القضية الجنوبية وحلولها الممكنة من واقع المبادرات المطروحة *

76

  لاشك أن قضية الوحدة اليمنية قد شكلت اهتماما كبيرا وهاجسا لا يفارق عقل ووجدان كل يمني، أحزابا وقوى سياسية وطنية وأفرادا، على امتداد رقعة اليمن شماله وجنوبه وتكرست في عموم الوطن كله وفي الجنوب تحديدا، والذي نحن هنا بصدد الحديث عن قضيته الحالية، ثقافة وحدوية تجذرت بأعماق الفكر والوعي الانساني طيلة الفترات السابقة، وبعد الاستقلال الوطني تحديدا، إلى أن أصبح حلم التوحد في ستينيات القرن الماضي اقرب إلى التحقيق أكثر من أي وقت مضى  بعد  ثورتي الشطرين ضد الإمامة بالشمال والاحتلال البريطاني بالجنوب، وان لم يكن سوء المصادفة قد زامن موعد الاستقلال للجنوب مع الوضع الخطير الذي كان حينها يعصف بمستقبل الثورة بالشمال  جراء الصراع بين فريق الجمهورية ومناوئيها الملكيين، لتمت خطوات وحدوية في تلك الفترة، ولكن لإرادة المولى ما تشاء.

 ولو تخطينا بعض المراحل التي بذلت فيها الجهود للتوحد منذ أول اتفاقية رسمية للوحدة الموقعة عام 72م بالقاهرة بين كل من رئيسي وزراء الشطرين سيادة الرئيس علي ناصر محمد والأستاذ محسن العيني والصراعات المسلحة التي حدثت بين الشطرين باسم الوحدة إبان استعار الصراع بينهما كانعكاس لوضع دولي ساخن، إلى آخر اتفاقية وحدوية والتي  تم التوقيع عليها  في عدن في 30نوفمبر 89م بين الأستاذ علي سالم البيض ألامين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني الحاكم بالجنوب حينها وعلي عبدالله صالح رئيس الجمهورية العربية اليمنية رئيس المؤتمر الشعبي العام الحاكم بالشمال  التي أفضت إلى وحدة 22مايو 1990م الاندماجية، فإننا ومنذ هذا التاريخ سنلاحظ ان ثمة اخطأ عظيمة قد رافقت مسيرة الوحدة منذ هذا التاريخ ربما  أهم هذه الأخطاء وأخطرها هي الطريقة الارتجالية المندفعة التي استهلت بها عملية التوحد في لحظة تاريخية نادرة طغت فيها العاطفة والحماس المفرط على دور العقل وحكمته إزاء قرار مصيري بحجم قرار وحدة بين دولتين، ولا غرو إذن  ان كانت كل التبعات التي تلت يوم الوحدة ال22من مايو 90م هي نتاج طبيعي لمثل هكذا قرار متسرع   ضرب روعة هذا الحلم الجميل في الصميم وخمش صورته الناصعة وبأنياب سوء النوايا التي تربص بها الطرفين كل منهما وبالأخص نظام علي عبدالله صالح إزاء الشريك الجنوبي المندفع بتيار الإخلاص الوطني ليجد جزاء سنمار له بالمرصاد ليرمي به من شاهق قصرعالي البيان، مع تحمل الشريك الجنوبي أيضا ممثلا بالحزب الاشتراكي اليمني مسئولية لا باس بها من هذا المآل الذي تتابعت فيه الأمور بصورة دراماتيكية أضرت بالوطن في عمقه، لعل من أقدم هذه الأخطاء هي الصورة الوردية المبالغ فيها التي دأب على رسمها إعلام وخطاب القيادات  في دولة الجنوب السابقة لشكل الوحدة منذ غداة الاستقلال الوطني وحتى عشية التوقيع عليها أواخر نوفمبر تشرين ثاني 1989م ،وكيف صور هذا الخطاب ان هذه الوحدة تحمل  معها الحل السحري لكل مشاكل الوطن، وان ثمة مجتمع مثالي ينتظر اليمنيين من أول يوم للتوحد. لترتسم في مخيلة الجميع بالجنوب حكاما ومحكومين صورة مبالغ فيها للواقع المثالي الذي سوف يرونه فيما بعد التوحد... وما أن تمت بالفعل هذه الوحدة بتلك الطريقة وظهرت أعراض سوء طريقة التوحد هذه إلى السطح بعد أن غابت السكرة وحضرت الفكرة، سرعان ما تبدأ للمواطن بالجنوب ان تلك النظرة الطوباوية تتبخر مع كل يوم يمر،ضاعف هذا الإحساس المرير فقدان الموطن لكثير من امتيازات الدولة السابقة عبر قطاعها العام  الذي كان موجود إلى جانب قدرا كبيرا من العدالة الاجتماعية وسيادة القانون وغياب شبه كلي لأشكال الفساد المالي والإداري الذي يهد اليوم حيل العامة من الناس ويسحق آمال غدهم. وهذا التغير الغير مدروس والذي لم يراعي طبيعة حياة المواطن الجنوبي ولم تتخذ إجراءات اقتصادية واجتماعية تكفل نوع من التوازن بين مستوى حياة موطني الشطرين بعد ان تم العبث والتصرف الغير مسئول لممتلكات القطاع العام الذي كان يعد الكفيل الأول لحياة  مواطني الجنوب وحين تغير نمط حياتهم تماشيا مع نمط حياة موطني محافظات الشمال المعتمدين الى حد كبير جدا على مداخيلهم الخاصة وكذا العامة ،شعروا أن ميزان العدل وشوكته قد مالت ميلا بينا لغير مصلحتهم، وان ثمة حيف واضح قد أصابهم بكل جوانب حياتهم ،أشدها وطأة في متطلبات حياتهم المعيشية والاجتماعية ، مما جعل الحنين يستبد بأغلبيتهم الساحقة إلى سابق عهد الوحدة ،وظهر ذلك جليا بنتائج  أول انتخابات نيابية عام 93م  التي حظي مرشحي الحزب الاشتراكي الحاكم السابق بجميع دوائر محافظات الجنوب الانتخابية. وفاقم مزيدا من الإحساس بالقهر العمليات الانتقامية التي تعرضت لها قيادات وكوادر جنوبية اشتراكية راح ضحيتها العشرات بل قل المئات من الكوادر العسكرية والمدنية، رافق كل هذه المثبطات خطاب اشتراكي حاد تجاه الطرف الآخر كردة  فعل متوقعة، وبعث إشارات واضحة للمواطن بالجنوب إن فترة حكمه إلى ما قبل عام 90م تعد أفضل من واقع الحال الصادم، وهذا الخطاب الاشتراكي قد عزف على أوتار حساسة في صميم المعاناة ،وليس الغرض من ذلك إنساني أو رحمة بمواطني الجنوب وان كان هناك بعض الشيء من هذا من باب الشعور بوخز الضمير،إلا إن السياسة كانت تدس بأنفها كثيرا بحق وبغير حق في وضع صراع سياسي مضطرب  وصل إلى مرحلة كسر العظام بكل ما لهذا المصطلح من معان. و ووجه هذا الخطاب وهذا التجييش الاشتراكي بحملة إعلامية وسياسية تحريضية مضادة سخر فيها الطرف ألمؤتمري كل طاقات الدولة التي يتحكم فيها، أقحم  كل شيء في ميدان السباق السياسي المحموم وبذل الجهد الجهيد لكبح خطى الساعين نحو الدولة العصرية الحديثة،حتى الدين لم يكن بمنء عن ذلك التوظيف ولا زال يلقي بظلاله الكئيبة على واقع الحال حتى اللحظة انظروا الى حال محافظات الجنوب  التي تتساقط تباعا  بقبضة الجماعات المسلحة الفوضوية (سلطوية المنشأ).

  ومن بين نقع الخلافات التي كانت تتناسل طيلة ثلاثة سنوات ونصف تقريبا أي من مايو90 حتى أغسطس 93م وما تلاها ولدت الأزمة السياسة الطاحنة التي  لا تزال حتى اليوم وان كانت  تتضخم ككرة ثلج تتدحرج، فما نراه اليوم من وضع مظلم هو نتاج طبيعي للهروب من حل المشاكل والخلافات السياسية إلى الحروب المدمرة،واختزال الدولة بفرد الزعيم الملهم أو بحزبه الحاكم على أحسن حال وتغييب متعمد لمؤسسات الدولة وهيمنة العقلية العسكرية الاقصائية التي اتبعها ويتبعها النظام حتى اليوم إلى أن وصل الحال بالوطن إلى هوة سحيقة تتخطفه فيها صنوف المعاناة وينتظره مصير مجهول ان لم يتداركه العقلاء و ينقذه المخلصين شمالا وجنوبا.

 ولأن الوحدة  الناجحة المبنية على  قيم العدل والمساواة والشراكة بالقرار والسلطة والثروة  هي المفتاح الأمثل لحل كثير من الصعاب للوطن والانبلاج على عهد مشرق ومزدهر فإنها بالضرورة  أي الوحدة ستكون المغلاق لكل هذا إن سيء التعاطي معها وإجهاضها، وتحويلها إلى مجرد ثروة واتساع جغرافي جديد ضم إلى ممتلكات طرف دون الآخر، وهذا ما حدث بالفعل للأسف من قبل نظام علي صالح وبتخطيط وإشراف مباشر منه كما نعلم جميعا باعتباره الآمر الناهي  والمتحكم بكل صغيرة وكبيرة بالبلد وهو الفعال لما يريد منذ أكثر من عقود ثلاثة ويزيد قليلا،بمقدرات البلاد في ظل شل فاعلية مؤسسات الدولة وطغيان سطوة القوى التقليدية المستميتة ببقائها في محيطها الآسن بالفساد والنهب والفوضى.

   ولما كانت ألازمة  السياسية عام93م المشار إليها آنفا قد أحكمت بحلقاتها وأوشكت أن تخنق الجميع وتهوي به إلى منحدر سحيق، فقد تداعت  كل القوى الوطنية المخلصة صاحبة المشروع الحضاري بالدولة المدنية الحديثة المنشودة إلى إيجاد  الحلول الممكنة للحيلولة دون تفاقم الأوضاع إلى مهاوي الضياع والاحتراب الذي أثبتت الأيام فيما بعد  أن نظام صالح كان يسعى إليه حثيثا، وولد من رحم حرص تلك القوى مشروع وطني طموح  لبناء دولة حديثة مدنية  ونقصد بهذا المشروع  هو(وثيقة العهد والاتفاق) لعب الحزب الاشتراكي دورا مميزا  مع كل القوى الخيرة بالوطن بإخراج تلك الوثيقة للعلن. فكان تطبيق هذه الوثيقة أو على الأقل تطبيق روحها كفيل بان يخرج البلاد من خضم الدوامة العاصفة التي كانت ولا تزال تعصف بها إلى  فضاء أرحب وشاطئ أأمن يرسي فيه الوطن بأكمله، وتؤسس لبناء دولة مدنية  تدار بقوة القانون لا بقانون القوة، وتمنح مؤسسات الدولة دورها المطلوب، ما يعني  بالتالي غياب سلطة التفرد والهيمنة العسكرية والأسرية على مقدرات البلاد والعباد، وهذا ما فطن له نظام حكم صالح بكل مكوناته النفعية الفاسدة،وطفق من حينها ينسج كل الحيل والذرائع لوأد هذا المشروع الحضاري المدني وتفنن بأساليب التذاكي والتشويش على حقائق الأحداث  بلغت ذروتها بحرب شاملة في يوم 27ابريل 94م من ميدان السبعين  بخطاب حربي  شهير كأول دقة لطبول الحرب الضروس التي شنت فيما بعد برغم توقيع الجميع وهو أولهم أمام أنظار العالم على تلك الوثيقة (المخرج).

 ولما كان الجنوب هو ساحة تلك الحرب العسكرية وميدان حروب نهوبية واقصائية تترى  من توابع تلك الحرب العسكرية كان الضحية أولا وأخيرا هم موطني هذه المحافظات الواقعين تحت حكم شرَع  من ذو الوهلة الأولى  من صبيحة السابع من يوليو وهو اليوم الذي أًرخ فيما بعد بنهاية الحرب العسكرية وبداية حروب بأشكال أخرى بتكريس ثقافة هزمناكم ،وذهب يتنفس غرورا ويستنشق هواء المنتصر المزعوم وصار من حينها على الساحة،طرفين غالب ومغلوب ،منتصر ومنكسر. استمر هذا المهزوم يتلقى الضربات بكل مناح الحياة وبكل أشكال الأذى والتعسف، وبرغم  كبر قطر دائرة المأساة ومن بين ركام المعاناة فقد ظل  المواطن ومعه كل القوى السياسية يحيي معه الأمل بالغد، وذهبت كل هذه  القوى تلملم جراحها وترص صفوفها لتنخرط بالعملية السياسية المفروضة قسرا والملبد سمائها بغيوم اليأس، حين ظهرت عديد من الدعوات لإصلاح ما أفسدته الحرب وتبعاتها وبالأخص إصلاح مسار الوحدة اليمنية التي كانت أول وابرز الضحايا وعطلت كل تروسها عن الحركة، فضلا عن مبادرات شعبية وسياسية واجتماعية عديدة ، أجهضت كل هذه الدعوات في مهدها بل وقمعت بقسوة مع إنها  دعوات وطنية مخلصة تنادي بإصلاحات شاملة  تحت سماء الوضع الوحدوي الجديد على مرارته وبؤسه،بعد ان صعرت هذه السلطات خدها إزاء كل تلك المساعي ونشوة النصر المزعوم يكسوها. وهنا نفند المزاعم التي يطلقها إعلام النظام وخطابه السياسي من ان الجنوب وحراكه السلمي بمكوناته قد صحا ذات يوم وبين عشية وضحاها لينشد مطلب فك الارتباط ، وهذا تظليل صارخ للعامة من البسطاء والمخدوعين، فكما أسلفنا ان القوى بالجنوب وعلى رأسها الحزب الاشتراكي الذي قاد تيار قوي داخله مشروع إصلاح مسار الوحدة فقد كانت عديد  من الشخصيات الحزبية والمستقلة التي نراها اليوم بصفوف الحراك الجنوبي إما أعضاء مجلس نواب او أعضاء مجالس محلية أو قيادات حزبية ضمن العملية السياسية بعموم يمن ما بعد 94م، وهذا يعني فيما يعنيه ان هؤلاء قد حاولوا دون جدوى الانخراط بهذه العملية على قتامة مشهدها السياسي وفي ظل اختلال واضح لطرفي المعادلة السياسية  من منطلق لعل وعسى ان يفيق المنتشون من سكرتهم الى فكرتهم،جوبهت كل تلك المساعي الوطنية بعقلية عنيفة لم تضع اي مصلحة للوطن وللوحدة التي يتغنى بها خطاب إعلامي رسمي مدمر غير المصلحة الذاتية والأسرية الأنانية المقيتة التي تدمر كل الوطن اليوم كما يراه العالم كله.

  ومع  هذا التجاهل استمر عداد المعاناة يسجل أرقامه التصاعدية وتكومت كتل بشرية مسرحة من الخدمة المدنية والعسكرية والأمنية أمام صناديق المعاشات وعلى ردهات الوزارات وطوابير المكرمات الموسمية، وبيع القطاع العام بثمن بخس لقوى متفيدة  ومحتالة باسم قانون الخصخصة وهو منهم براء،فحينها ومع مرور سنوات الإجهاز على ماضي وحاضر الجنوب،  وخشية  على مستقبل الأجيال القادمة من الضياع  انبجست من صخرة هذا الواقع المرير ثورة شعبية عارمة أخذت لها أشكال متعددة من صور النضال السلمي الشعبي الراقي، كانت بواكيرها عبارة عن تجمعات شعبية على مستوى القرى والأحياء منها ما عرف منذ مطلع عام1997م تقريبا  باللجان الشعبية في عدن والمكلا والضالع  ولحج وأبين، ما لبثت تلك التجمعات ان أخذت طابع منظم مع تزايد نسبة الساخطين  كما ونوعا،أبرزها جمعية المتقاعدين الجنوبيين التي شكلت بعد عام واحد من تبني فرقاء الصراعات الماضية لمسيرة التصالح والتسامح الجنوبي في يناير2006م، لتكون هذه الجمعية النواة الأولى للاحتجاجات الشعبية الواسعة التي انطلقت بصورة أوضح واشمل يوم 7يوليو 2007م لتسجل في هذا اليوم الانطلاقة الحقيقة لما عرف فيما بعد بالحراك السلمي الجنوبي  كتعبير سياسي عن قضية  شعب وكمولود طبيعي لوضع غير طبيعي أفرزته  أوزار حرب صيف عام 94م الظالمة وما قبلها وبعدها من صنوف المعاناة. وبرغم بساطة ومشروعية المطالب  التي نادى بها المحتجون من الوهلة الأولى وجلها حقوقية مطلبية سهلة التنفيذ، إلا أن ثمة تجاهل غريب كالعادة وحالة من العناد والكبر السياسي قد ركب رأس أصحاب القرار في صنعاء كسلسلة متصلة من غرور حكام  ما بعد 94م،  وبرغم حالة  الإحباط واليأس التي تملكت هؤلاء المحتجين من جراء هذا الاستعلاء وتضييق الخناق على كل نشاط سلمي لم تسلم منه الصحف والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني.  والإصرار على التمنع  من قبل سلطة حرب يوليو بالاعتراف بان لهم حقوق ولهم قضية فقد ظلت برغم كل ذلك استمرت فعاليات الحراك الجنوبي السلمي تسير مسيرات سلمية ترافقها نشاطات مدنية ذات ثقافة حقوقية في معظم مدن الجنوب وريفه لإبراز ماهية القضية الجنوبية المتخلقة للرأي العام المحلي والدولي، وهو نضال سلمي شعبي  فريد في منطقة تعج بالاضطراب القبلي ومجتمع متخم بالسلاح والثارات وحريات مقيدة إلى ابعد الحدود،حتى أعتبره أي هذا الحراك السلمي كثيرين  من المراقبين اليمنيين والعرب باكورة الثورات العربية التي تجتاح المنطقة العربية اليوم ومنها بالتأكيد الثورة الشبابية في اليمن ضد أنظمة الفساد والاستبداد الحاكمة.

 استمر الوضع بعموم الجنوب على حاله من السخونة  حتى عمت اليمن كله من جنوبه وشماله شرقه وغربه هذه الثورة الشعبية المباركة التي نراها اليوم ترتسم بأروع صورها وبنكهة شبابية خالصة، طال انتظارها كثيرا حتى صبيحة السادس عشر من فبراير شباط الماضي.

  ومن وحي المقولة الشهيرة:(أن المصاب يجمع المصابينا )،  ذابت المعاناة الوطنية للجميع شمالا وجنوبا بقالب مشترك واحد وألتحمت الساحات  في أرجاء الوطن تحت هدف واحد و لمجابهة خصم واحد ،استبد بالجميع وتأذى منه الجميع ،لا يفرق بين ضحاياه أكانوا من الجنوب أم من الشمال أم من الغرب والشرق. فقد هتف الجميع وبحنجرة واحدة بكلمة سواء:( الشعب يريد إسقاط النظام)، ولا تراجع عن هدف رحيل هذا النظام بكل رموزه الفاسدة والمستبدة وثقافته المقيتة، لينبثق من عتمته بإذن الله عهد مشرق جديد يطوي معه صفحة الماضي الأليم خلفه ويحيي آمال المستقبل الوضاح أمامه. ومع مرور عدة اشهر على انطلاق هذه الثورة المجيدة  واستمرار الحاكم بمراوغته وألاعيبه المخادعة ،بدأت تظهر  حالة من القلق والتوجس بين قوى الحراك الجنوبي السلمي وشبابه بالساحات من ان القضية الجنوبية  ربما تتعرض بقصد او بدون قصد إلى محاولات إطفاء وهج نورها ،والخشية ان تتراجع الى الهامش على وقع  شعارات إسقاط النظام  الحاكم،على الرغم من استمرار التأكيدات من قبل شباب الساحات بصنعاء وتعز وغيرها من المدن من ان القضية الجنوبية على رأس قائمة أولويات ثورة الشباب حال نجاحها وحلها الحل الأفضل هو احد أهداف هذه الثورة. وبرغم ذلك زادت الخشية إن يتم تجاهلها بعد الإسقاط المفترض للنظام في ظل ضبابية شديدة للمشهد السياسي وتآمر إقليمي دولي واضحين على هذه الثورة،وهنا يبرز إلى السطح بقوة، من قبل الجميع السؤال الكبير بعموم الساحات والميادين ويشغل كثير من اهتمامات القوى السياسية بعموم الوطن بالداخل والخارج وهو: ما هو مصير القضية الجنوبية بعد زوال هذا النظام ؟ وما هو الحل  أو الحلول العادلة التي ترضي أصحاب هذه القضية فيما بعد نجاح الثورة الشبابية؟ اهو حكما محليا واسع الصلاحيات كما يقترح البعض؟ أم إعادة صياغة مشروع  جديد للوحدة بنظام فيدرالي بإقليمين تحت دولة اتحادية مركبة ؟ أم هو فك ارتباط وحدة عام 90م كما يطالب به قطاع كبير في الجنوب تحت وطأة ما لحق بهم من حيف وتعسف ؟.

     القضية الجنوبية قضية سياسية بحتة ولحلها ينبغي ان تكون البوابة السياسية هي المدخل لهذا الحل، ومن هنا فحل هذه القضية عبر إقامة حكم محلي كما تفضل به البعض حتى وان كان واسع الصلاحيات هو حلا لا يلبي المطلوب لمثل هكذا قضية سياسية  فهي ليست أزمة  إدارة حكم محلي كما نعرف وان كانت جزء من نشؤ القضية، فاتفاقيات الوحدة التي تمت بين قيادتي الشطرين قد تم الانقلاب عليها  والتنكر لكل ما تم الاتفاق عليه قبل جفاف الحبر من الورق ولتراجع عن ما تم الاتفاق عليه بشأن الأخذ بكل ما هو ايجابي من تجربة الشطرين غير ان ذلك لم يحصل بل تم تعميم كلما هو سيء والإجهاز على كل القوانين الإدارية المالية التي كانت سائدة بدولة الجنوب والذي كان يعني تعميمها والاستفادة منها الحد من سياسة الفوضى السائدة بالإدارة الشمالية ذات الموروث  الإداري القديم المتهالك،وتم تعميمها على كل الأرجاء لتماشيها مع هوى القوى الفاسدة الرافضة لأي شكل من أشكال الرقابة والمحاسبة الإدارية .وإقصاء الشريك الوحدوي من كل المواقع السياسية وحتى الوظيفية  وإبعاد  قيادات الجنوب الموقعة على الوحدة قسرا الى الشتات بعد سلسلة محاكمات سياسية جائرة حكم على العديد منهم بالإعدام ولا يزال الكثير من هذه القيادات بالمنافي إلى اليوم وهذا يعني  ان الشريك السياسي للوحدة قد أقصي  تماما من مربع الوحدة، مما ولد لدى النخب بالجنوب والمواطنين على حد سواء هذا الشعور المرير بان دولتهم السياسية بكل مكوناتها قد اختطفت بقوة السلاح من قبل شريك مخادع وغير مؤتمن عليه بإقامة وحدة وطن واحد، ولا يجدي بالتالي أي حل  وخاصة من قبيل مقترح الحكم المحلي إذا لم يشعر الجميع بالجنوب من ان حلا عادلا يعيد لهم ما صودر منهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ويعيد شوكة الميزان إلى مكانها الطبيعي . وعليه فقد تداعت قوى عدة لطرح مخارج سياسية أخرى لهذه القضية  سواء من قبل الجنوبيين بالداخل والخارج أو من قبل النخب بعموم الوطن، الحل بواسطة الحكم المحلي واسع الصلاحيات أو كامل الصلاحيات كما يسميه البعض أحيانا هو واحد من هذه الحلول، وان كان كما أسلفنا لا يرتقي إلى طموح كثير من أصحاب الشأن بالجنوب، فقد جرب نظام صالح اختزال القضية الجنوبية بمثل هكذا حل وذهب الى تعديل قانون السلطة المحلية، رقم 4 لعام2000م  مع اشتداد وتيرة الحراك الجنوبي السلمي  بإضافة فقرات جديدة تخص انتخاب المحافظين كنوع من ذر الرماد على العيون ومحاولة لتسطيح القضية الجنوبية بانحناءة إجبارية للعاصفة، إلا إن هذا القانون على ركاكته سرعان ما تم الإجهاز عليه من قبل من أصدره وسوق له، لسببين حسب تقديري أولا: انه لم يجد أي استجابة من الجنوبيين كونه لا يمثل حلا شملا للقضية ،ثانيا ان من أصدر هذا القانون لم يكن جادا بتنفيذه  على ارض الواقع،وما إقالة أربعة محافظين  بيوم واحد، مع انطلاق الثورة الشبابية يفترض إنهم منتخبين حسب هذا القانون إلا دليلا على عدم جدية هذه السلطات بتنفيذ هذا القانون  لأنها  مطبوعة على شمولية التفكير والاقصاء .

 وهناك من يطرح حلا أبعد من هذا ،كالطرح الذي تقدمت به  أحزاب المشترك من حل بإقامة دولة مركبة من عدة أقاليم او اقليمين بدلا عن الدولة البسيطة القائمة اليوم، وان كان هذا الطرح أتى على شكل تصريحات لهذه القيادات ولم يترجم الى مشروع معلن على الأقل حتى الآن، وهذا الحل اقرب على ما ورد في وثيقة العهد والاتفاق التي تم إجهاضها من قبل نظام صالح كما تقدم شرحه، وهو حل ربما يوفر جزء من حل القضية ولكنه يبقى مبهم التفاصيل ويصعب الركون عليه كحلا جذري حتى تتضح تفاصيله ومدى جدية من يطرحه، وهل يتم تطويره بعد نجاح الثورة حتى يمكن التعاطي معه كحل ممكن للقضية الجنوبية.

  وكذلك فعل حزب الرابطة حين تقدم بعدة مقترحات لشكل الدولة القادم كان آخر تلك المقترحات إقامة دولة فيدرالية بإقليمين شمالي وجنوبي بعد ان صرف نظره على ما يبدو عن مشروع الحكم المحلي واسع الصلاحيات الذي طالما دعا إليه هذا الحزب المعارض. وقريب من هذا الاقتراح الرابطي فقد طرحت نخبة من قيادات  جنوبية ونشطاء جنوبيون بالداخل والخارج رؤية سياسية لحل القضية الجنوبية  في مايو الماضي في القاهرة وان كانت أكثر تطويرا ووضوحا لمقترح الرابطة، أكدت  هذه الرؤية في مستهل بنودها ان الوحدة ستظل خياراٌ سياسياٌ،معتبره ان الأزمة اليمنية أزمة مركبّة، جوهرها وأسها كما قالت:هو أن الوحدة السلمية الموقعة في 22 مايو 1990 قد أجهضت وتم القضاء عليها بالحرب. وإن الاعتراف بالقضية الجنوبية من قبل كل القوى السياسية يعد اعترافًا جليًا بأن استمرار غياب أو تغييب طرف من شركاء الوحدة لن يحل القضية الجنوبية، وبالنتيجة ستظل الأزمة اليمنية حتى بعد إسقاط النظام ورحيل رأسه مستمرة بدون حلا حقيقيا وجذري حد توصيف هذه الرؤية.

 ووضعت هذه الرؤية التي وجدت صدٍ كبيرا بين سائر القوى السياسية والوطنية وحتى على المستوى الشعبي بين ناقدا لها ومؤيد وبالذات في الجنوب المستهدف الأول من هذه الرؤية، وضعت عدة محاور في طيها ،ركزت  في أولها على تصورها لحل القضية الجنوبية  من منطلق إعادة صياغة  الوحدة في دولة اتحادية-فيدرالية بدستور جديد من إقليمين شمالي وجنوبي، بوصفه كما أوضحت الرؤية واحدا من أرقى أشكال الوحدة السياسية والوطنية، يقدم حلا موثوقا وعادلاً بعيدا عن المصالح الذاتية والفئوية والحزبية ومكون أساسي في حزمة الحلول والمخارج للحفاظ على الوحدة المرتكزة على الشراكة المتكافئة بين شريكي الوحدة ، وكشكل من أشكال إعادة الاعتبار لقيم الوحدة التي عصفت بها النوازع الإقصائية والفيدية القهرية اللاوحدوية. واشترطت الرؤية من اجل ذلك ضمانات دستورية لإثبات جديّة الجهود لمنع إعادة إنتاج الدولة الراهنة المتهرئة. والتي كما قالت  إنها  حفّزت على اندلاع الحراك الجنوبي السلمي ثم الثورة الشبابية الشعبية التغييرية الشاملة شمالاً وجنوبًا، و بينت أن مستقبل الوحدة يتحدد على القدرة فى

 المضي لبناء الدولة المدنية اللاأسرية و اللافئوية.

 واشترطت هذه الرؤية أيضا أن يصاغ دستور جديد على أساس اتحادي- فيدرالي، يحمل اسم الدولة الجديدة، بإقليمين شمالي وجنوبي. وينتخب"برلمان اتحادي" يتكون من غرفتين الأولى: "مجلس نواب"، والثانية "مجلس الشورى"، وكلاهما يتشكلان بالتساوي بين الإقليمين .ويعد قانونا جديدا للانتخابات الاتحادية والإقليمية والمحلية . ويكون الإقليم دائرة انتخابية واحدة في الانتخابات الاتحادية.ينتخب "برلمانين إقليميين" بصلاحيات تشريعية إقليمية. وبدورها تنتخب رؤساء الإقليمين ، ويكونا نائبين لرئيس الاتحاد الذي ينتخب من قبل البرلمان الاتحادي.

تنتخب مجالس محلية فى المحافظات وفق نظام حكم محلى كامل الصلاحيات فى إدارة شؤونها.كما تشكل حكومة اتحادية بالمناصفة، وتضم الوزارات السيادية، وتشكل حكومة مستقلة لكل إقليم.

  وعن شكل النظام السياسي المقترح في هذه الرؤية أوردت الآتي:

نظام اتحادي – فيدرالي- برلماني ديمقراطي.وترسخ أسس الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.

 مع أهمية القيام بإصلاحات سياسية ، ديمقراطية ، اقتصادية ، ومالية واسعة وشاملة.ومعالجة نتائج أخطاء سياسات الأنظمة البائدة:

،والإزالة الكاملة لآثار حرب صيف 94م التى لحقت بالمؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية لدولة الجنوب وبالممتلكات العامة وبالحقوق والممتلكات التجارية والخاصة لأبناء الجنوب وتعويض المتضررين مع احترام المصالح المشروعة التي تكونت فى الجنوب بعد حرب 1994م، وإلغاء كل المصالح غير المشروعة والتي تكونت بقوة النفوذ واستخدام السلطة والتعويض عن الفترة التى استخدمت فيها هذه المصالح وتحديدًا فى مجالات النفط والغاز والمعادن والأسماك والأراضي وغيرها.

و يتم معالجة وتصفية آثار الصراعات والخلافات السياسية التي لحقت بالأفراد والممتلكات الخاصة منذ سبتمبر1962م و30نوفمبر 1967م على التوالي وحتى إعلان الوحدة فى 22مايو1990م ، وتعزيز وترسيخ مبدأ التصالح والتسامح كقاعدة للبناء الوطني.,معالجة قضايا الفساد المالي التي ألحقت أضرارًا بالغة بالاقتصاد.

يتم إخراج كافة الوحدات العسكرية من المدن وإعادة تموضعها بما ينسجم مع مهامها كقوة دفاع وطنية عن سيادة وحدود البلد.

 واقترحت في الأخير تشكيل هيئة شعبية لمكافحة الإرهاب ومراجعة وضع الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة الإرهاب لتعزيز مهنيتها بعيدًا عن أي حسابات سلطوية أو فئوية حد قول الرؤية .

   وان كانت هذه الرؤية لا تحظى بقبول كافة القوى السياسية بعموم اليمن ولا ترتقي إلى طموح المطالبين بفك الارتباط بالجنوب او المتخوفين من الانفصال على حد سواء،إلا أنها لبت ولو بالحد الأدنى لتطلعات كافة القوى تقريبا على مستوى الوطن كآفة بجنوبه وشماله، فهي رؤية  برجماتيكية واقعية، تحفظ للوحدة وجودها وتلبي إلى حد كبير طموح أغلبية الجنوبيين ومهم بالتأكيد من يفضل فك الارتباط  عن وحدة عام 1990م.ولكن تظل كما قال أصحابها أي الرؤية  إنها مجرد  تصور سياسي للحل قابلة للإضافة والتعديل تستوعب كل الافكار.

- ثمة طرح آخر من قبل شخصيات سياسية يطرح فكرة ان يشغل منصب رئيس الجمهورية رجل جنوبي بعد عقدين من الزمن بيد رئيس شمالي،انطلاقا من فكرة إعادة الاعتبار للشريك الجنوبي بالوحدة وتبديد الاعتقاد السائد لدى الجنوب طيلة العقدين الماضيين من هيمنة الشمال على مقاليد الأمور من خلال المنصب الأول بالدولة.إلا أن حلا من هذا القبيل لا يلبي المطلب وان كان يلبي جزء يسير منه حل المشكلة، لأن الأزمة الحالية ليست بمن يحكم؟ بل بكيف يحكم ؟.علاوة على غياب مقومات الدولة ومؤسساتها وسطوة وسيطرة قوى عسكرية قبيلة فاسدة على المفاصل السياسية والاقتصادية والعسكرية في الدولة المفترض انها موجودة. ولهذا فان الحل المنشود هو إقامة دولة مؤسسات عوضا عن سلطة فرد أو أسرة متحكمة، يكون فيها الأشخاص موظفي دولة وليس ملاكا او سلاطين لها،و بالتأكيد منصب الرئيس الذي يفترض ان يحد من صلاحياته الطاغية مستقبلا لمصلحة عموم المؤسسات هو ابرز هذه المناصب ،وبالتالي فالحديث عن منح هذا المنصب للجنوب او الشمال لا معنى له على ضوء ما تقدم. فليست المشكلة بالانتماء الجغرافي لشاغل هذا المنصب بل هي في غياب كفاءة  وأمانة من شغله ويشغله،طيلة السنوات الماضية ،فضلا عن غياب وتغييب الإرادة الشعبية باختيار الحكام.

 مما سبق استعراضه  نستطيع ان  تصور عدة حلول ممكنة لهذه القضية بعد انتصار الثورة الشبابية بإذن الله تعالى على النحو الآتي:

-أولا ينبغي أن يعترف الجميع وبالأخص في المحافظات الشمالية وعلى مستوى النخب السياسية تحديدا بالقضية الجنوبية كقضية سياسية موجودة لا يمكن نكرانها أو تجاوزها حتى بعد الإسقاط المفترض للنظام ليكون هذا الاعتراف هو المنطلق لحل هذه القضية وحل الأزمة اليمنية جمعا،بعيدا عن طرق اللف والدوران والمخاتلة  السياسية أو تسطيح المشكلة بأسماء أشخاص نهبت منهم قطعة ارض أو صودر منهم مسكن، حيث وان مثل هكذا تعاطي هو من جعل الأمور توصل بنا إلى ما نراه اليوم من سوء وشتات، ويكون  هذا الاعتراف هو بمثابة الإقرار بوجود مشكلة بحاجة إلى حل عادل ومرضي، تماما كمثل الاعتراف بوجود مرض بجسم المريض هو أول خطوات العلاج وتجاهله يعني بالتأكيد استفحاله وتحوله إلى مرض عضال يستعصي علاجه لاحقا.

- ولكن لا بد من الإشارة اولا انه إذا لم  يرتب الحراك الجنوبي السلمي وباقي القوى الفاعلة بالجنوب  أوضاعهم، فمن الصعوبة بمكان إن لم يكن من المستحيل إيجاد حلولا مناسبة لحل القضيةـ فمن الأهمية الملحة إيجاد مكون سياسي جامع للكل يحتوي في طيه كل القوى الجنوبية بتعدد أفكارها وتوجهاته، ليتسنى للآخرين الحوار معهم ومساعدتهم  على إيجاد الحلول الممكنة لقضيتهم

- عدم الشروع بعد انتصار الثورة بأي ترتيبات سياسية أو إجراء أي انتخابات أو استفتاءات أو تشكيل حكومة وحدة وطنية  أو أي شكل من أشكال العمل السياسي إلا بعد إيجاد حلا جذريا للقضية الجنوبية أو على اقل تقدير الاتفاق مع الأطراف الجنوبية على الخطوط العريضة للحل. ومن ثم إنشاء طاولة حوار مستديرة لحل هذه القضية وفق ثنائية جنوب وشمال من منطلق الاتفاقيات التي أبرمت بين الطرفين بالماضي، وتقييم المرحلة السابقة بكل سلبياتها على أن يبقى المشروع الوحدوي هو أرجح أشكال الحلول ولكن ليس الحل الوحيد أيضا فحيث تكون مصالح الناس فثمة شرع الله.

- ان الوحدة على هذه الشاكلة تحمل في ثناياها عوامل الفناء وبذور الفشل، ولا يمكن لعاقل ان يعتقد ان وحدة من هذا النوع قابلة للاستمرار بعد كل الذي حصل من أخطاء أصابت الوحدة في مقتل, وبالمقابل لا يوجد لمشروع فك الارتباط من مستقبل في هذه الظروف المعقدة بالجنوب وحالة التمزق وعدم جاهزية الجنوب للدولة المنشودة على الأقل بالوقت الراهن، وعليه فان الحل الأمثل هو الجمع بين المطلبين الوحدة ولانفصال من خلال إيجاد دولة مركبة فدرالية بإقليمين تضمن للوحدة ديمومة البقاء وتعطي للجنوبيين الحق بحكم إقليمهم وإنشاء حكومتهم المحلية فيه والتصرف بثرواته بعيدا عن هيمنة المركز واستبداده الذي ضرب وشوه حلم الوحدة إلى ابعد الحدود وهذا ما ذهبت إليه رؤية لقاء القاهرة أواخر مايو أيار الماضي كما ذكرنا ، وبهذا نكون قد حفظنا للوحدة بقائها وأسسنا لها عوامل البقاء واخذ الجنوبيون حقهم وان كان ذلك منقوصا ولكن يمكن ان يكون هذا حلا إلى حين بعدها يتم استفتاء الجنوب بالانفصال أم بالعودة الى الدولة البسيطة بإقليم واحد بعد ان تزول الأسباب التي صنعت هذا الوضع الاستثنائي

- او عقد مؤتمرا عام بخصوص القضية الجنوبية فور نجاح الثورة ،لا يستثني منه احد ممن يعترف بوجود هذه القضية ويشمل بدرجة أساسية كل ألوان الطيف الجنوبي بالداخل والخارج،ولا يقصى أي مقترح حل وان كان يدعو للانفصال أوفك الارتباط  أو استفتاء الجنوب على الوحدة، أو فيدرالية  بإقليمين او أكثر من إقليمين أو إبقاء الوحدة الحالية بشكلها الحالي، أو حكما محليا واسع الصلاحيات  أو مقترحات اجتماع أبناء الجنوب في صنعاء المنعقد مؤخرا، أو غيرها من الحلول...،وتضع  جميع هذه المقترحات ومشاريع الحلول على سطح الطاولة بكل صراحة وعلنية. وينبغي على الكل ولكي لا يكون للمفاجأة وقع كبير ألا يتوقعوا انه بمجرد انتصار الثورة الشبابية قد تزول حالة خيبة الأمل من المشروع الوحدوي التي علقت بذهن موطني الجنوبيين، فقرابة عقدين من العناء والانكسار وحالة اليأس يصعب تجاوزها بفترة شهر أو شهرين أو انه مجرد زوال هذا النظام سيصلح ما أفسده دهر الفاسدون خلال عشرون عاما وان كان رحيل هذا النظام ورموزه الفاسدة،هو دون شك مفتاح عهد جديد مشرق، فهذه النفوس المنكسرة بحاجة إلى فترة من التطييب وبذل جهود مضنية لإعادة الثقة لها بالمشروع الوحدوي ،التي ضربت الممارسات الانفصالية لسلطات صالح أعماقها وزرعت في صميمها عنوة روح انفصالية لم تعهدها حتى في زمن الانفصال الجغرافي .ولكن ربما تختزل المسافة لإعادة بث الروح الوحدوية إلى النفوس ان فتحت كل القوى بالشمال حكاما ومحكومين قلوبها وشرعت اذرعها للجنوب وبمصداقية لاستعادة الحقوق لأصحابها وعلى رأسها الحق السياسي بدولته المصادرة وشعر بذلك كل الجنوبيون على ارض الواقع، فالإنسان بهذه المحافظات مجبول دوما على ثقافة التسامح  والعفو،ونسيان مرارة الماضي ان وجد ثمة أمل يلمع بريقه بالأفق،بغد أفضل . فالانفصال هنا لم ولن يكون غاية للجنوبيين حتى في غمرة حرب 94م القاسية ولم يكن إعلان الانفصال أكثر من فلسفة دفاعية بحتة بإعلان مولود ميت بعد أن رفض المعتدي وقف الحرب برغم  النداءات الداخلية من كآفة القوى الخيرة الوطنية وبرغم قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي برقمي 924 و931 يونيو 1994م .ومثلما  لم  تكن الوحدة أيضا غاية  أيضا، أو هكذا كان يجب أن تكون ،بقدر ما كانا  إي (الوحدة والانفصال) وسيلتين للارتقاء بحياة أفضل لحاضر ومستقبل الأجيال تصان فيها حقوق ومصالح الجميع ويكون  فيها الكل تحت مظلة العدل.

 

* ورقة مقدمة الى ورشة العمل التي نظمها المركز اليمني للحقوق المدنية في 2يوليو بمدينة عدن

مقالات الكاتب