صالح يترنح و لكن الحلبة خالية

28

مقابلة صالح مع قناة العربية، و تصريح وزير الدفاع الأمريكي الأحد الماضي، شكلا تطورين مهمين، و أجملا إلى حد كبير الإشكالية التي تمر بها اليمن حالياً، و ربما يمثلان مدخلاً مناسباً للتفكير بسبل الخروج من هذه الأزمة.

 جاء صالح إلى مقابلة قناة العربية وهو يحمل على كتفيه عبئاً ثقيلاً : اضطرابات و احتجاجات واسعة في أنحاء البلاد، وانشقاقات في المؤسسات العسكرية والمدنية. ربما كانت الاحتجاجات الشعبية بمفردها كفيلة بهزيمة صالح بــ (النقاط)، ولكن (لكمة) اللواء علي محسن، الذي انضم للثورة، كانت قوية إلى درجة أنها تركته مذهولا ومترنحا ً. كان يبدو في المقابلة التلفزيونية مضطرب الذهن ومشتت التركيز.كذلك كان إيغاله في النرجسية واضحاً في ترديده عبارات من نوع : "خطاب الرئيس" و "مبادرة الرئيس" عند حديثه عن نفسه، أو حتى عندما وصف اللواء علي محسن بـ "ضابط عادي". نفيه لتصريح القربي الذي تحدث فيه عن مفاوضات مع المعارضة فيما يتعلق باتفاق وشيك بتسليم السلطة، كان دليلاً أخراً على حالة التخبط التي تلبسته. الرجل لم يكن حتى واقعياً في ادراكه لما يدور حوله، و نبرته الاستعلائية في حديثه عن أحزاب اللقاء المشترك تؤكد ذلك- أحزاب اللقاء المشترك التي تحملت صالح سنوات طويلة، وتساهلت معه عندما كان ينقض الاتفاقات و يخل بالحوارات واحدا ً تلو الآخر، مما حدا بالشباب أن يأخذوا بزمام المبادرة و يدشنون ثورتهم.

صرّح وزير الدفاع الأمريكي بأن هناك تخوف ممن سيأتي بعد صالح و بأنه ربما لن يستطيع التعاطي مع القاعدة، وأن هذا سيشكل "تحديا ً حقيقيا ً". انطوى هذا التصريح على رسالة ضمنية لصالح بأن الأمريكان خلفه- على الأقل في هذه المرحلة. على الرغم من أن الأمريكان كانوا يدعمون بن علي و مبارك لكنهما سقطا تباعاً. من المستبعد أن يمثل الموقف الأمريكي حائلاً لإزاحة صالح، و إن كان نقيض هذا الموقف لا محالة سيفضي إلى انتقال أسرع للسلطة و بخسائر أقل. الدعم الأمريكي لا يعوّل عليه بل ربما أنه يلحق اللعنة و النحس بمن يشملهم ، و كما قال مصطفى الفقي واصفاً دعم الأمريكان لمبارك في بداية الثورة المصرية : "المتغطي بيهم عريان".

 يحتل حزب الإصلاح الإسلامي الصدارة في ميادين التغيير، و كذلك يتفوق على المستويين السياسي و الإعلامي إلى حد كبير مقارنة ببقية التنظيمات السياسية في الساحة. و لعل إشارة صالح في مقابلته مع العربية إلى أن الإسلاميين "هم الأساس" في هذه الاحتجاجات يتفق مع هذه القراءة. هذا بالطبع لا ينفي حضور قوى سياسية أخرى، و لكن حزب الإصلاح يظل هو الأوسع قاعدة ً و الأكثر تنظيماً. واقع القوى القومية و الليبرالية واليسارية في اليمن مثل واقعها في أي بلد عربي آخر عانى من القمع و الديكتاتورية وغياب مؤسسات المجتمع المدني لسنوات طويلة : ضعف في القاعدة و خطاب محصور في مستوى النخبة.

مقابلة صالح تختصر حالة الضعف التي وصلت لها السلطة و نواياها، و تصريح وزير الدفاع الأمريكي يحدد ملامح الموقف الأمريكي تجاه ما يحدث في اليمن. هناك خطوات جوهرية – داخلياً و خارجياً- يقتضي على قادة حزب الإصلاح الدفع باتجاهها، و قيادة شركائه للمضي نحوها، فكما يبدو أن المعارضة لم ترتق بعد في أدائها حتى الآن إلى مستوى دقة الظرف و خطورته.

 

الحاجة لتأمين الداخل

يشكل الجيش الهدف الأول لأي تحرك بالداخل، و قد سهّل اللواء علي محسن ،بانضمامه للثورة، هذه المهمة إلى حد كبير. و لكن يجب تكثيف الحوار و مخاطبة فصائل الجيش التي ما زالت تحت إمرة صالح. الوقت عامل حساس جداً في هذه المرحلة، و يجب التحرك في هذا الاتجاه بشكل عمودي و أفقي. الأيام الماضية أثبتت أن الولاء لصالح منعدم عند الكثير من منتسبي الجيش، و استقطابهم لن يكون أمراً صعباً، ولكنه سيكون حيوياً و مؤثراً جداً في حال نشوب أي نزاع أو مواجهات.

الحوثيون يشكلون رقماً صعباً في المعادلة السياسية ، و يجب الاعتراف بذلك و التعامل مع هذا المعطى بواقعية. تنظيمهم السياسي و العسكري يضعهم في المرتبة الثانية بعد حزب الإصلاح من ناحية الثقل في ميزان القوى. حشودهم الجماهيرية تعد بمئات الألآف، وسيطرتهم الميدانية على محافظة صعدة تؤكد هذا الثقل. الاختلاف الأيدلوجي ما بين الإصلاحيين و الحوثيين يجب أن يتم تنحيته جانباً ،وعلى الطرفين أن يتحاورا للاتفاق على صيغة توفيقية في هذا الظرف، و كذلك الإعداد لمرحلة ما بعد صالح. ليس من مصلحة البلاد أن تنجر مستقبلاً لأتون نزاع طائفي نحن في غنى عنه. حرية ممارسة الشعائر الدينية لأي طائفة يجب احترامها. استغلال الحوثيين لهذه الظروف و سيطرتهم العسكرية الكاملة على صعدة يلقي بعلامات استفهام فيما يتعلق بنواياهم، و لكن هناك إشارات إيجابية تأتي من قبلهم مثل تواجدهم و دورهم الهام في ساحات التغيير و إشارتهم كذلك الضمنية بالرغبة في التسامح عندما طالبوا اللواء علي محسن بالاعتذار.

سلوك حزب الإصلاح في ساحات التغيير يمثل أمراً في غاية الأهمية. شباب التغيير هم وقود الثورة و دافعها، وهم من سيزحفون للقضاء نهائياً على صالح. هناك إشاعات أن نشطاء الإصلاح يُقصون الشباب الممثل للتنظيمات الأخرى. إن كان ذلك صحيحا فهو لا محالة سيفت في عضد الثورة الوليدة. الجميع يجب أن ينضوي تحت لواء واحد. الشعب اليمني و غيره من الشعوب العربية التي ثارت، لن توافق مطلقاً على أن يتم إقصاؤها أو تهميشها مرة أخرى. يجب على نشطاء الإصلاح أن يعوا ذلك جيداً، فالثورة لن تستبدل شخصا ً ديكتاتورا بـ (تنظيم) ديكتاتوري. و كم أتمنى أن يكون للإصلاحيين في الأخوان المسلمين في مصر أسوة حسنة، فقد كان موقفهم في غاية الوطنية والتعقل إبان الثورة المصرية. صالح في مقابلته قال بأن "الشعب مرعوب" من الإسلاميين، و هذا النوع من الممارسات الإقصائية يثبت صحة مقولته و يجعلها تجد صدى عند من هو متخوف من نوايا الإصلاحيين. إضافة لذلك فإن سياسة الإقصاء في هذه المرحلة ستولد استقطابات نحن في غنى عنها.

يجب أن تتغير استراتيجية الحوار مع صالح- إن كان هناك أي حوار مستقبلي. على الرغم من امتعاض الكثيرين من حدة تصريحات ناطق اللقاء المشترك محمد قحطان ضد صالح في الأيام الماضية، و لكن ربما أن هذا هو الخطاب الأمثل للتوظيف في هذه المرحلة. التسريبات التي وردت عن المفاوضات التي دارت بين صالح و المعارضة لم تكن مطمئنة. لم تمانع المعارضة من أن يسمي صالح من سيقود المرحلة الانتقالية! و كان أقصى ما تتمناه المعارضة و السقف العالي لمطالبها هو أن يتخلى صالح و أسرته عن الحكم. تحوّل الأمر إلى استجداء لـ (تنازل) منه و ليس إلى فرض مطالب تستمد شرعيتها من إرادة شعبية عريضة. و كما هو متوقع فقد أعطى ذلك لصالح الفرصة لأن يتمنع، بل و يطلق على موافقته على مطالب سابقة للمعارضة (تنازلات)- تماماً مثلما أطلق على تراجعه عن التوريث و التمديد مسمى الـ (تنازلات). لا يجب أن تحاور المعارضة صالح من داخل خطابه و بناء على قواعد الاشتباك التي يحددها هو. يجب أن يرتفع السقف كثيراً في مطالب اللقاء المشترك في أي حوار مع صالح لتعكس مطالب المعتصمين الذين هم أصحاب الثورة ومن بذلوا دماءهم وقوداً لها. يجب أن تشمل المطالب محاكمته و أقربائه محاكمة عادلة- وهذا سيكون مطلب جماهيري خاصة ً أنه بعد تركه للسلطة يريد البقاء في مسقط رأسه- على حد تعبيره. يجب أن يُطالب بإرجاع المليارات من الدولارات ( يقدرها البعض بـ 50 ملياراً) أسوة بــ مبارك و بن علي و يتم التحقيق معه في ودائع البنك المركزي التي تم صرفها بسفه منقطع النظير في الأسابيع الماضية لحشد المناصرين في ميدان السبعين. يجب أن يتم التحقيق في الجرائم التي أُرتكبت في صعدة و في الجنوب إبان فترة رئاسته. يجب أن يتم التحقيق فيما حدث في أبين و سبب انسحاب الأمن من هناك. يجب أن تتم محاكمته على كل الجرائم منذ 1978 و حتى آخر جريمة في يوم الجمعة الدامي عندما تم اغتيال أكثر من 52 شاباً من المتظاهرين. المستشارون من حول صالح يوهمونه بأن مازال لديه (كروت)-كما يحب هو أن يسميها، و لذلك على المعارضة أن تساعد صالح حتى يستوعب الحقائق وواقع الحال من حوله.

الحاجة للاتصال بالخارج
تصريح وزير الدفاع الأمريكي يدل على أن لديهم تخوف كبير، و إن صالح قد نجح في ترسيخ هذا الخوف. و ما انفجار أبين الأخير، الذي حصد حتى اللحظة أكثر من 150 قتيلاً، إلا دليل على المسافة التي من الممكن أن يقطعها صالح لإخافة الأمريكان، و جعلهم متشبثين به بشكل أكبر. التصريح يدل كذلك على أن المعارضة –بقيادة الإصلاح- قد أخفقت في أن تقنع الأمريكان بأنها تشكل بديلاً أكثر فعالية من صالح. يبدو بان القاعدة لا تشكل أولوية أو حضوراً في خطاب حزب الإصلاح، بل أن هناك شبه إنكار لوجود هذه المشكلة في اليمن بالأساس. البيان الختامي لمؤتمر حزب الإصلاح الأخير لم يتضمن حتى إشارة عابرة للقاعدة وخطرها في اليمن. على الرغم من أن صالح يبالغ في تهويل حجم حضور القاعدة على التراب اليمني، و لكن لا يجب إنكار وجودها و نشاطها في اليمن. الطرود الملغومة و محاولة تفجير الطائرة في ديترويت عام 2009، و القبض مؤخراً على موظف في الطيران البريطاني كان يخطط لتفجير طائرة مدنية، كل هذه الأحداث متصلة بـ أنور العولقي الذي هو موجود في اليمن. الإرهاب قضية عالمية و يجب أن يطمئن المجتمع الدولي أن اليمن بعد صالح لن يكون مرتعاً للإرهابيين للتخطيط لقتل المدنيين. ليس معنى ذلك السير على خُطى صالح و السماح للأمريكان باستباحة الأرض اليمنية و قتل المواطنين، و لكن المطلوب أن يكون هناك موقفاً واضحاً و معلناً فيما يتعلق بمقاومة فكر القاعدة و رفض ما يدعون إليه وعدم السماح لهم بتحويل اليمن لمركز لعملياتهم التخريبية

ساعات صالح الباقية معدودة و لم يعد رقصه الشهير مع الثعابين مجدياً. المعارضة تتحمل مسؤولية وطنية وعليها أن تضطلع بها، و إلا فستتحول إلى عبئ على الشباب المعتصم. لا يجب أن تُترك الحلبة خالية، خاصة في وجود خصم ضعيف و مترنح.

المصدر أونلاين