ملحمة زنجبار .. رائعة صمود أبناء مدينة وشيخ

105

تلقيت الخميس قبل الماضي دعوة من قبل الشيخ طارق بن ناصر الفضلي لحضور لقاء سينعقد الاثنين 4/7/2011م, فلبيت الدعوة وتحركت تمام العاشرة صباحا من العاصمة الساحرة عدن صوب ذلك الاجتماع الذي ستحتضنه المدينة الجريحة زنجبار مدينة فرض عليها الحرب والدمار والخراب دون أن تعلم الأسباب وأي ذنبا فعلت حتى تحصد تلك النتائج, كانت الأمور طبيعية وعادية إلى أن وصلنا نقطة العلم آخر حدود مدينة عدن وما أن بدأت سيارتنا تلتهم الطريق باتجاه زنجبار حتى أحسسنا بوحشة الطريق واختفت معالم الحياة التي ألفناها عندما كنا نذهب إلى زنجبار في أوقات سابقة, حركة السيارات شبة متوقفة لا يوجد من مظاهر الحياة سوى صرير الريح وأصوات أمواج البحر المحاذي للطريق, آثار دمار وخراب واضحة بدأت أشاهدها ابتدأ بسيارة (ميكرو باص) محترقة تماما قيل لي أن الطيران الحربي قصف مدنيين بداخلها بالخطاء هكذا اعتدنا بكل الحروب السلطة الغاشمة تقتل وتقصف وتدمر ثم تقول عن طريق الخطأ أنها هي الخطأ بعينه, عند مصنع الحديد وعلى بعد ستة(6) كيلوا مترات من قرية الكود تجد قوات العميد فيصل رجب وقد أخذت مواقعها وتحصيناتها وصوبت فوهات مدافعها ودانات دباباتها لقصف مدينة زنجبار, ما أشبة الليلة بالبارحة ذات القوات ونفس القائد (رجب) صوب نيران راجمات الصواريخ وقذائف المدفعية والدبابات لمحاصرة واحتلال مدينة عدن عام 1994م, ليدخل إليها منتشيا كقائد منتصر بعد أن قصفها بوحشية وبكل أنواع الأسلحة واليوم وكعادة مجرمي الحروب يصوب نيران قواته على أبناء جلدته ليقصف مسقط رأسه في قرى المخزن وجعار والخاملة والدوكرة والكود والمسيمير وحصن شداد والقريات والقرنعة والشيخ عبدالله والمحل والطميسي وسواحل, لا يهم أن أحرق بن (رجب) زنجبار كما أحرق (نيرون) (روما) المهم أن يشعر بلذة النصر وأن يدخلها كفاتح بعد أن دمُرت قواته ونكس رأسه في حرف سفيان, فهل يلاقي المصير ذاته في حرف (دوفس)؟ إن لعنة هذا الوادي ستبتلعه هو وقواته كما فعلت مع غيره من قبل وهم كثر.

بعد أن اجتزنا نقطة جيش العميد رجب وهي النقطة الوحيدة والأخيرة للنظام في محافظة أبين واصلنا طريقنا صوب وادي (دوفس) تدل لك معالم المكان والآثار الظاهرة على الدبابات المدمرة الملقاة على الكثبان الرملية بين البحر والإسفلت, وأعمدة الكهرباء المحروقة وأسلاك الكهرباء المتقطعة والسيارات المحترقة أن حربا طاحنة وشرسة قد دارت رحاها في هذا المكان, على إثرها تراجعت القوات الحكومية إلى الموقع الذي ذكرناه سلفاَ, وفي مدخل مدينة الكود بدأنا نشعر بالسعادة حيث بدأت مظاهر الحياة تدب حينما وجدنا مجموعة من الشباب من أبناء منطقة الكود بجانب (صندقة كنديري) وفي مفرق طريق زنجبار الكود تشاهد عن بعد منزل مدير أمن أبين السابق الجنرال عبد الرزاق المروني وهو مهلهل بالكامل وقد ذهبت عنه مظاهر الحراسات المشددة والأطقم المفحطة وكافة مظاهر الكبر والغطرسة والعنجهية, حيث أخُبرت أن الجنرال المروني أصابته لعنة زنجبار وأرواح أبناءها الذين قتلوا برصاص الأمن أثنا توليه قيادة أمن المحافظة, قد فر متخفيا في جنح الظلام لينجى بجلده وحياة أولاده ليلة دخول الشباب المسلحين, وكذلك فعل جنرالات النجدة والأمن المركزي والأمن السياسي وغيرهم من بلاطجة النظام في أبين الذين سفكوا دماء الأبرياء من الناس وعبثوا في أبين منذ 1994م, وحتى اليوم, إذ هربوا خوفا من أن تطالهم يد العقاب بما اقترفوه من جرم بحق الإنسانية, فجرائمهم في زنجبار وجعار والمعجلة ومودية ولودر مازلت شاخصة إلى اليوم وستضل تلاحقهم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها, وعلى بعد حوالي( 400 متر ) في الجهة الشرقية من الطريق إلى زنجبار تجد قصر (السمة) مكان سكن المحافظ الجنرال صالح الزوعري المحافظ الذي اشتهر بإطلاقه وصف الخمير الحمرعلى أبناء الجنوب وتوعدهم بالسحق والقتل حتى أن الناس أصبحت تطلق عليه (زوعري الخمير الحمر) إلا أن هنجمته تلك أتضح إنها (فشنك) -طيش فيش-, فقد فر هو أيضا وبطريقه لا داعي حتى لسردها بل أن من دخلوا البيت قالوا لي أنه وحراسته هربوا قبل أن يأكلوا طعام العشاء حيث تركوا ذبيحة كاملة على النار , فلم يمهلهم الله حتىان  يأكلوا طعامهم الذي كانوا يستوقدوه, إنها لعنة أبين التي لقنتهم وأمثالهم من الظلمة الدروس والعبر على مر التاريخ.

وفي المساحة الفاصلة بين قصر المحافظ وجسر الصين تجد الأشجار العالية الشامخة الوارفة الظلال التي صنعت نفقا طبيعيا يظلل خط الإسفلت تلك الأشجار تحكي تاريخ من البطولات والصمود في وجه كافة أشكال العدوان ومحاولات الاقتلاع والتهجير أشجار عملاقة ضربت عروقها في أعماق الأرض على مر مئات السنين وعانقت هاماتها عنان السماء كبرياء وعزة وشرفا كأبناء زنجبار الصامدون اليوم في وجه آلة الحرب المجنونة, واصلنا الطريق التي كانت خالية تماماً من نقاط تفتيش الأمن المركزي المدججة بالأطقم والمصفحات في جولة محطة (الكوز) ومفرق مطعم البادية, زنجبار أصبحت اليوم خالية من ظلم العسكر ورائحة بارود بنادقهم,لقد وصلنا زنجبار أخيرا .. الشوارع خالية إلا من مظاهر الحيوانات وأكوام بقيا مخلفات الحرب والقمامة لم نسمع شيئا إلا صوتا يحلق في السماء فسئلت أحد مرافقينا عن ذلك فقال أنه صوت طيران يحلق في علو مرتفع وقد أعتدنا عليه منذ بدء الحرب, أخيرا وصلنا وجهتنا المقصودة منزل الشيخ طارق فاستقبلنا أصحابه  بالترحاب وكان في مقدمتهم الشيخ الخضر الجعدني أحد أبرز مشائخ آل (بالليل) وأحد أبرز شيوخ قبيلة الجعادنة (الفضلية) المشهورة حيث لا حضنا أن عدد كبير من شيوخ القبائل والشيوخ قد توافدوا إلى مكان الاجتماع . وعند صلاة الظهر توافدت أعدادا كبيرة أخرى بينهم مجموعة كبيرة من الشباب المسلحين من أبناء وقبائل زنجبار قيل أنهم تجمعوا لحراسة شيخهم الشيخ طارق الفضلي الذي فضل البقاء وعدم الخروج من زنجبار, وبعد الصلاة قدمت لنا وجبة الغداء بكرم الحاتميين كما هي عادة الشيخ طارق وكما عرفناها من سابق, أثنا الغداء بدأت تدور في رأسي عددا من الأسئلة , لماذا لم يغادر الشيخ طارق الفضلي منزله كبقية المسئولين والشخصيات الاجتماعية بعد أن أجبرت حدت القصف البري والجوي والبحري المواطنين البسطاء النزوح خوفاً على حياتهم وحياة أولادهم؟ وهل مازال طارق الفضلي بنفس الحماس والحيوية والنشاط والنضال والصمود الذي عرفته به أيام فعاليات النضال السلمي الجنوبي؟ أم أن دمار الحرب وعنفوان القصف وتدمير منزله قد أثر فيه؟

بعد الغداء وفي صالة المنزل وجدت الشيخ طارق الفضلي حيث استقبلني بحرارة وسلم عليا بالأحضان وقال لمن حوله هذا هو الصحفي الحر والشجاع الذي مازال صامدا ويتحدى المخاطر دائما للوصول إلينا .. أحسست حينها بالخجل فأنا لم أقدم شيئا , لأني أتيت للتغطية بناءا على دعوته مثلما فعلت من سابق.

ثم بدأ الاجتماع وسادت نقاشات بين الحاضرين خلصت جميعها إلى رفض الحرب وتدمير مدينة زنجبار والمطالبة بإعادة النازحين من أبناء زنجبار وتعويضهم التعويض العادل, وأنتقد عدد من الحاضرين أولئك المشائخ أو المسئولين من أبناء أبين الذين ذهبوا إلى عدن للمتاجرة بقضية زنجبار وآلام النازحين واستلام المبالغ من وزير الدفاع أو غيره من تجار الحروب الذين اتخذوا من فنادق عدن أماكن للتآمر وقضاء أليالي الحمراء على حساب أطفال زنجبار ونسائها وشيوخها المشردين في المدارس والمتنفسات العامة لا يجدون قوت يومهم أو دواء أطفالهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء منتظرين قدرة الله عز وجل ليقول كلمة الفصل في هولا القتلة الظلمة  وفي ختام الاجتماع قام الشيخ طارق الفضلي بإلقاء البيان الختامي للاجتماع حيث رددت أصداءز المكان التصفيق الحار لذلك البيان بنجاح الاجتماع واشتمال البيان على عدد من المواضيع المهمة والنتائج التي خرج بها ومنها تشكيل لجنة برئاسة الشيخ طارق الفضلي وممثلين عن كافة قبائل آلـ(فضل) ليناط بها وحدها حلحلة الوضع القائم والتشاور مع كافة قبائل أبين المجاورة وكافة شرائح المجتمع الأبيني لتحديد موقف مشترك إزاء ما يجري اليوم, وبعد أن غادر العديد من الحضور التقيت بالشيخ طارق لأحصل على أجوبه شافية لتلك الأسئلة التي كانت تدور في خلدي

- فقلت: له لماذا لم تخرج ياشيخ من زنجبار؟ قال: ياخي وجدي لن يخرجنا أو يقلعنا من أرضنا أحد كائن من كان إلا بقدرة الله عز وجل لقد صمد آبائنا وأجدانا وأهلنا أبناء زنجبار وآلـ(فضل) أمام كل محاولات التهجير والتشريد والتهميش والظلم وأنا لست أقل منهم شجاعة وصمود وسأظل صامدا في أرضي ولن أتزحزح عنها.

- لكن الحرب عنيفة ياشيخ طارق وآثار القصف كما شاهدناها قد وصلت إلى منزلك؟

قال أنسيت ياوجدي ما حدث لنا في 23يوليو 2009م, من قتل وقصف بكافة الأسلحة وكنت أنت أحد الحاضرين, الحياة والموت بيد الله عز وجل ومنزلي ليس أفضل أو أحسن من منازل أخوتي وأهلي أبناء زنجبار وجعار ولا أنا ولا أولادي وأسرتي أفضل منهم, سأصمد وسأصمد بكل ما أعانني الله من قوة وصبر حتى يقضي الله أمرا حكمه من عنده.

- شيخ طارق ولكن أغلب القيادات خرجت من أبين؟

هذا شأنهم وهي عادتهم لايكونوا حاضرين دائما إلا بالفائدة خارجين من الخسارة لكن التاريخ لن يرحم كل من تآمر على أبين وقصف منازلها وقتل أبنائها وشردهم, ولن ينسى أبناء أبين لهم هذا الموقف وكافة مواقفهم السابقة التي نعرفها جميعاً.

وبعدها سلمت على الشيخ ومن تبقى من الحاضرين عندها قام الشيخ وليد الفضلي والشيخ حيدرة علي حسين دحه بتكليف الأخوة عبد السلام الصبيحي ورمزي العفيفي لمرافقتي والشيخ ناصر محسن الفضلي والمحامي نبيل العمودي وسائق سيارتنا محمد النجدي إلى خارج مدينة الكود لنواصل طريقنا إلى عدن ويعودان إلى زنجبار وهكذا أنقضى يومي الوحيد في أبين أثناء الحرب عائدا إلى عدن آملا أن أعود إلى أبين وقد زالت عنها هذه المأساة وانتصرت بإرادة أبناء ها الصامدين ومدينتهم وشيخها على آلة الحرب المجنونة ومن يقف خلفها من تجار الحروب وصناع الأزمات الذين اتخذوا من ذلك سلوك للاستمرار في سلطة الحكم.