حصار السبعين يوم على غزة... هزيمة محتل وشموخ مقاومة
سعيد شيباني
( غزة..مقبرة الغزاة ) كتب/سعيد شيباني اليوم الموافق...
فيما النظام الفاسد يلفظ أنفاسه الأخيرة لا تزال آلة القتل لديه تمارس هوايتها في القتل بدم بارد، كل أدواته صارت في حكم المعطلة والمنتهية إلا أداة الجريمة التي يتقنها ولا يجيد سواها، القتل فعله اليومي ومهمته الرئيسية، القتل بالنسبة لهذا النظام الوالغ في الدم وزبانيته المجرمين صمام أمان بقاء وفاتورة تأمين وإكسير حياة، كم من الأبرياء سيدفعون حياتهم على يد هذا الفاشي الأحمق الذي يغالب سكرات الموت في مخدعه الأخير؟ وكم من اللعنات يستحقها جزاء ما ترتكب يداه الملطخة بدماء الضحايا في كل شبر من الأرض التي كان يوما حاكما عليها؟ ولا أدري هل نسيء للعنات نفسها إذا ما اقترنت بهذا النظام ورأسه الذي يتطاير اليوم قيحا آسنا ودما فاسدا لا يسر الناظرين.
اليوم الجمعة استشهد الشاب الدكتور/ جياب علي السعدي، أثناء قمع قوات الجيش لموكب تشييع الشهيد/ احمد درويش الذي كان قد استشهد قبل سنة على يد جنود أمن عدن الذين يتزعمهم قيران قبل أن ينتدبه النظام إلى تعز لاستئناف مسيرة القتل ومواصلة مشوار العدوان.
سمعت باستشهاد الدكتور جياب من أحد الأصدقاء وتمنيت أن يكون الخبر شائعة، لكنه كان حقيقة، ولمن يعرف جياب تكون هذه الحقيقة مؤلمة، لحظة استحضار ذلكم الوجه الشاب المبتسم والمتقد حيوية ونشاطا وخلقا نبيلا، ولا يسعه استيعاب حقيقة تغييبه بفعل رصاصة قاتلة، وإلى متى تظل بنادق القتلة مشرعة صوب الشباب الأنقياء الأبرياء كما هو حال الطبيب الإنسان/ جياب ومئات غيره سقطوا ولا يزالون يتساقطون في كافة شوارعنا المحفوفة بالرصاص الحي والضمائر الميتة؟
اليوم استشهد الدكتور/ جياب، حقيقة فاجعة لجميع من يعرفه ناهيك عن أسرته وأقاربه وأصدقائه، لأن الشاب النبيل الوقور والطبيب الطيب فارق الحياة برصاصة اخترقت صدره العاري إلا من حب الناس له، وحين عاد القتلة إلى جحورهم كان الآلاف يتجمعون مفجوعين بنبأ استشهاد جياب،
كم كنت أود أن أكتب شيئا عن المناضل الإنسان/ علي محمد السعدي (والد جياب)، عن صموده في وجه القمع المتواصل منذ سنوات من قبل سلطة الحرب والفيد، بينما هو لا يزال ممسكا بجمر المقاومة النبيلة، متحليا بروح النضال وأخلاق المناضلين، يجمع بين شجاعة الرفض وحكمة الممانعة لكل ما يرى فيه انتقاصا للحق واغتصابا للحقيقة،
كنت أود الحديث عنه وعن سجنه الذي امتد لأكثر من سنة، عن استبساله في مواجهة مكر السلطة المزمن وخداعها المستمر، لكن رصاصة القتل كانت أسرع، وها نحن الآن نرثي الشهيد ابن المناضل، الشاب الثائر ابن القائد الذي لم يتخل لحظة عن قضيته حتى وهو في غياهب السجون المظلمة،
جياب الذي استشهد اليوم هو نجل القيادي البارز في الحراك الجنوبي العميد/ علي السعدي أحد أبرز مؤسسي الحراك وواضعي مداميكه الأولى،
الوالد العزيز/ علي السعدي.. لست أدري بأي الكلمات أعزيك في استشهاد فلذة كبدك، الذي كان لنا صديقا عزيزا وأخا ودودا لا تمل مصاحبته، ولا تغيب عنه الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة، ولا أدري بأي دمعٍ أرثي هذا الأخ الذي غادرنا بدون رجعة وفارقنا بلا سابق إنذار، وعزاؤنا فيه أن إيمانك أقوى من المصاب، و عزيمتك أقدر على مواجهة البغي وهو في ساعات احتضاره، مثلما كنت أكثر صمودا وإصرارا و النظام في عنفوان طيشه وغروره وحماقته.
اللهم لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك، لا نسألك رد القضاء، ولا نقول إلا ما يرضيك ربنا، ولكنها قلوبنا التي يفجعها الموت إذا ما جاء بطلقة غادرة تودي بحياة عزيز لدينا، ليصبح من نعزهم ونود لو طالت بهم الحياة أمواتا، لكنهم على قوائم الشرف شهداء، ومن أكرم من الشهداء الذين جادوا بأرواحهم الطاهرة؟ أما أولئك القتلة فمصيرهم إلى الخزي والهوان.
الشهيد جياب رحل مبكرا ومضى إلى الله شاهدا على جرم جديد ترتكبه بقايا سلطة فاشية طائشة وفلول نظام نازي أرعن هو الان في طريقه الى مزبلة التاريخ إن بقي فيها متسع،
غادر الدكتور/ جياب تاركا مرضاه والمشفى الذي كان يعمل فيه، مثلما ترك خلفه أسرته الصغيرة و ناسا كثيرين سعدوا به و فجعوا برحيله المفاجئ،
لقد رحل جياب مخلفا وراءه وطنا جريحا وثورة وليدة، فرحمة الله تغشاك أيها الشهيد الكريم، الذي فارقنا جسدا وبقى بيننا روحا زكية ترفرف حولنا، وذكرى عزيزة لا تفارقنا، والعزاء لك أيها الأب الفاضل وللأسرة الكريمة، و لشهدائنا المجد والخلود، وعليهم السلام ورحمة الله التي وسعت كل شيء، وعلى القتلة المجرمين لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
خاص بـ"عدن أونلاين"