ما أشبه الثورة وما أشبه المملكة !

41

الأشقاء في المملكة لديهم حساسية مفرطة من مفردة الثورة ، فالثورة والجمهورية والأحزاب والتظاهرات والحريات السياسية جميعها من الأشياء المقلقة التي تستوجب الحساسية والخوف من وجودها في بلد واقع في تخوم البوابة الجنوبية البالغ طولها قرابة ألف وخمسمائة كيلو متر قد تصير يوما بؤرة ثورية مهددة لاستقرار الشقيقة الكبرى .

 فمن حق الأشقاء أن يتوجسوا ويتحسسوا مما يجري في الجوار ولكن ما ليس من حقهم هو أن تصير هذه الحساسية مرضا معديا وخطرا إلى درجة التعامل معه وكأنه شرا مستطيرا ينبغي القضاء عليه في مهده وموطنه فهنا مكمن الخطر ، على هذا الأساس يتم التعامل مع ثورة اليمن الحاضرة بذات الأسلوب والمنطق الذي أجهض ثورة 26سبتمبر 62م .

وإذا كانت المملكة قد نجحت في إخماد وهج ثورة 26سبتمبر فأنها مطالبة اليوم ألا تكرر ذلكم السيناريو الذي اضر كثيرا بدولة اليمن وشعبها لا بل في المملكة ذاتها التي لم ولن تظل في منأى من تبعات وجود نظام جمهوري ضعيف وغير مستقر ، فلربما استطاعت أن تبقى اليمن ضعيفا سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا لكن مثل هذا النهج بات الآن خطرا مهددا ليس لليمنيين فحسب وإنما للشقيقة ولدول المنطقة والعالم عامة .

دعم الرئيس صالح وعائلته لن يكون مطلقا كدعم المملكة لحكم الإمام محمد البدر وأسرته ، فهنالك فرقا ما بين مناهضة ثورة ضباط أطاحت بنظام ملكي سلالي قبل نصف قرن وبين مناهضة ثورة شعب لإسقاط حكم العائلة الجمهورية ، ففي كل الأحوال ستبقى اليمن جمهورية ولن تكون مملكة والعكس أيضا .

 دعم المملكة لبيت حميد الدين تسبب في حرب أهلية دامت أكثر من سبع سنوات ومع ذلك لم تفلح بإعادة الملكية فعلى العكس حتى اتفاق عقان عام 70م كان أن أوقف الحرب وأعاد الملكيين إلى حكومة الجمهوريين إلا أنه لم يئد تلكم الجمهورية بقدر ما أحالها إلى مسخ مشوه تتشاطره القبيلة والعسكر والتجار الفاسدين ومشايخ الدين .

اليوم وبعد نصف قرن على ثورة الضباط الأحرار أجد المملكة تنهج نفس الأسلوب القديم الذي اتبعته مع ثورة سبتمبر ، في الأمس ناهضت الثورة خشية من تمدد ثورة مصر عبدا لناصر واليوم تناهض الثورة خوفا من اتساع رقعة ثورات ما بعد مبارك وزين العابدين ، كأن المشهد يعيد نفسه فلم يتبدل بسوى تاريخه وشخوصه ، فالثورة هي الثورة والنظام هو النظام العائلي والمملكة هي المملكة .

المخاوف من عدوى الناصرية والبعثية والقومية والاشتراكية لم تعد قائمة فلكل مرحلة لها شعاراتها ومفرداتها ورجالها وما كان مخيفا وبعبعا في الماضي صار مطمئنا ووديعا في الوقت الحاضر ، فإذا كانت الحقبة الفارطة قد أبقت اليمن وشعبه تحت السيطرة ، فمثل هذه الطريقة ربما نجحت في جعل مقاليد الحكم في اليمن تحت السيطرة منذ الإطاحة بالمشير السلال في 5يونيو 67م لكنها قد تكون الآن مدمرة وكارثية حاضرا ومستقبلا .

 فمن مصلحة المملكة اليوم وجود دولة قوية ومستقرة على حدودها ، وعليه يجب التعامل مع ثورة اليوم بمنطق الحاضر لا بذات العقلية القديمة المتوجسة من جمهورية ديمقراطية ، فهل من المنطق والعقل دعم فكرة الجمهورية العائلية المرفوضة شعبيا وأخلاقيا وسياسيا ومنطقيا ؟ .

الولايات المتحدة وأوربا تعاملت مع النظم المستبدة باعتبارها الضامن لمصالحها ووجودها ،الآن اضطرتها هذه المنافع والمصالح إلى تكوين علاقات جديدة مع المجتمعات الحديثة الناهضة ، المملكة معنية بتغيير سياستها من احتواء الجار الضعيف إلى شراكته كدولة وشعب ، فإذا كانت مصلحة الشقيقة وجود دولة ضعيفة وهشة في الأمس، فان مصلحتها اليوم تكمن بدولة مدنية قويه في اليمن

مقالات الكاتب