سيناريو الثورة المضادة

85

يقول أحد الروائيين  الفرنسيين مقولة أعجبتني كثيراً ولقد قالها قبل أكثر من 150 عام فقال:" إن الثورة مثل الرواية أصعب ما فيها هو نهايتها"، واليوم نحن نعيش وكما يبدو لي المخاض الأخير للثورة.

 فاليوم يريد الثوار على امتداد وطننا الحبيب أن يخرجون اليمن مولوداً جديداً قائماً على أسس الدولة المدنية الحديثة، يريدون أن يقلبوا صفحة هذا النظام المقيت وذكريات حكمه الأليمة والتي تمثلت في فساد مقرف وبطالة تزداد وفقر مدقع ومستوى خدمات متدني سواء في الصحة أو التعليم وغيرهما وأمية منتشرة "مع العلم أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين"، ناهيك عن ديمقراطية زائفة وفوق كل ذلك ستة حروب في صعدة وتجاهل مزري لصيحات أبناء الجنوب المتألم جراء التهميش والإقصاء.

 وبالتزامن مع هذا المد الثوري وقف النظام وبقاياه في لحظات النزع الأخيرة عائقاً أمام خروج هذا المولود من الباب الكبير، فلقد حاولوا ولا يزالون إعاقة الثورة من خلال ثورة مضادة أجزم أنها بدأت متزامنة مع بداية الثورة وسوف أسرد لكم من وجهة نظري الشخصية معالم هذه الثورة المضادة، فلقد استعمل هذا النظام الهمجي عدة استراتيجيات لوئد الثورة، وكان المال هو العامل المشترك والداعم الرئيسي في جميع مراحل ثورتهم المضادة، مع العلم وللأسف أنّ هذا المال هو مالي ومالك ومال كل الوطن على أرض هذه التربة الزكية، فلقد استعمل المال العام لصرفه على كل مراحل الثورة المضادة، فأول ما بدأ به هو التخويف عبر استعمال القوة البربرية ضد أي مسيرة وفي كل اعتصام وما لبث أن سقط هذا السلاح أمام اصرار الثوار ومواجهتهم آلة القمع والقتل بصدور عارية مما جعل بلاطجة النظام في ذهول من هذا الصمود الأبي لجموع الثوار ووصلت ذروتها في جمعة الكرامة المشهودة، وبعدها دخل النظام في استعمال ورقة أخرى وهي خلخلة صفوف الثوار من الداخل وهنا بدأ بنشر مرتزقته من الأمن القومي والسياسي داخل الساحات وبدأ باستجماع  قوة اعلامه المهلهل والمضلل وبث الشائعات والأخبار الكاذبة لكي يسبب الوقيعة بين مكونات الثوار وهي الشباب والأحزاب والحوثيين والحراك وضل يمارس الأساليب الرخيصة من أجل إحداث الشقاق بين هذه المكونات.

 وأقولها وللأسف فإن بعض الشباب لم يتنبه لمثل هذا المخطط وأنجرف في خضم هذه الشائعات ممّا أوجد نوعاً من الاحتقان الغير مبرر مابين مكونات الثورة، حتى أنّ بعض الشباب بدأ برفع شعار "لا حزبية ولا أحزاب" وهو مايدعو للدهشة لأن التعددية الحزبية هي أصل من الأصول المهمة في أبجديات الدولة المدنية الحديثة والتي ينادي بها جميع الشباب في جميع الساحات بل هي أول أهداف الثورة باتفاق الجميع.

 وللأسف لاتزال بقايا النظام تستعمل هذه الاستراتيجية حتى الآن من خلال حملة اعلامية منظمة يقودها المهرج الأول للنظام عبده الجندي، وعندما رأت عصابة النظام المتهالك أن بقاء سلمية الثورة وتشبت الشباب بهذه السلمية يمثل ضررا كبيرا في وجهها القبيح أمام المجتمع الدولي وخصوصاً بعد المجازر المتتالية انتقل النظام إلى إستراتيجية مدمرة وهي محاولة جر البلاد الى حرب أهلية ولسان حاله يقول "أنا ومن بعدي الطوفان" أو كما يقال في ادبيات السياسة "سياسية الأرض المحروقة" وقد تجلت تلك الاستراتيجية في احداث الحصبة وقصف منزل الشيخ/عبدالله حسين الأحمر ودك القرى في نهم والقصف المستمر لأرحب واجتياح ساحة الحرية بتعز بالجرافات.

 نعم كل تلك المحاولات لجر البلاد الى الحرب الأهلية والضغط لترك الشباب لسلميتهم أظهر الوجه القبيح لهذا النظام أمام العالم كله وهنا تدخّل المجتمع الدولي بحزم لوقف هذه الأعمال المشينة وعندما تنبه النظام أنه أصبح في مرمى المجتمع الدولي والبيانات شديدة اللهجة من وزراء خارجية الدول العظمى حنّ الى ورقته المفضلة وفزاعته الأولى وهي القاعدة والأصوليين وذلك لإرجاع تأييد المجتمع الدولي له، ولتنفيذ هذا السيناريو لا يوجد لديه أفضل من محافظة أبين الغالية، وفي مظهر آخر من مظاهر قباحة وبشاعة هذا النظام فقد سلم هذه المحافظة الأبية بمقراتها  ومؤسساتها وحتى معسكرات الأمن المركزي والعام بدون أي ضمير ووازع أخلاقي وهانحن اليوم نعيش أمام هذه المأساة الإنسانية بنزوح أبناءنا وإخواننا من أبين الحبيبة الى عدن ولحج وتشتتهم في المدارس والبيوت، وها نحن اليوم نعيش الورقة الأخيرة في يد هذا النظام وأراه يرقص رقصة الموت الأخيرة، فلقد لجأ إلى أشنع وسيلة يمكن أن يستعملها أي نظام لإخضاع شعبه وهي سياسية العقاب الجماعي ومحاربة الناس في اقواتهم وخدماتهم الأساسية، فافتعال أزمات للوقود ينتج عنها ارتفاع جنوني لأسعار السلع الغذائية والمواصلات وانقطاعات للكهرباء لفترات طويلة في عز الصيف وخصوصاُ للمناطق الحارة مع أزمة في مياه الشرب، كل ذلك يهدف منه النظام إلى جر عموم الناس والبسطاء أو كما يقال عنهم "الأغلبية الصامتة" إلى الانقلاب على الثورة ودفعهم إلى تحميل الثوار مسؤولية هذه الأزمات، ولكن نسي هذا النظام المثل القائل "كما تدين تدان" وأظن أن النظام اليوم لا يدري أنه بفعله هذا إنما يؤلب على نفسه الأغلبية الصامتة ويخرج البسطاء إلى ثورة اخرى أشد وأعنف وهي "ثورة الجياع".

 وفي الأخير اسمحوا لي ان أقف وقفة أخلاقية أمام ما تبقى من منتسبي هذا النظام وأخاطب فيهم ضمائرهم الحية إن بقي فيهم ضمير، لما كل هذا فهل يستحق هذا الشعب الطيب الذي ظل صامتاً طوال 33 عاماُ على الظلم والفساد والرشوة والبطالة والأمية والتخلف في التعليم والصحة والتزوير في كل شي، لماذا هذا التعنت والإصرار فهل من أجل شخص تدمّر البلاد بكاملها، هل لأجل سلطة زائلة وحياة فانية تراق دماء الشباب الطاهر بدم بارد، هل لأجل كرسي يشرد ابناء أبين من بيوتهم ويعيشون حياة اللجوء في وطنهم، واخيراُ أرسل رسالة لكل من يتململون في صفوف الثوار، فبعد كل هذه السناريوهات وكل هذه المؤامرات على مدى خمسة أشهر لا أجد إلاّ أن أنحني إجلالاُ أمام ثورة شعبي المقدام وأقولها بصوت عالي" إلى الأمام ياثورة اليمن العظيمة".