نظارة غاندي وكوفية جيفارا

41

أحب ثورة  الملح ولدي حساسية مفرطة من ثورة البارود ، اعتقد نفسي مفتونا بالرجل الأسمر النحيل المهاتما غاندي ،عاشقا للطبيب الثائر تشي جيفارا وكوفيته السوداء ونجمته الخماسية الملهمة لكثير من أحرار العالم ، حبي لثورة الملح الأبيض ومبتكرها العجوز الزاهد المحامي غاندي لا يقلل من إعجابي بالرفيق جيفارا وبندقيته المحاربة للظلم والاضطهاد .

 فأيا كان هذا الإعجاب بالأرجنتيني وكوفيته وثورته الحمراء إلا أنه لا يحول دون نزع قبعته إجلالا واحتراما للزعيم غاندي وثورته البيضاء المستلهمة اليوم من كل الشعوب التواقة للانعتاق من الاضطهاد والاستعباد ،فهذا  الزمن زمن الحكيم الهندي الثائر على اعتي إمبراطورية استعمارية عرفها العصر الحديث ، فبفكره الوقاد وأخلاقه ومثله النقية النبيلة وبدنه الهزيل قاوم جبروت المستعمر حتى نال شعبه الاستقلال عام 47م .

من يظن أن العهد عهد جيفارا فليرتدي قبعته ويمتشق بندقيته ؟! المؤكد أن منطق كهذا الذي يؤمن به فتيان المقاومة المسلحة لن يؤدي لسوى الهلاك والخراب ، نعم كان موطن جيفارا حيث القهر والاضطهاد يقطنان ، ففي ذلكم العهد الزاخر بالشعارات والثورات والشعوب المستعمرة كان للعنف الثوري طرقا وسلاحا ورجالا وأوطانا إما في هذا العصر فعلى ما يبدو أنه عصر غاندي القائل : ليست القوة هي الحق بل الحق هو القوة .

لو أن الزمن الحاضر فيه متسع للسير على صراط الإباء الثائرين ببنادقهم ورصاصهم على المستعمر الأجنبي أو أن هناك مكان للزهو والفخر بالبندقية ؛ لكان الأولى بالروسي المخترع للبندقية الكسندر كلاشينكوف الزهو بسلاحه والترويج له بدلا من انشغاله الإعلاني بالترويج للمشروبات الروحية والعطر وربما أيضا الأحذية .

هؤلاء الذين لا يجيدون غير لغة السلاح ينبغي لهم البحث عن وسيلة أخرى تتناسب مع طبيعة العصر الراهن الذي مهما بلغت قساوته ومعاناته إلا أنه لن يكون نسخة مكررة من تواريخ وأحداث ورجال وثورات الأمس ، في بلد يرفل بشتى صنوف العتاد الحربي الشعب بمسيس الحاجة إلى نظارة العجوز غاندي لا إلى كلاشينكوف جيفارا ، فالأولى واقعية وسترشدنا إلى جادة الحق إما الثانية فكارثية وفي متناول اليد وستؤدي بنا إلى الهلاك .

في إحدى المرات وضعت سؤالا على الشباب الثائر على صفحات الفيس بوك ، هذا السؤال هو : أيهما موطنك المفضل ؟ الوطن الذي تعيش من أجله أم الوطن الذي تموت في سبيله ! تصوروا كيف أن اغلب الإجابات اختارت الوطن الذي يجب أن يؤخذ حياتنا كقربان ؟ .

لا اعتقد أن من يفضل الموت على الحياة شخصا سويا ، نعم في أحايين كثيرة يكون الموت شهادة ومكرمة لا يجود بها سوى الشجعان الأحرار ، ولكن تذكروا أنه حتى نيل الشهادة لا تكون إلا قربانا وتضحية في سبيل حياة حرة وكريمة .

مقالات الكاتب