مخاوف من بنغازي يمنية

41

ماذا بعد إعلان المجلس الانتقالي ؟ المطلوب ألا تتوقف الثورة عند مسألة الإشهار لهذا المجلس المعَّول عليه إخراج الثورة من شرنقة المراوحة والانسداد الحاصلين إلى أفق واضح المسار والملمح ، بل ينبغي الانتقال إلى خطوات عملية ثورية أكثر جرأة وفعلية ، فطبيعة المرحلة والمهمة تقتضيان هذا الانتقال باعتباره ضرورة تحتمها الحاجة لتجاوز الحالة الراهنة الناتجة عن أزمة حادة تعاني منها الثورة اليمنية الأسيرة المراوحة ما بين كونها أزمة سياسية أم ثورة مجتمعية !!

اعتقد أن المجلس الانتقالي لا يستلزمه معركة تحرير على غرار الحالة الليبية ، فالبعض وبالذات الأوربيين والأمريكيين لديهم حساسية من مسمى المجلس الانتقالي خوفا من تكرار سيناريو المجلس الانتقالي الليبي ، فبرغم اختلاف الحالة اليمنية التي هي ليست بحاجة لبنغازي يمنية إلا هناك مخاوف من طرح فكرة المجلس الانتقالي كبديل لفكرة انتقال السلطة وفق الدستور ومبادرة الخليج .

الواقع يشير إلى أن ثورة اليمن ربما تشبه ثورة ليبيا لكنها لا تماثلها ، فإذا كانت السمة المشتركة بين العقيد ألقذافي والمشير صالح تكاد واحدة من ناحية الدولة المؤسسية المفقودة وتركز القرار بيد الاثنين وأقاربهما ناهيك عن تركيبة المجتمع القبلي خاصة في المحافظات الشمالية التي مازال ولائها للقبيلة أكثر من ولائها للدولة ومؤسساتها وتشريعاتها وأحزابها .

هذه الخصائص المشتركة بين ليبيا واليمن من ايجابياتها أنها مثلت عوامل مؤثرة في إسقاط ألقذافي ونظامه العائلي بينما من مساوئها أنها أخرت مسألة إسقاط الرئيس صالح ونظامه العائلي أيضا ، ففي الحالتين هناك تشابه واختلاف وعلى شباب الثورة الاستفادة من أوجه الاختلاف ؛ أما التشابه فليس هناك ما يدعو أوروبا وأمريكا لدعم ومساندة ثورة اليمن ، فإذا كان مجلس مصطفى عبد الجليل قد لقي الدعم والحماية من أوروبا وأمريكا وحتى الخليج والجامعة العربية فأنه لمن سوء الطالع أن تكون ثورة اليمن بعيدة عن ضفة المتوسط ولا يوجد فيها غير ممر مائي لعبور النفط الخام .

ليبيا حين تم دعمها بقوة ستكون دون القذافي أقرب لأوربا وأمريكا فالدولة المدنية الديمقراطية الغنية بالنفط والغاز يمكن لها تحقيق الاستقرار ومحاربة الهجرة والإرهاب في الضفة الجنوبية للمتوسط ، اليمن ستكون دون صالح دولة مختلفة شكلا وقالبا لذا يتوجب دعم حكم العائلة ، فبقاء صالح وعائلته في السلطة أفضل من دعم ثورة شعب .

ثورة اليمن يجب أن لا تنشغل كثيرا بأوجه التشابه مع الثورات العربية ولكن عليها استثمار ما يميزها عن هذه الثورات ، فهناك عدة أوجه تجعلها بمنأى من الصراع المسلح الطويل ومن تكرار المشهد الليبي ، فالمجلس الانتقالي في اليمن لن يكون نسخة مكررة من مجلس بنغازي .

 فهنا على الأقل الثورة الشعبية محمية وموجودة في كافة مساحة البلد ،فلديها من الجغرافيا والمساندة الشعبية ومن القوة والمقاومة ما ينوء بها من الانزلاق في حرب أهلية طويلة أو  غيرها من الفرضيات المحتملة التي ربما كان لها إطالة الصراع في ليبيا لكنها وبالنسبة لثورة اليمن فلن تفلح .

 فحتى أولئك الذين يتحدثون عن الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي كقوة رافضة واقفة بوجه الحسم النهائي عليهم أن يعلموا أن اغلب هؤلاء المنتسبين لقوة الأبناء والأشقاء هم من عامة اليمنيين وليس من المرتزقة المأجورين كما هي في الحالة الليبية ، إضافة إلى عامل الجغرافيا والقوة يوجد عامل ثالث يتمثل بطبيعة المجتمع المسلح بعكس المجتمع الليبي الذي لم يستخدم السلاح سوى بعد ثورة 17 فبراير .  

الثورات وحُكم العائلة والطائفة

في تناولات سابقة قلنا بأن هنالك فارقا شاسعا ما بين نظامي مبارك في مصر وبن علي في تونس وبين أنظمة ألقذافي وصالح والأسد في ليبيا واليمن وسوريا على التوالي ،ففي الأولى استولى النظامان الحاكمان على الدولتين المصرية والتونسية بينما في الثانية استولت العائلة والطائفة على مقاليد السلطة والقرار في كل نظام .

البعض تجده يتساءل كيف أن الثورتين المصرية والتونسية أسقطتا رأس النظامين وفي مدة لا تزيد عن 18و28يوما فيما ثورات اليمن وليبيا وسوريا مازالت لم تحسم أمرها وبعد مضي أشهر ؟ ألإجابة هي أنه وحيثما وجدت الدولة كان الحسم مبكرا والعكس صحيحا أيضا .

فثورتا مصر وتونس أسقطتا رأس النظامين الذين نجحا في مسالة المزاوجة بين نظام الحكم والدولة ، السلطة ومال الدولة ومقدراتها ،لكنهما بالمقابل فشلا في البقاء في السلطة ، فبرغم محاولتهما المستميتة إلا أنهما في النهاية رضخا لضغط الجماهير المطالبة بسقوط نظامهما فكان ولأبد من فرار الرئيس زين العابدين إلى جدة ورحيل الرئيس مبارك إلى شرم الشيخ .

 ثورات ليبيا واليمن وسوريا مشكلتها تكاد متشابهة ، فالحكم هنا ليس لنظام الحزب الواحد كما هو في الحالتين المصرية والتونسية اللتين حكمتا زمنا طويلا من قبل الحزب الوطني المصري والتجمع الدستوري التونسي فعلى العكس العائلة والطائفة هما الحزب والنظام وربما الدولة مثلما هي الحالات الثلاث  .

وجود الدولة في مصر وتونس حال دون تمكين عائلتا مبارك وبن علي من استخدام الجيش وترسانته الحربية في قتل وقمع الثورتين ، في اليمن وسوريا وليبيا استأثرت العائلة والطائفة على كل مقدرات الدولة العسكرية والأمنية والمالية وغيرها من أدوات الدولة البوليسية القمعية .

نعم نظام مبارك وبن علي استأثرا بالدولة وإمكانياتها وبرغم سطوتهما وحكمهما الفاسد والعبثي بقى نظامهما هما المسيطرين على الدولة وسلطتها ، لذا كان ولابد من سقوط النظامين في ظرفية أسابيع ،إما في الثورات السورية والليبية واليمنية فالنظام مغتصب من العائلة والطائفة وعليه فأن هذه الثورات لا تواجه نظاما سياسيا شموليا وتقليديا وإنما تواجه نظاما عائليا وطائفيا لديه من القوة العسكرية والبوليسية ما تجعله أكثر بطش وعنف واستماتة في المقاومة .

 على هذا الأساس القوة والمال والإعلام وغيرها هي بيد هاتين الفئتين لا بيد الحزب الواحد الحاكم صوريا ، من يقاوم الآن ليس النظام بل العائلة والطائفة المهيمنة على السلطة الفعلية ، فمن حسن حظ اليمنيين أن في بلادهم تعددية حزبية وحريات لا بأس بها مقارنة بغيابها في سوريا وليبيا ، فلولا أن اليمنيون اعتادوا التظاهرات الشعبية وهذا التنوع والتعدد في المشارب والأفكار والأحزاب والصحف وهذا الانقسام الحاصل في الجيش لكانت ردة فعل أسوأ عنفا ودمارا من ليبيا وسوريا .

 

مقالات الكاتب