حصار السبعين يوم على غزة... هزيمة محتل وشموخ مقاومة
سعيد شيباني
( غزة..مقبرة الغزاة ) كتب/سعيد شيباني اليوم الموافق...
جنوبي الهوى قلبي وما أحلاه أن يغدو هوى قلبي جنوبيا
هنا ركبوا براق الله وانسكبوا بشلال من الشهداء
جنوبيون يعرفهم تراب الأرض, ملح الأرض, عطر منابع الريحان..
جنوبيون يعرفهم سناء البرق, غيث المزَن, سحر شقائق النعمان..
قبل رحيلهم كتبوا كتابات بلا عنوان..
ستقرأ في مدارسنا..شباب الثورة في الساحات والميدان
لأن الشعب كان هناك يرفض فكرة الإذعان..
لأن جراحهم نزفت ونخوة عزهم عزفت نشيد المجد للأوطان..
صالح خارج القصر الرئاسي
غيب الموت الشيخ عبدالله بن حسن الأحمر وأخذ المهندس فيصل بن شملان وأغتال جار الله عمر ، هرم علي سال البيض وتوارى خلف الصمت لأكثر من 15عاما و أشتعل رأس ياسين سعيد نعمان شيبا و لحية الزنداني السوداء ابيضت ثم احمرت ، هرم صعتر ومحمد الرباعي وغادر علي صالح عباد (مقبل) المسرح السياسي وشاخ محمد غالب أحمد وابتعد محمد اليدومي عن الأضواء.
فيما الكهل علي عبدالله صالح واقف في متراسه ، لا يكل ولا يمل ، ينازل الجميع ويتوعد: ( سنواجه التحدي بالتحدي) .. شاهرا سلاحه يحارب كل الخصوم وفي كل الجبهات ويلوح: (سنقاتل حتى آخر قطرة دم) .. ينافح عن سلطانه ضد المعارضين مؤكدا : (نحن صامدون مثل جبل عيبان) .. لا يتراجع من إشعال الحروب وتفجير الأوضاع ولكن إذا تأكد أن النتائج محسومة سلفا.
قيل قبل سنوات أن صالح كان يتحدث بزهو في مقيل قات ، قائلا : من يكون جمال عبدالناصر؟! ، وتابع صالح بالقول : أنا حققت الوحدة اليمنية، بينما فشلت الوحدة المصرية السورية التي حققها هو، أنا انتصرت في 94م بينما انهزم عبدالناصر أمام إسرائيل في 67م .
واليوم يظهر صالح ليذكر الداخل والخارج بأمجاده على سبيل التهديد عندما يؤكد أن رحيله عن السلطة سيفضي إلى رحيل الوحدة التي حققها ورحيل أبين وشبوة وحضرموت في يد تنظيم القاعدة وانهيارات لا حصر لها كما في خطاب الوداع الأخير بذكرى الوحدة.
أتعاطف بصدق مع صالح وأنا أراه اليوم يطوي ثلاثة عقود، مغادرا القصر الرئاسي إلى غير رجعة ، كيف سيتأقلم مع الوضع الجديد ، وهل باستطاعته العيش بعيدا عن معترك السياسة والخصوم والمناوئين، كيف لصالح أن يعيش حياة هادئة بلا مناكفات وهو الذي أدمن المعارك والهنجمة وإلقاء المبادرات للداخل والخارج .. لإصلاح القضية الصومالية وفلسطين والجامعة العربية وحتى مجلس الأمن ، من أين لصالح منصة ومكبرات صوت وجماهير وقاعات كي يلقي الخطب ، كي يهاجم ويتوعد ويتفلسف (وينخط ويخرط) وهو الذي اعتاد إلقاء الكلمات بمناسبة وبدون مناسبة، صحيح من قال: ( دنيا مالها صاحب )..
ثلاثا وثلاثون عاما مرت وصالح في قمة السلطة، انتهج خلالها سياسة مسك العصا من الوسط ، أو كما يصور طريقة حكمه هو بالرقص على رؤوس الثعابين ، ليجد نفسه مؤخرا في مواجهة ثعابين في ساحات اليمن وميادينها لا ينتمون للزمن الذي خبر (البرع) فيه، كما أنه يجهل نوعية الرقص الذي يروق هذه الثعابين الجديدة ويطربها ويروضها، فإذا بالحاوي صالح أمام مرأى ومسمع من العالم يهوي بين أنيابها وسمها الزعاف ، (وعاقبة المحنش للحنشان)ـ حسب المثل البلدي-.
رحيل صالح سيخلف تركة ثقيلة وملفات مفتوحة وجراح ما تزال نازفة ، في الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط والأطراف، ربما تمثل القضية الجنوبية أكثر هذه الملفات حساسية.
الجنوب ليس محفظة في جيب بطال أحد..
بشيء من العقلانية والمنطق وبعيدا عن مفردات التخوين والعمالة وتوزيع صكوك الوطنية التي أدمن عليها البعض ، وفي إطار أن الجنوب ملك جميع أبناءه ، لا أسمح مطلقا لأي فرد أياَ كان أن يقصيني أو يصادر رأيي ،مدعيا أن الحديث عن الجنوب ومشكلته هو أمر يخصه هو ولا يخصني أنا، وكأن الجنوب محفظة شخصية في جيب بنطاله.
استغرب من شخص سقف مطالبه في عنان السماء ثم يقوم بتحجيم و إرهاب الأصوات الأخرى وتخوينها ، يدعو للتحرر من الاستعمار ثم هو يمارس القمع بطريقة شوفينية ضد الآراء المخالفة ، يتحدث بكل أريحية عن قوات الاحتلال ثم يصادر منك جنوبيتك ووطنيتك لأنك لا توافقه فيما يقول ، يحاضرك عن القوات الشمالية الغادرة وكيف اجتاحت ونهبت الجنوب ، ثم تجده يجتاحك بهمجية وينهب حقك في إبداء وجهة نظرك أو فعاليتك ومكان تجمعك.
كلنا جنوبيون وأبناء هذه الأرض ولا تستطيع أي قوة أن تزحزحنا منها ، وعليه فمن حق أي إنسان أن يعبر عن رأيه .. أن يتحدث .. أن يقول ما يراه، وكل واحد يلزم حدوده ولا يعتدي على حق الآخرين.
من حق العطاس وعلي ناصر وصالح عبيد وقاسم الداعري وأحمد حرمل وشفيع العبد ومحمد بلفخر أن يجتمعوا ويطرحوا رؤيتهم لحل القضية الجنوبية عبر الفيدرالية الثنائية ويتحركوا في الداخل وينشطوا ويتجمعوا ويتظاهروا ويعملوا ما يريدون بالطول والعرض وعلى كيفهم دون أن نصادر هذا الحق المكفول لهم ، كما أن من حق باعوم والشنفرة والمعطري وردفان الدبيس وزهرة صالح ومثلهم عبد الحميد شكري والمحامي العقلة وأمين صالح ووجدي الشعبي أن يمارسوا نشاطهم وفق رؤيتهم بفك الارتباط أو الاستقلال ويبحثون عن جنوبهم العربي المصادر في كهوف التاريخ منذ نصف قرن، من حق كل إنسان أن يسعى بكل ما هو متاح دون الإضرار بحقوق الآخرين ، وتنتهي حدود حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين.
من حق علي سالم البيض أن يتقدم إلى جامعة الدول العربية التي هدفها توحيد الدول العربية ليطلب منها تقسيم إحدى دولها (اليمن) ، وهو الحق المكفول للقيادي عبدالله الناخبي أن يلتقط اللحظة التاريخية فيطرح ما يراه مناسبا وفق الظروف والواقع ومجريات الأحداث ويعبر عن حبه لقيم الحرية وانتفاضة الشعوب فيهدي من موقعه القيادي تصريحا يحفز الساحات والميادين ويعيد الأمل في نفوس الشباب الثوار ليستكملوا ثورتهم بإسقاط النظام الذي ظلم كل اليمنيين شمالا وجنوبا.
من حق أنصاف مايو وقاسم داوود وعبدالكريم شايف ، لكل واحد منهم أن ينتمي للحزب الذي يقتنع بأفكاره ويمارس نشاطه المدني من خلاله دون أن يصادر هذا الحق الإنساني الأصيل أحد من الناس تحت أي مبرر كان ، أو بدعوى أن هذا الحزب منشأه جنوبي والآخر شمالي ، فالفكرة لا علاقة لها بالجغرافيا ، الفكرة ليست مادية حتى نلصقها بالجهة والتراب ، ليست عقارا يا هؤلاء ، الفكرة ملك لكل الإنسانية ولا يمكن حدها بخطوط الطول والعرض، حتى الله سبحانه أعطى للناس الحرية في عمل الخير والشر في أن يؤمنوا أو يكفروا ،ولم يكرههم على اعتناق الدين وهو الحق الذي أنزله من السماء ، فمن هؤلاء حتى يكرهوننا على الإيمان والتسليم بوجهات نظرهم الشخصية؟!.
ثورة الشباب كمنقذ للجنوب من بعض صراعات أهله ...
أربع سنوات من الحراك ،جميعنا مساهمون فيها ، اعتقلنا وحوكمنا وضحينا لأجلها بمواقع مهنية وأعمال في مجالنا الصحفي، ولسنا هنا في مجال سرد الحساب ، أعتقد أنها كافية لأن نعيد المسار ، وأن نعترف بشجاعة أننا وصلنا نهايتها إلى طريق مسدود وعزلة إقليمية وخلافات عاصفة وكيانات تتآكل ، وتسابق قيادي بأنانية مقيتة ، وأجزم أن الثورة الشبابية الحالية كانت بمثابة المنقذ لنا لأن نستعيد المبادرة ونفكر بطريقة أخرى حتى أننا أوصلنا الكثير من الشباب إلى اليأس والإحباط وخسرنا بعضهم في منزلقات عنف هم في الأخير ضحايا تقصيرنا وتخاذلنا عن رعايتهم وتبصيرهم بجادة الصواب.
أربع سنوات في عهد أجدادنا وآبائنا سحقوا فيها دولة بريطانيا العضمى، ونحن في أربع سنوات تشتتنا في مكونات وضعنا في هيئات وخلافات وتنظيرات ، مرة نسميها المجلس الأعلى للمتقاعدين إلى (نجاح ) إلى مجلس قيادة الثورة وأخيرا مجلس الحراك السلمي ، ومن ملتقيات التصالح والتسامح إلى المجلس الوطني إلى مسميات لا تحصى ولا تعد ، هل نستعيد جمهورية اليمن الديمقراطية أم الجنوب العربي ، هل نهجنا سلمي أم مسلح ، ومن هو الممثل الشرعي والوحيد ، والرئيس الشرعي ، وهل مطلبنا فك الارتباط أم الاستقلال أم استعادة الدولة ، أي علم نرفعه في الفعاليات ، بالنجمة الحمراء أم بدونها ، أم الرايات الخضراء ، يوم نرفع العلم السعودي واليوم الآخر العلم الأمريكي والبريطاني ، وفي آخر المطاف نحرق الجميع.
نتحدث عن (الدحابشة) المتخلفين وأننا كجنوبين قمة في المدنية والتحضر، وكأننا لا نرى العبث والعشوائية في أغلب فعالياتنا، بينما التحضر الحقيقي شاهده العالم في ساحات وميادين التغيير والحرية بصنعاء وتعز والحديدة وذلك الحضور النسائي في إب ويريم ودمت والزخم والنظام والأطفال والورود، بينما رأينا ألسنة اللهب وسحب الأدخنة تتصاعد في المعلى وهو أطول شارع في الشرق الأوسط في حقبة الخمسينات، والأحجار وجذوع الأشجار تقطع الأحياء والشوارع في المنصورة وخور مكسر.
الثورات الشعبية في تونس ومصر أسقطت زين العابدين وحسني مبارك وواجهت مليون ونصف رجل أمن في مصر وقريبا من هذا الرقم في تونس ومع ذلك لم نر العبث الذي رأيناه لسنوات في مدن الضالع والحبيلين والحوطة ومناطق جنوبية أخرى.
نتحدث ونحاضر ونخطب كثيرا عن التصالح والتسامح ، ولا نتوانى من تخوين ومهاجمة وتجريح وشتم بعضنا البعض بمناسبة أو بغير مناسبة.
المطلوب حسب رأيي أن نشخص مشاكلنا وأمراضنا فهذا ليس عيبا ، وكما أن الوحدة بشكلها الموجود طيلة 21 عاما لا يمكن أن تستمر ولا نقبلها ، كذلك الحال في طريقة وأسلوب نضالنا ورؤيتنا لحل المشكلة الجنوبية والحلول الممكنة والمتاحة أمامنا اليوم.
* رئيس تحرير موقع "عدن أونلاين"