المناطقية هويتنا

90

ولدت في ساحل المكلا الحضرمي، ومع أسرتي التي انتقلت الى عدن، تربينا على تنوع وكمال جمع بين ثقافة مدينة عدن الحديثة وتقاليد حضرموت العريقة.
مثلنا كانت مئات العائلات والأسر، الرجال والنساء، اعادت عدن بناء شخصياتهم دون ان تلغي انتمائهم الوجداني لمناطقهم، حتى التي هربوا منها اليها فرارا من مشكلات الفقر او الجهل او الصراعات.
جمعتنا المدارس، والمستشفيات، والشوارع، والحافه التي كنا نلعب فيها الخط طويل، كل منا محتفظ بتقاليده العائليه سواء جاء من مدينه أو قرية، من جبل أو ساحل، من البدو أو الحضر. وربما اننا ضحكنا على جملة حضرمية أو أكلة ضالعية، أو سلوك ما من هنا أو هناك، ولكنها ابدا لم تحولنا الى متصارعين سياسيين في الحوافي والشوارع.
ما اريد قوله، هو اننا فعلا كجنوبيين مناطقيين، وهذا ليس عيبا، فكلما اعتزينا بمناطقيتنا احببنا مناطق بعضنا البعض. وكملنا بعضنا البعض.
لقد أحببت مودية، من اعتزاز أنيسه، زميلتي في الصف، التي ولدت وتربت في عدن، ولكنها كلما عادت من إجازة من مودية كانت تحدثنا بتباهي عن قريتها ومافيها، ولم يخلق هذا عندنا حسد ولا غيره بل أحببنا معها مودية. ولم أنسى فخر، لقاء وذو يزن، جيراني التوأم، بيافع، وجبالها الشاهقه، وقصائد شعرائها. وغيرهم كثير.
وفي الأخير كانت تجمعنا لحظات تحية العلم، لتقول لنا بأننا ابناء وطن واحد.
وحافظت الدولة، على تنوعنا ووحدتنا في نفس الوقت.
لم تعطى منطقة من المناطق مصالح حرمت منها أخرى، كما لم يصبح هذا موظفا لأنه من الصبيحة، ولا ابعد هذا لانه من الوهط، وسار علينا قانون واحد. لافرق بين ابن الرئيس وابن العامل.
ومهما قيل عن سياسة الحزب الاشتراكي، فانني بنت عدن عاصمة دولة الحزب، تربيت في أسرة كان منها مسؤلين في مناصب مختلفة، دون أن ينتمي أحد منهم للحزب الاشتراكي. مثلهم مثل المرحوم فيصل بن شملان الذي لم ينتمي للحزب وبقي محافظا على استقلاله وهو ينقل من منصب لاخر في دولة الحزب، فالمهم انه لايخالف قانون الدولة الذي يحظر الانتماء الحزبي لغير حزب الدولة.
لقد كان الجميع منتمي للوطن، مصلحته فوق مصلحة الفرد ومصلحة الحزب.
واننا كجنوبيين، مطلوب منا اليوم، تذكر كل هذا، وادراك أن المصالح الفردية والحزبية، وليست الانتماءات المناطقية هي من تصنع التفكك بيننا، وتعيق وصولنا الى هدف دولة الامان والاستقرار.
اننا كمواطنين، لنا مصالح مشتركة أكثر مما بيننا كأعضاء أحزاب، ولايجوز ان نتعامل مع الاحزاب كأتباع ننفذ لها مطالبها، لان المفروض اننا نحن من نحدد مطالبها لمافيه مصلحة وطننا الذي نعيش فيه نحن وغيرنا من المواطنين من الاحزاب المختلفة.
على الجنوبين ان يتقبلوا بعضهم، مهما اختلفت انتمائاتهم الحزبية والثقافية، والمناطقيه. وسيكون الاكمل لو انهم تذكروا الايجابيات واستعادوها، وابقوا السلبيات كتاريخ للتفكر والاستفادة، وتجاوزوها.

مقالات الكاتب