الجنوب والمسئولية التاريخية (1-2)

100

القضية الجنوبية من المصطلحات التي بمجرد التلفظ بها أو تناولها في مقال صحفي أو طرحها بشكل مباشر في مجمع ما بأي صورة من الصور ، بمجرد طرق موضوع القضية الجنوبية تتبادر إلى الأذهان تصورات متباينة وتتخذ مواقف مختلفة وفقا والقناعات المسبقة والرؤى المقررة سلفا لدى كل أحد.

 

ولا أريد في هذا السياق وفي هذا الموضع أن أتبنى تخطئة أحد أو أبادر إلى الرد عليه وتفنيد قناعاته كما لا أريد أن أصادر حرية أحد في أن يختار وجهة النظر التي يراها أصلح ، وإنما حسبي أن أطرق نقاطا لعلها تكون موضع اتفاق بين كل من له أدنى اهتمام واستشعار لضرورة حل ومعالجة القضية الجنوبية علاجا فعالا وعادلاً ، ورغم عزمي على عدم الاصطدام ما أمكن بذوي الوجهات المتباينة والآراء المختلفة إلاّ أنني أجزم مع ذلك بأن من الناس من لا يعجبه العجب ، وفي تصوري الخاص أن هذه النقاط محل اتفاق بين كل من يعيش هم أو هموم القضية الجنوبية وتعقيداتها وهي وإن كانت كذلك إلاّ أن التذكير بالثوابت ومواضع الاتفاق يكون أهم بكثير من الاهتمام بالجزئيات ونقاط الاختلاف وإعطائها أكثر من حجمها وبعدا عن إطالة المقدمات ندخل مباشرة لتناول الموضوع في بنود متوالية:

 

1 - قد نسمع تثريبا من البعض أو ما يشبه اللوم والنبز بالأنانية لمن يتبنى طرح القضية الجنوبية إزاء ما يمر به الوطن عموما والحقيقة أن هذا الموقف فيه من المغالطة والتمويه ما لا يخفى على عاقل ، فلا أحد يقلل من القضايا المصيرية والمنعطفات الخطيرة التي يعاني منها الوطن بشكل عام ولكن هذا لا يعني بالضرورة الانشغال كلية عن القضايا الأخرى والتي تشكل بدورها وثقلها ملمحا من ملامح القضية الوطنية المصيرية الحالية .. نعم فليس تبني القضية الجنوبية والدفع بعلاجها وطرحها للمناقشة وتكثيف الجهود لعلاجها .. ليس في هذا غضاضة لمن يتبناه سواء من هذا التيار أو ذاك فالقضية الجنوبية قضية محورية وجوهرية بل إنني أتوجس خيفة ممن يتكلم بهذه اللهجة وينظر للقضية الجنوبية بهذا المنظار .. إن تبني القضية الجنوبية والسعي لحلها حلا عادلا منصفا لا يتنافى إطلاقا مع القضايا المصيرية الوطنية وعلى رأسها حتمية إسقاط النظام البائد ، وليس من مبرر لأحد إذا رأى أو سمع من يناقش القضية الجنوبية وضرورة طرحها أن يتهم من هذا الطرف أو ذاك بالتنكر للوحدة أو المساس بالثوابت أو يتهم بضيق الأفق والأنانية .

 

2 - إن على كل جنوبي وكل من يهمه القضية الجنوبية أن يستشعر ضرورة المرابطة والحراسة لأجندة الجنوب وشعب الجنوب من وراء الثورة .. لا ينازع أحد في أن من أولويات الثورة و أهدافها لدى الجميع في الشمال والجنوب إسقاط النظام الفاسد وقذفه إلى مزبلة التاريخ .. ولكن لا يعني هذا بالضرورة الانشغال عن القضية الجنوبية بكل تداعياتها فهناك حقوق مسلوبة وأراض منهوبة وأياد عبثت وتلطخت بجرائم في الجنوب .. بل هنالك كرامة قد سلبت وأهينت بتصرفات هوجاء وغير مسؤولة من حثالة النظام الحاكم وعناصره في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية .. هناك وهناك مآس ومآس قد مورست ضد الجنوب .. هذا وغيره مما لم نذكره يقتضي أن يتنبه الجنوبيون كل الجنوبيين بكل أطيافهم .. وإذا كنت أكبر الشباب والطلاب الذين بذلوا جهودا جبارة بالاعتصام في الساحات أو بتحريك المسيرات وتنفيذ الفعاليات .. إذا كنت أكبر لهم هذه المرابطة والتي آتت أكلها برحيل النظام وأزلامه قريبا .. فإنني أدعوهم وبقوة للمرابطة وباستمرار للانتصار للقضية الجنوبية والتصميم على أن تحقق هذه الثورة وتقدم للقضية الجنوبية وللجنوبيين ما يصبون إليه من أهداف.

 

3 - قد اتفق أبناء الشعب اليمني وتوحدوا على شعار إسقاط النظام والمسألة مسألة وقت لا أقل ولا أكثر ولكني أذكر كل الجنوبيين بأن الناس في بقاع اليمن وكل المحافظات والمدن .. كل منهم له أولوياته وهمومه وخصوصياته التي سيسعى لتبنيها ، وهذا أمر طبيعي فالكل قد احترق واكتوى بنار النظام السابق وإن كان النظام البائد قد حرق كل أحد بطريقة معينة ومارس بطشه وظلمه ونهبه وسلبه في كل الأماكن بطرق مختلفة ومتنوعة .. ولذا فإنه ما من محافظة أو مدينة إلا وسيشغل أهلها بتحريك ملفات كثيرة بالطرق المختلفة وسيسعون لعلاجها وحلحلتها .. وبناء عليه فإن من حق كل جنوبي بل من واجبه أن يدفع بالقضية الجنوبية وأجندتها ومآلاتها وأن يرابطوا جميعا لاستعادة الحقوق المستلبة والمكتسبات المنهوبة ..

 

أيها الثوار في عدن .. أيها الثوار في حضرموت .. أيها الثوار في أبين .. أيها الثوار في لحج .. أيها الثوار في شبوه .. أيها الثوار في المهرة .. إن لم تتحمسوا أنتم لقضيتكم وتدافعوا عنها وتقوموا على حراستها وتفكروا باستمرار وبعمق وبموضوعية .. إن لم تصنعوا هذا فلن يتحمس أحد غيركم لها وإن لم تدفعوا وتدافعوا عن قضيتكم وتقوموا على حراستها وتفكروا جيدا في هذا فلن يفكر لكم أحد .. وأرجو ألاّ تلوموا أحدا بعد ذلك إن تخاذلتم ولم تكونوا على قدر المسئولية والموقف التاريخي والفرصة السانحة التي قدمت لكم على طبق من ذهب على يد الثورة والثوار المخلصين .

 

4 - إنني أرى ضرورة وجود مظلة يتداعى إلى فيئها كل منتسب للجنوب ومتحمس لقضيته .. إن التشكيلات السياسية والفئوية والفكرية ووو . . إن كل هذه المكونات الموجودة في الجنوب في حاجة للحوار الداخلي والتنسيق والخروج برؤى لا أقول موحدة حتى لا أكون مثاليا بل رؤى متقاربة متناغمة لا متصادمة .. وهذه خطوة أرى أنها متأخرة إلى حد ما .. إنني أوجه دعوتي لكل العقلاء وأصحاب الرأي والقيادات السياسية والاجتماعية الحرة أن تتداعى فيما بينها وتقدم بين يدي ذلك النوايا الحسنة والمقاصد الصحيحة وتعزز الثقة المتبادلة في ما بينها .. أدعوها في هذه المرحلة التاريخية الحرجة للتقارب والتشاور حول ما من شأنه تعزيز مكانة القضية الجنوبية وضرورة علاجها .. وأنا أجزم وعلى ثقة تامة بأن لدى الجنوب من العقليات وأصحاب الحنكة والرأي ورجاحة العقل والخبرة بالإضافة إلى الوطنية والأصالة والنزاهة والصدق .. لدى الجنوب من هذه النماذج والكفاءات الأعداد الكثير ممن يحرص على مصالح الوطن عموما وعلى القضية الجنوبية على وجه الخصوص ، فليتداعى العقلاء وأصحاب الرأي والتأثير ليقوموا بواجبهم التاريخي والوطني.

 

5 – وإذا كنا قد دعونا في البند السابق لتداعي أرباب الرأي والحجى ليقوموا بدورهم في هذه المرحلة فإننا نحذر من أصناف قد يظنون أنفسهم أو يظنهم بعض الناس أنهم أهل لتمثيل الجنوب والتحدث باسم الجنوب وقضيته :

 الصنف الأول : وهم فريق قد تلطخت أيديهم وتلوثت في ظل النظام الساقط بالعبث بمقدرات الجنوب وانتهاك حقوقه ولم يكونوا سوى حذاء انتعله علي عبدالله صالح ليطأ به عزة وكرامة الجنوب .. فالحذر الحذر من هذا الصنف ..

 

الصنف الثاني: وهم صنف يجيد التلون وكأنهم من نسل الحرباء فلديهم استعداد تام للتشكل وفق ما تمليه الظروف .. تدفعهم لذلك إما أهداف شخصية أو أغراض فئوية ينطلقون منها .. هذا الصنف لديه استعداد بأن يكون ولو من جند إبليس ذاته .. إذا كان ذلك سيحقق له ولفئته مصالح ويجعله في موقع التأثير والقرب من مصدر القرار ..

 

الصنف الثالث: راكبوا الموجة والطفيليون والفضوليون ممن وقفوا موقفا سلبيا من الثورة وشبابها وفعالياتها فلما سقط النظام وهوى ظهروا على الملأ ليقدموا أنفسهم بلباس الثورة ويتغنوا بأمجادها التي لم يسهموا ولو بالكلمة في إنجاحها .. فشتان بين من بذل جهده وضحى بما يملك من أجل الثورة وبين من أتى بعد خلو الميدان وانتهاء المعركة ثم لا يستحي أن يتصدر ليمارس دور سرقة الثورة ..  فأرجو أن لا ينطلي حال هؤلاء على الثوار وألا ينخدعوا بهذه النماذج. ..

 

الصنف الرابع: وهم فريق سيدفع بهم النظام البائد سواء في الدقائق الأخيرة من سكرات موته وسقوطه ليمارسوا أدوارا مشبوهة منافية للثوابت الوطنية والدينية .. سيدفع بهم في هذه اللحظات الأخيرة .. أو سيدفع بمجاميع أمثالها بعد أن يتساقط ويلجأ إلى جحر من الجحور مشتملا على حقده وغيظه .. سيدفع بهم بعد أن يدفع لهم ويستأجرهم لممارسة مسلسلات من الكيد والدس والوقيعة .. فلا يستبعد من الأفعى إذا ألجئت إلى جحر من الجحور لتختبأ فيه لا يستبعد أن تنفث سمومها عن بعد وفي الظلام خلسة إلى الجسم اليمني وطبيعي جدا أن تجد من مرضى النفوس وبائعي الذمم وهم كثر ممن سبق أن باعوها لعلي عبدالله صالح ومفسديه طبيعي جدا أن تجد من أمثال هؤلاء من سيرضى لنفسه الاستمرار في ممارسة مسلسل الامتهان والعبودية والاستخذاء والتبعية لنظام قد انتهت صلاحيته ورمي به في مزبلة التاريخ ..

 

نسأل الله أن يجنب اليمن كل مكروه وأن يبارك ثورته وأن يحفظ وحدته.. ونسأل الله أن يلهم الجنوب بقياداته وكفاءاته وكوادره سلامة التفكير ومنطقيته ليقوموا بالمسئولية التاريخ في هذه المرحلة والمنعطف الخطير من تاريخ اليمن الحبيب.

 

وإلى لقاء آخر مع سلسلة (الجنوبي والمسئولية التاريخية) .