القضية الجنوبية في أجندة شباب الثورة

77

لم تنزل الاحتجاجات الاجتماعية على اليمن فجأة ولم يكن الحراك الثوري الذي يجري اليوم انعكاسا لما شهدته المنطقة العربية او وليدا لها خاصة بعد ثورتي تونس ومصر بل هو امتدادا طبيعي لحراك شعبي جرت بداياته منذ العام 2007م في المحافظات الجنوبية كثمرة لحالة التحول في مسار التعبير عن القضية الجنوبية عبر كسر حالتي الصمت والجمود الشعبي وقد تجسد هذا الحراك في سلسلة من الفعاليات والمسيرات والاعتصامات الاحتجاجية السلمية .

وكان لهذا التحول أثرا كبيرا لدى كل القوى الوطنية التي هرعت للتعامل مع هذه القضية والاعتراف بها كأبرز مظاهر الأزمة الوطنية التي تهدد الوحدة الوطنية .

لقد تميز الحراك الجنوبي في أنه استطاع أن يقدم الصورة الواضحة والحقيقية لعمق الأزمة ودفع بكافة أطراف المنظومة الوطنية إلى التعاطي معها .كما تميز أيضا في رفده لساحات العمل السياسي بقوى اجتماعية مختلفة على رأسها الشباب والذي لعب دورا كبيرا في الحراك إذ شكل الرقم الأبرز في كل فعالياته والأكثر نشاطا في تشكيل الأطر والإشكال التنظيمية لقوى الحراك ومكوناته . فقد تشكلت عندهم القضية بأوجهها العامة وترسخت على أسس منطقية انطلقت من حالة الفشل لدولة الوحدة في كافة المستويات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية والثقافية إضافة إلى ما لمسوه من مشاعر الحرمان السياسي والخدمي والوظيفي وصولا إلى ما ترتب عليهم من حالة المعاناة وبقدر ما شكل اتساع مشاركة الشباب وفعالياته (خاصة جيل الوحدة ) متغير جديدا في مسار الحراك فقد مثل دافعا إضافيا لحالة من التفاعل تجاه هذه القضية شمل معظم المدن اليمنية وان لم يكن عند المستوى المطلوب ،كما خلق أفاقا جديدة ومساحات في توجه القضية ومساراتها لتأخذ في معظمها بعدا وطنيا عاما ,وكان لانتصار الثورة في تونس ومصر واتساع نطاق الحراك الشعبي في المحيط العربي أثرا محفزا لتعزيز دور الشباب في مشهد الحراك الشعبي في اليمن  فهاهو الشباب يبادر من جديد للنزول إلى الساحات كمكون يخرج من قلب المعاناة بأشكالها المختلفة ولكن هذه المرة على مستوى اليمن .

 ليؤسس للعملية الثورية الشعبية ويتربع  موقع القيادة فيها ويدعو للفعاليات الشعبية ويعرض ملامح القضية الوطنية ومبررات الحراك الثوري وأسبابه العوامل المساهمة  لتظهر القضية الجنوبية على رأس كل ذلك رغم التعدد والتداخل التي تشهده الأزمة اليمنية  وما ان سعت السلطة لاقتحام مسار العمل الثوري في محاولة منها لكبحه واحتوائه وشرعت باستخدام كل وسائل العنف والقمع والتعسف حتى اتسعت الفعاليات وأخذت تقود نحو تحولات جذرية تتكشف معها خفايا النظام وممارساته طيلة السنوات الماضية لتبرز معها معالم  القضية الجنوبية بكل دلالاتها وأبعادها أمام  العامة خاصة الذين هم خارج إطار العمل السياسي الأمر الذي ساهم في تعزيز إدراك الشباب اليمني لها ووسع من دائرة تفاعلهم معها  لم يختلف موقف شباب الثورة في الجنوب من هذه القضية بقدر ما بدئ أكثر نضوجا للعمل في سبيلها رافضا نزعة التفرد او الرسم والتحديد المسبق لمسارها وطبيعة حلها بدون الحوار الحقيقي مؤكد ا على الخيار الشعبي في ذلك مع إشاراته الهامة إلى وجود قوى وطنية في الشمال ظهرت خلال هذا الحراك.

أما شباب الثورة في الشمال والذي أضحى يتعرف على مسيرة الإخفاقات المستمرة للنظام طيلة فترة حكمه وافرازاتها ليجد أن القضية الجنوبية إحدى انعكاسات تلك الإخفاقات ولذلك  فقد اتجه عبر العديد من حركاته الشبابية والتحالفات في الساحات الي تبني هذه القضية وتضمنها في إصداراته من نشرات وشعارات وملصقات عمل على تنظيم العديد من الندوات والفعاليات حولها وكان الأبرز فيها في وقفه الوفاء مع الجنوب لقد شكل كل ذلك ولازال فرصة لتقديم الصورة الواضحة لما قدمه الجنوب حكومة وشعب من تضحيات وتنازلات في سبيل الوحدة وكيف غدر نظام صنعاء بشريكه و التف على كل العهود والاتفاقيات ليتوج ذلك بالحرب ثم ماتلاها  من السياسات والممارسات الانتقامية التي انتهجها النظام في الثأر من التراث السياسي والاجتماعي والمؤسسي للجنوب من خلال طمس كل أثار الدولة الجنوبية والعبث والمصادرة للأموال والممتلكات العامة والخاصة واستبعاد الآلاف من الكوادر الكفؤة والمؤهلة بالتسريح والمقاعد الإجبارية وهو ما مثل مبرر لنشوب الحراك السياسي والاجتماعي لأبناء الجنوب للمطالبة بحقوقهم والذي تعامل معه النظام الحاكم بالرفض وواجه فعالياته السلمية بمستويات عليا من  بالقمع والعنف .

لقد وحدت حملات العنف التي انتهجها النظام مشاعر شباب الثورة  شمالا وجنوبا  وعزز من حالة التضامن بينهم وهذا ما مثل مدخل مناسب للشباب للتعرف  أكثر على حجم الضرر والمعاناة الذي نال أبناء الجنوب المشاركين في فعاليات الحراك أدرك الشباب معه  أسباب الرفض للدولة الموحدة  من قبل أبناء الجنوب الأمر الذي عزز من حضور قضية الجنوب في أجندة الشباب .

إذن فالقضية الجنوبية في برامج شباب الثورة في الجنوب قضية وطنية  شعبية لا يجوز لأي طرف كان داخل البلاد أو خارجها أن يعين لها مسار ها أو طريقة حلها بمفرده بينما أخذت في برامج شباب الثورة في الشمال بعدا تعريفيا وتحليليا عاما .

 وعلى الرغم من تنوع أشكال التعبير عنها فأنهم في النهاية يلتقون في إعطائهم لها اهتماما كبيرا يرتقي إلي مستوى المرحلة بمتطلباتها وهذا ما يجعلها تتبلور أكثر في سياقها الوطني يتجلى ذلك بوضوح في فعالياتهم ومشروعاتهم التي يظهرون فيها وهم يضعون هذه القضية في سلم أولوياتهم متمسكين بضرورة حلها على أساس مرض وعادل باعتباراتها السياسية والحقوقية لاتصالها الوثيق ببناء الدولة على أسس الشراكة الوطنية وكمدخل مناسب لإعادة تأسيس الدولة المدنية الحديثة.