اليمن بعد الرئيس الأحمر!!

47

كثيرون يبدون تخوفهم مما ستؤول إليه الأوضاع في اليمن بعد تنحي الرئيس علي عبدالله صالح الأحمر طبعا هكذا اسمه حسب بطاقته الشخصية وربما يكون التخوف ناتجا عما يرد في كل خطابات الرئيس وما تلهج به وسائل إعلامه بأن اليمن قبله عدم وبعده ندم وأن البلاد سستتقسم وتتجزأ إلى دويلات وأن اليمنيين سيمتهنون الاحتراب إلى ما شاء الله.. وهذا ربما ما يدفع السياسيين في دول الخليج إلى تبني سياسة تحاول إرضاء جميع الأطراف خوفا من تفجر الأوضاع وتطاير شظاياها إلى المحيط الإقليمي...

والحقيقة إن قراءة متأنية للواقع اليمني بكل تجلياته تجعل المراقب يخلص إلى نتيجة واحدة وهي أن الشعب اليمني قد حسم خياره في التخلص من نظام صالح وبناء يمن جديد فيه من الديمقراطية والحياة المدنية ما يعود بالخير والسلام على اليمنيين وجيرانهم وستتلاشى كل فزاعات الوهم التي أغرق بها صالح شعبه وابتز بها المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي. 

يتحدث الرئيس باستمرار عن القاعدة في بلاده وخطرها المدمر على العالم إلى درجة أنه رسم صورة نمطية لليمن بأنه بلد الإرهاب والتخلف وأن بقاء نظام حكمه هو صمام أمان للآخرين.. والحقيقة أن الغرب قد أدرك ولو متأخرا خطأ ما يطرحه المستبدون عندما قال وزير الخارجية الفرنسي قبل أيام لقد اكتشفنا بأن المسلمين ليسوا كلهم شياطين كما كان يصورهم لنا زعماؤهم أما هيلاري كلينتون فقد قالت لقد أسدت إلينا الثورات العربية معروفا بالتخلص من المستبدين الذين كانوا سببا في عدم الاستقرار. 


أما حديث الرئيس الأحمر عن الانفصال والحوثيين وعن اللقاء المشترك وتناقضاتهم وأن ما يجمعهم هو تكالبهم على السلطة والبنك المركزي فيمكن تفكيك كل هذه المصطلحات ووضعها في سياقاتها وضمن تموضعها في الواقع السياسي والاجتماعي اليمني.. بالنسبة للقضية الجنوبية التي خلقها نظام الرئيس الأحمر نفسه عندما أعلن الحرب عام 94 والتف على كل اتفاقيات الوحدة اليمنية وحولها من عقد اجتماعي إلى غنيمة وزعها على كل مريديه وعندما احتج مجموعة من العسكريين الجنوبيين على سوء أوضاعهم بسبب التقاعد المبكر عام 2007 وصفهم فخامته بأنهم شرذمة قليلون وانفصاليون يتأبطون بالوطن شرا والنتيجة اتساع الاحتجاجات وارتفاع سقف المطالب إلى الانفصال وفك الارتباط وهذا ربما ما كان يريد أن يسمعه الرئيس ليصنع به مبررات جديدة للبقاء من أجل الحفاظ على بيضة اليمن من المارقين..

ولو نظرنا إلى أساس المشكلة لوجدنا أنها بدأت بمطالب حقوقية كان يمكن للرئيس باعتباره القاضي الأول في البلاد أن يعطي كل ذي حق حقه ولو خرج إلى الشارع عشرة أشخاص يتظاهرون لقال بلسان الحكيم ما بال هؤلاء يصرخون وكلف لجنة تبحث مظالمهم لكنه عمد إلى تعميم الظلم في كل أنحاء البلاد وعين مدير أمن في محافظة عدن من عشيرته يبطش بأهلها صباحا مساء إلى درجة أن تاجرا من أهل عدن ترحم على أيام الاستعمار الانجليزي عندما قال: كان المندوب السامي البريطاني عندما يصدر قانونا يتوجه إلى التجار ويسألهم عن مدى رضاهم على هذا القانون وعن ملاحظاتهم بشأن نصوصه أما اليوم فنحن نعيش تحت استعمار جديد لا يتورع عن سفك دمائنا والإساءة لكرامتنا والتشكيك حتى في انتسابنا إلى بلد اسمه اليمن. لكن لسان حال الكثير من الجنوبيين يقول أهم شيء نتخلص اليوم من نظام الرئيس الأحمر وبعد ذلك سنجد تسوية سياسية للقضية الجنوبية عبر إرجاع الحقوق التي نهبت إلى أهلها ويعود اليمن موحدا آمنا مستقرا. 

أما حديث الرئيس عن الحوثيين وخطرهم على اليمن وعلى الجوار فإن كثيرا من اليمنيين يعرفون من صنع هذه المشكلة ومن أشعل الحروب الستة؟ وكيف أخمدت؟ ولماذا كان الحرس الجمهوري حريصا على تزويدهم بأحدث الأسلحة.. وقد أدرك الحوثيون اليوم بأن غريمهم هو علي عبدالله صالح الذي قتل الآلاف من أبنائهم والآلاف من منتسبي الجيش وأن ذهابه من سدة الحكم سيكون فأل خير وستكون صعدة محافظة يمنية تعيش بسلام تغرق منتجاتها من الخوخ والرمان كل الأسواق المحلية والخليجية وأن الحوثيين ليسوا إلا مواطنين صالحين سينخرطون بلا شك في العملية السياسية القائمة على الديمقراطية والنظام البرلماني والانتخابات الحرة النزيهة التي تمنح الجميع فرصة الإسهام بفاعلية في البناء والتنمية والحكم الرشيد. 
يلوك الإعلام اليمني الرسمي صباح مساء ما تلفظ به الرئيس الأحمر من أن تكتل اللقاء المشترك هو الخطر بعينه على الدولة اليمنية والسلام الاجتماعي وأن هذا التكل المتناقض في إيديولوجياته وتوجهاته يتبرص بالبلاد وينتظر الفرصة السانحة لغزو البنك المركزي والانقضاض على السلطة.. والحقيقة أن حرص الرئيس الأحمر على اليمن وعلى أموال الشعب قد دفعه إلى إفراغ البنك من الاحتياطي الأجنبي وتهريبه إلى الخارج والتصرف بالمبالغ المتوفرة بالريال اليمني وتوزيعها على من يخطب بهم كل جمعة ليشكرهم على إفراطهم في الولاء لشخصه الكريم وعدم نسيان المعروف الذي أغرق به البلاد طيلة عقود حكمه الثلاثة.

ويبدو أن هذه الفزاعة لم تعد تنطلي على أحد فعندما يتم الانتقال السلس للسلطة بإشراف دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ستشهد البلاد فترة انتقالية يتم فيها الترتيب لانتخابات حرة ونزيهة تدلف فيها البلاد إلى تاريخ جديد حيث سنرى الأحزاب السياسية متحالفة أو منفردة تقنع ببرامجها الناخبين ومن يحوز على ثقة الناخب سيستلم السلطة ومن لم يحالفه الحظ سيحاول مرة أو مرات أخرى وهذا يعني أن أحزاب اللقاء المشترك سيكون لها الخيار في أن تبقى كتكتل أو تدخل منفردة الانتخابات التي تتنافس فيها كل أطياف الشعب اليمني.. 

وعندها يكون اليمنيون قد حفظوا الدرس وحددوا للجيش وظيفة واحدة وهي الحفاظ على أمن البلاد وحماية الدستور والديمقراطية ولن نراهم إلا في الثكنات التي سيكون مكانها خارج المدن أو على الحدود. نأمل أن يقف الإخوة في دول الخليج إلى جانب الشعب اليمني وثورته الشبابية السلمية الحضارية وأن يقتنصوا فرصة كسب عقول وقلوب اليمنيين الطيبين وسيكون اليمن بخير من دون الرئيس الأحمر.