حصار السبعين يوم على غزة... هزيمة محتل وشموخ مقاومة
سعيد شيباني
( غزة..مقبرة الغزاة ) كتب/سعيد شيباني اليوم الموافق...
في مثل هذه الأيام من عام 2003 ، وتحديداً بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بأيام, قال الرئيس اليمني على عبدالله صالح عبارة شهيرة تحولت إلى مثل أكثر شهرة، ليس فقط في اليمن بل في جميع الدول العربية، وعلى لسان جميع الناطقين بالضاد.
علي صالح قال حينها حرفياً "يجب أن نحلق لأنفسنا، قبل أن يحلقوا لنا". وبالطبع كان الرئيس اليمني حينذاك يقصد بعبارته الأشهر تلك، قسماً كبيراً من الرؤساء العرب، أو على الأقل، من هم على شاكلة الرئيس صدام حسين الذي حلق له الأمريكان عا "الناشف" كما يقال بالعامية.
أنا شخصياً لا أعتقد أن ما قاله الرئيس صالح كان من باب النكتة السياسية، أو تحت ضغط اللحظة الراهنة، أي لحظة سقوط صدام، أوسقوط عاصمة عربية هي بغداد.
لا بل أستطيع الجزم أن الرئيس اليمني كان على قناعة تامة بأن الكثير من أنظمة الحكم العربية لم يعد صالحاً أو قابلاً للاستمرار، وأن تلك الأنظمة إذا لم تبدل ثيابها أو شكلها الخارجي على الأقل، فان موجة التسونامي ستجرفها بلا رحمة.
وحين قال الرئيس صالح عبارته الشهيرة تلك، أعتقد أنه كان يرى بوضوح المشهد السياسي العالمي المتغير، وكذلك الخارطة السياسية العالمية الجديدة، لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، ومن خلفه المنظومة الإشتراكية، وجدار برلين، وكذلك نظام القطبين العالمي. فالبلدوزر الأمريكي، المدعوم بوسائل دعاية لا مثيل لها، وبموازنات استخباراتية للسي أي إيه وغيرها من وكالات الاستخبارات الأمريكية، تبلغ 300 مليار دولار سنويأً، كان قد قضى قبل سنوات على آخر قلاع الشيوعية والإشتراكية في أوروبا، مستنداً بالطبع أيضاً على كم هائل من التناقضات الداخلية والمستنقعات الراكدة، في كل مفاصل القرار في تلك الدول، واستغل بشكل لا مثيل له حاجة شعوبها للتغيير الذي هو بالطبع حاجة بشرية وإنسانية قبل أن يكون حاجة سياسية أو حتى اقتصادية.
وكنا نتوقع أن الرئيس صالح الذي يعرف الجميع دهاءه وبراغماتيته، سيبادر فعلاً ودون غيره من القادة العرب الآخرين، إلى الحلاقة، قبل أن يحلقوا له، أي أن يبادر إلى تغيير شكل وأدوات وسبل الحكم في اليمن، لكي لا تطاله آلة الحلاقة الأمريكية، التي كان قد قصدها فعلاً في عبارته.
لكن يبدو أن الحديث عن الحلاقة شيء، وممارسة عملية الحلاقة شيء آخر. صحيح أن الرئيس صالح ربما يكون، كما يقال، قد انشغل عن الحلاقة (أي التجديد)بفعل سلسلة الأحداث اليمنية الداخلية: كمكافحة الإرهاب والتصدي للحراك الجنوبي ومحاربة الحوثيين، إضافة إلى محاولة حلحلة القضايا الاجتماعية والمعيشية الملحة لأبناء الشعب اليمني، من بطالة وفقر وغير ذلك، وهذه طبعاً مسائل لم يحقق فيها كغيره من الأنظمة العربية نجاحاً يذكر، وكلها ظلت في خانة الوعود، لكنه من المؤكد أنه كان بإمكانه أن يفعل كل ذلك دفعة واحدة وفي آن واحد معاً، لأن أوضاع الشعوب العربية لم تعد تحتمل التأجيل أو التسويف.
وفي غمرة موجة مكافحة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وبخاصة خلال السنوات الأخيرة، ربما فهم الرئيس صالح أن لا داعي بعد ذلك للحلاقة للذات، لأن الحلاقة للإرهاب والتعاون مع أمريكا في هذا المجال، قد يعفيه من عبء الحلاقة الذاتية. ولربما أيضاً أنه تصور لوهلة أنه قد حلق لنفسه فعلاً، وأنه لم يعد يحتاج إلى حلاقة أمريكية، أو أن أمريكا قد تغاضت أو ربما أجلت موضوع حلاقته إلى وقت آخر ربما يكون مناسباً أكثر. كل تلك الاحتمالات ممكنة، وربما تكون واقعية وصحيحة في زمن مضى، غير أنها ليست ممكنة، ولسيت واقعية وأيضا ليست صحيحة في أيامنا هذه. لماذا ؟. لأن المثل يقول "إذا حلق جارك بل ذقنك" وبالتأكيد فإن عبارة الرئيس صالح الشهيرة تلك، كانت متقدمة ً أكثر من هذا المثل، لأنه دعا فيها إلى استباق الأمور، وليس إلى التحرك، بعد فوات الأوان. لكن الأوان قد فات فعلاً سيادة الرئيس؟!