بهم القهقرى إلى ما هو أسوأ من حالهم في كنف الدولتين السالفتين .

 التوحد مثل لغالبية اليمنيين ثورة ثالثة لجمهورية ثالثة فيما هو بالنسبة للنظامين الحاكمين أشبه بقارب نجاة من تسو نامي وصل موجه إلى معظم دول اليابسة ، هذا التضاد العجيب ما بين كون الوحدة ثورة من أجل جمهورية مختلفة غايتها مصلحة المحكومين وبين كونها وصفة ناجعة لمداواة صداع يعاني منه رأس النظامين ؛ كان من نتائجه أزمة سياسية حادة أفضت إلى حرب كارثية دمرت هذه الجمهورية وقضت على سبل إصلاحها وبما يجعلها لجميع المتوحدين بل وزادت أن عادت بهم إلى بؤس وعناء وحكم ما قبل الثورتين والجمهوريتين .

هذه الثورة ينبغي أن لا تقتصر على إسقاط الرئيس صالح ونظامه العائلي الشللي القبلي المتخلف بل يتوجب عليها الاستمرار حتى قيام الجمهورية الرابعة ، فاليمن وأهله هما الآن على مسافة قريبة من لحظة فارقة ومفصلية واستثنائية ، القضايا المصيرية لا تقررها العواطف والانفعالات الوقتية وإنما تخطها الأفكار العقلانية وتجسد ملامحها الأفعال الواقعية .

مثل هذه العاطفة الجياشة والمزاج الشخصي النفعي كان له صياغة جمهورية مازلنا نعاني من فشلها الذريع والقاتل لكل معاني وقيم التوحد ، المطلوب اليوم أكثر من تثوير الناس على حاكم فاشل وفاسد ، نحن بحاجة إلى إعادة صياغة وبناء لمنظومة جمهورية اتحادية ديمقراطية مدنية مكتملة، هذه الجمهورية بكل تأكيد قاعدتها الحريات والمواطنة والنظام ومحورها الأساس الإنسان المنتج المبدع وغايتها المنافع والمصالح والتنمية المجتمعية.

اليمن اليوم على مشارف مرحلة تاريخية فيها من المشكلات والتحديات ما يفوق قدراتها ومؤهلاتها الثورية ، لا نريد تكرار ما حدث لجمهورية الوحدة ، ربما أعتقد البعض بان الهروب إلى الماضي ألشطري حلا ممكنا وناجعا ،طرح عاطفي منفعل وجد ضآلته في واقع يعوزه التوحد والعقلانية والحيوية .

 الحسم الثوري أيضا لا يكفي لبلد يستدعيه الكثير كيما ينهض أهله ويمضون ، لا مقارنة بين ثورة هدفها إعادة بلورة نظام سياسي وبين ثورة غايتها إقامة جمهورية واستنهاض شعب مازال تائها غائبا جاهلا عاطلا دونما تسنح له الفرصة ليثبت فيها طاقته وقدرته .

 الحل لا يكون فقط برحيل الرئيس ونظامه أو بفك ارتباط الجنوب أو بحوار عقيم بين فرقاء الفعل السياسي لا يفضي لغير اتفاق سقيم لا فائدة ترجى منه ، فالمشكلات والتحديات كبيرة ومواجهتها لا يكون إلا بصياغة جديدة للجمهورية والتوحد والثروة وحتى الإنسان ذاته .

مقالات الكاتب