حصار السبعين يوم على غزة... هزيمة محتل وشموخ مقاومة
سعيد شيباني
( غزة..مقبرة الغزاة ) كتب/سعيد شيباني اليوم الموافق...
أعتقد أن صالح على قناعة تامة أن القطار قد فاته وأن الطائرة السعودية الخاصة التي حملته إلى الرياض قد وضعت المشهد الأخير لحياته السياسية ، تماما مثلما كانت الدبلوماسية والإرادة السياسية السعودية هي الفاعل الأهم في تتويج حكمه السياسي ودعمه وحمايته.
وباستقرار صالح في السعودية يصبح ثاني زعيم عربي يلجأ للمملكة بعد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي فر إليها يوم 14 يناير بعد احتجاجات أجبرته على الهروب. وسيكون ثالث رئيس يسقط في "الربيع العربي" الذي شهد أيضا سقوط الرئيس المصري حسني مبارك.
ويتندر اليمنيون بالقول أن زين العابدين بن علي احتفى بمقدم علي صالح إليه وراح يهتف ( حيا بهم .. حيا بهم).
ويواصل اليمنيون تندرهم برئيسهم المخلوع مثل قولهم أن الأطباء في السعودية طبلوا منه أن يوقع على إجراء العملية ، فرفض وقال ( لن أوقع حتى يوقع اللقاء المشترك).
ومع سوء حالته الصحية وجراحه البليغة وخضوعه لخمس عمليات وكسور بعظم الرقبة والجمجمة وفشل كلوي وشلل في العصب البصري ، وحروق في الرأس والوجه والرقبة والصدر وهو يعاني من مرض السكرـ حسب المعلومات الأولية ـ مما يعني أن حياة صالح برمتها على المحك ، لكن اليمنيين يواصلون التندر برئيسهم المعاند -أيضا- بالقول، أن ملك الموت قدم إلى صالح وقال له إن ساعة موتك قد قربت ولابد أن تتهيأ للرحيل ، فرد صالح على ملك الموت قائلا: (أنا موافق ولكن عبر صناديق الاقتراع).
كثير من المراقبين والمحللين يؤكدون أن صالح ما كان ليسافر إلى السعودية إلا إذا كان يعتزم التماس مخرج، وأن كل دقيقة يقضيها بعيدا عن بلاده تقربه خطوة جديدة من نهاية حكمه الذي جاوز ثلاثة عقود من الزمن.
كل الشواهد إذن تؤكد أن اليمنيين قد طووا عهد علي عبدالله صالح وأن خروجه من البلد كان نهائيا ونقل صلاحياته لنائبه هو تنحي إجباري فرضته الثورة الشعبية وجاءت الأحداث الأخيرة خاتمة لها ، وإن كنا لا نحبذ الطريقة التي ختم بها المشهد الأخير للثورة اليمنية التي استمرت لأكثر من أربعة أشهر بطابع سلمي في مختلف الساحات والميادين.
لكن المشهد الأخير ربما هو قدر علي عبدالله صالح، فكما أن الفرار والنفي كان من نصيب الرئيس التونسي المخلوع الذي انتهج النفي لكل معارضيه، ومثله السجن للرئيس المصري حسني مبارك الذي كان يزج بمعارضيه في السجون والمعتقلات ، فهاهو الاغتيال يضع حدا لثلاثة عقود من حكم صالح الذي حفل تاريخه السياسي بالاغتيالات والحروب والمعارك الداخلية مع كل خصومه ومعارضيه.
وحتى طبيعة الإصابات والكسور والحروق المنتشرة في أنحاء جسد صالح المثخن بالجراح جميعا تعكس القصاص الرباني لكل ما لحق بالشباب المحتجين في ساحات وميادين الثورة من ترسانة القمع التي أطلقها لمواجهتهم ، قتلت وأحرقت ودمرت بوحشية ، ليكون الجزاء من جنس العمل، فلم يكن بمقدور المبادرة الخليجية أن تؤمن للرجل رحيلا آمنا بلا ملاحقات ، لكنها يد القدر وعدالة السماء في وجه المستبدين والظالمين لشعوبهم.
وجاء الهجوم الصاروخي ليهدم معبد (النهدين) على رأس صالح وقيادات الصف الأول من أركان نظامه، وبالتالي سقطت كل مؤسسات النظام بضربة واحدة ورحل رموزها إلى العناية المركزة في مستشفيات الجارة السعودية.
اليمن الجديد الخالي من صالح لن يكون بكل تأكيد أسوأ من اليمن الذي كان يحكمه الرجل، فمنذ اليوم الأول لرحيله خرج اليمنيون للاحتفاء بالحدث وأطلقوا الألعاب النارية في الهواء وبدت الفرحة واضحة على وجوههم، بل وهاهو قدر من الاستقرار والهدوء باديا في أول يوم تشرق شمسه على اليمن من دون صالح.
الكثير من اليمنيين متفائلون أن الأوضاع ستسير بشكل سلس وآمن نحو التغيير المرتقب، وإن وجدت بعض التوترات والأعراض الجانبية فهي طبيعية وكتركة ثقيلة من مخلفات نظام امتد لـ( 33)عاما .
رحيل صالح يمثل نقطة تحول ليست فقط "للثورة" اليمنية لكنه يمثل أيضا دفعة كبيرة للتغيرات الحالية في المنطقة العربية وبداية انتصار حقيقي، وحافزا مهما للثوار في ليبيا وسوريا ويفتح الشهية لدى شعوب عربية أخرى للإنظمام إلى الربيع العربي وتكرار السيناريو الذي أثبت نجاحه ثلاث مرات متتالية في تونس ومصر واليوم في اليمن.
* رئيس تحرير "عدن أونلاين"