غموض مقلق يسود اليمن

51

تتضارب المعلومات حول الوضع الصحي للرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعد ثلاثة اسابيع من اصابته في هجوم استهدفه عند تواجده في مسجد القصر الرئاسي في صنعاء، وزاد من حالة الغموض عدم ظهور الرئيس اليمني في اي صورة او لقطة تلفزيونية منذ وصوله الى المستشفى العسكري في الرياض، حيث يتلقى العلاج من حروق في الوجه والجسم، وبعد عملية جراحية اجريت له لازالة شظية قيل انها استقرت في صدره بالقرب من قلبه.
المقربون من الرئيس اليمني، وآخرهم السيد عبده الجندي نائب وزير الاعلام، يقولون انه في صحة جيدة وعلى تواصل يومي مع السيد عبدربه منصور هادي نائبه حول كيفية ادارة شؤون الدولة، وذهب هؤلاء الى درجة القول ان الطائرة الرئاسية حطت في مطار الرياض لاعادة الرئيس الى بلاده في غضون ايام.
في المقابل هناك روايات متناقضة تؤكد عكس ما ذكر آنفا، حيث كشف مسؤول يمني لوكالة الصحافة الفرنسية في الرياض ان صحة الرئيس ما زالت على ما هي ولم يطرأ عليها اي تحسن، والشيء نفسه يقال عن صحة رئيس الوزراء علي مجور، والسيد عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس النواب اللذين اصيبا في الحادث نفسه الذي قتل فيه 12 شخصا.
غموض حالة الرئيس الطبية يقابلها وضوح في الشارع اليمني الذي لا يريد عودة الرئيس، ويصر على رحيله، وانتخاب رئيس ومجلس نواب جديدين، وسط دعوات إلى تشكيل مجلس انتقالي يمني على غرار نظيره الليبي الذي يتخذ من مدينة بنغازي شرق ليبيا مقرا له.
من المؤكد أن المسؤولين السعوديين في الرياض على اطلاع كامل على تفاصيل صحة الرئيس اليمني، ونواياه الحقيقية بشأن قضية التنازل عن الحكم تطبيقا للمبادرة الخليجية التي ترعاها المملكة العربية السعودية وتدعمها. ولهذا توقف المراقبون طويلا عند تصريح لمسؤول سعودي رسمي نقلته وكالات أنباء أجنبية قال فيه أن الرئيس صالح لن يعود إلى اليمن.
المسؤولون السعوديون مقلون في كلامهم، وغالبا ما تكون تصريحاتهم أو تسريباتهم عبارة عن 'فلاشات' سريعة الهدف منها إطلاق بالونات اختبار أو إيصال رسائل معينة لأطراف بعينها، فالمسؤول السعودي الذي تحدث عن عدم عودة الرئيس صالح لم يوضح الأسباب، فهل عدم عودته الذي نفته الحكومة اليمنية فورا، يعود إلى خطورة مرضه، أم أنه راجع إلى التوصل إلى اتفاق بتنازله عن السلطة لنائبه لفترة انتقالية لمدة شهرين تليها انتخابات لرئيس جديد.
الرئيس علي عبدالله صالح ليس بالرجل السهل، بل هو صعب المراس ولا يتنازل بسهولة، ويجيد لعبة كسب الوقت للبقاء على كرسي الحكم لأطول فترة ممكنة. ومن الواضح أن الأوضاع استمرت كما أرادها بعد سفره إلى الرياض للعلاج. فابنه احمد، ولي العهد المفترض، كان يدير القصر الجمهوري أثناء غياب والده، بينما يتولى أبناء عمومته قيادة الحرس الجمهوري وبعض قطاعات الجيش الأخرى، وظل السيد عبدربه هادي نائب الرئيس مجرد واجهة دون أي صلاحيات حقيقية.
ثلاثة أطراف رئيسية تملك الأوراق الأقوى التي ستحدد مصير اليمن في الفترة المقبلة، الأولى الولايات المتحدة الأمريكية، والثانية المملكة العربية السعودية، والثالثة الثورة اليمنية، ويمكن إضافة ورقة رابعة هي الجيش اليمني.
بعض المراقبين يعتقد أن الطرفين الأوليين أي المملكة العربية السعودية وأمريكا غير راغبين في رحيل الزعيم اليمني لعدم ضمان هوية وولاء الجهة التي ستتسلم الحكم من بعده، خاصة على صعيد الحرب مع تنظيم 'القاعدة' والحفاظ على وحدة اليمن واستقراره بالتالي. وعودة الرئيس اليمني إلى صنعاء ستؤكد هذا الرأي، فالطرفان الأمريكي والسعودي يستطيعان منع الرئيس علي عبدالله صالح من مغادرة الرياض والعودة إلى اليمن بالتالي إذا كان موقفهما عكس ذلك.
الأسابيع إن لم تكن الأيام القليلة القادمة حاسمة في تقرير مصير حكم الرئيس علي عبدالله صالح، والثورة الشعبية التي تطالب برحيله، ولا يملك المرء غير الانتظار وعدم إطلاق أحكام مسبقة أو متسرعة في هذا الملف الشائك.