جهود الإغاثة ومتطلبات العودة لـ"اتفاق ستوكهولم"

مع استمرار تهديدات الحوثي لأمن المنطقة والعالم، وعجز المجتمع الدولي عن اتخاذ إجراءات حيال ممارسات الحوثي، فإن المطلوب تحرك أممي.
الأزمة اليمنية في حاجة إلى مقاربة مختلفة شكلا ومضمونا، خاصة أن التهديدات الحوثية ما زالت قائمة وترتبط بسلوكها العدواني وتصعيدها ردا على حصار وضربات قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية، ما دفع هذه المليشيا الإرهابية -بدعم إيراني- لاستهداف المنشآت المدنية في دول الجوار، مع تكثيف استخدامها ميناء "الحديدة" المدني كمنشأة عسكرية للتمويل والتسليح وإدخال الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى اليمن، وذلك لتهديد أمن دول المنطقة، ما يستلزم تحركا دوليا لوقف هذه النشاطات الإرهابية، التي صارت ملازمة لهذه المليشيات وتحركاتها لزعزعة استقرار الإقليم بأكمله، عبر تهديد أمن الملاحة البحرية والتجارة الدولية.
كانت المملكة العربية السعودية قدمت مبادرة لحل الأزمة اليمنية سلمًا لا حربًا، وقد أيدت الدول العربية والغربية هذا التوجه، وحثت على الالتزام به كمخرج للأزمة اليمنية، لكن قوبل هذا الطرح بتعنت كبير من المليشيات الحوثية، التي ترفض التعامل مع كل ما من شأنه إنهاء حالة الحرب في اليمن، بل والدفع باتجاه التصعيد.
ولعل أسس التوصل إلى نقطة توازن -مع استمرار المشهد اليمني مفتوحا على مصراعيه- تكمن في العمل على فتح مطار صنعاء أمام الرحلات المباشرة، الإقليمية والدولية، والسماح باستيراد الوقود والمواد الغذائية، وبدء المشاورات بين الأطراف للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة، بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، مع التحسُّب لما تُقدم عليه المليشيات الحوثية، في ظل دفعها بعناصر أخرى في تصعيدها الأخير في محافظة شبوة ومديريات جنوب مأرب، ولقيت جميعها مصرعها أو وقعت في الأسر.
ولا يخفى على أحد استخدام "الحوثي" الإرهابي الأطفال كدروع بشرية، وذلك في بلد يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يعتمد نحو 80% من سكان اليمن على المساعدات، ويواجه 13 مليونا فيه خطر الموت جوعا، فيما تحقق القوات اليمنية وقوات العمالقة تقدما صوب مواقع في محافظة البيضاء الاستراتيجية، وذلك بعد تحرير "بيحان" و"عزلة مسور آل دباش" و"عزلة اللخف"، وصولاً إلى "عزلة الساحة" مركز مديرية نعمان.
في هذا الإطار من المواجهات المفتوحة، فإن المليشيات الحوثية لا تزال توظف ما لديها من أوراق، ومنها ميناء الحديدة وميناء الصليف، للتخطيط وقرصنة السفن، إذ يعتبر ميناء الحديدة مركزا رئيسيا لاستقبال وتجميع الصواريخ الباليستية الإيرانية، مع تأكيد أن ميناءي الحديدة والصليف باتا مركزين رئيسيين للأعمال العدائية وتهديد الأمن البحري في المنطقة بأكملها.
بعد كل هذا وجبت إعادة تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية، وهو ما قد يحد من التمدد الحوثي ويحاصره بصورة ولو مرحلية، خاصة أن استخدام مليشيات الحوثي ميناء الحديدة كمنشأة عسكرية للتمويل والتسليح وإدخال الصواريخ والطائرات المسيرة إلى اليمن ما زال قائما ويحتاج بالتأكيد إلى تحرك دولي لوقف هذه النشاطات الإرهابية، حيث أثبتت المليشيات الحوثية عدم التزامها بأي مقررات دولية، سواء في تعاملها باتفاق ستوكهولم أو خارجه.
ومعلوم أن تنفيذ عمليات القرصنة والاختطاف تنطلق دوريا من ميناء الحديدة لاعتراض السفن التجارية بالممر البحري الدولي، ما يعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وقوانين البحار ذات الصلة، ويتعارض شكلا ومضمونا مع نصوص وأحكام القانون الدولي الإنساني، ودليل "سان ريمو" للقانون الدولي في النزاعات المسلحة في البحار واتفاقيات الأمم المتحدة، التي تضمن حرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية بالممرات المائية والبحار، باعتبار مثل هذه الأعمال الإرهابية تقويضا لأمن الممرات المائية وتهديدا مباشرا للملاحة البحرية والتجارة العالمية.
كما أن هذه الأعمال الإجرامية للمليشيات الحوثية تتنافى وروح ونصوص اتفاق ستوكهولم 2018، خاصة ما تضمنه البند المتعلق بمدينة ومواني الحديدة والصليف ورأس عيسى، واستمرار المليشيات الحوثية في ممارسة انتهاكاتها له كافة.
وحال عدم انصياع المليشيات الحوثية، فإن مواني انطلاق وإيواء عمليات القرصنة والاختطاف والسطو المسلّح سيجعلها أهدافاً عسكرية مشروعة وفق نصوص وأحكام القانون الدولي الإنساني وقوانين البحار.
ومن ثم لم يعد يكفي مطالبة الأمم المتحدة بتنظيم الحركة في مطار صنعاء الدولي، ورفع القيود عن حرية التنقل بين المحافظات اليمنية وخارجها، وإنما إقرار تدابير أمنية محكمة تقف في مواجهة القيود المفروضة على حرية التنقل، التي دفعت ملايين اليمنيين لاستخدام طرق أطول وغير ممهدة وخطيرة عادة -تنتشر فيها نقاط التفتيش الأمنية التي تديرها عناصر مسلحة ترتكب في كثير من الأحيان انتهاكات لحقوق الإنسان دون مساءلة.

ليس فقط فتح الطرق وتأمينها هو المطلوب، بل التجاوب مع مطالب المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبيرغ، والذي طالب بضرورة إعادة فتح مطار صنعاء، وإزالة العوائق أمام استيراد الوقود وتوزيعه محلياً، ورفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة، خاصة مع زيادة صعوبة الحياة اليومية بالنسبة لملايين اليمنيين بسبب توقف الرواتب، وتدهور العملة، وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية والتعليم والرعاية الصحية.
الملاحظ أن قوات التحالف العربي وجهت رسالة واضحة مفادها أنها لن تسكت على تحويل الميناءين اللذين سُمح للحوثيين باستعمالهما بضمانات أممية من الاستخدام الإنساني لتكديس الأسلحة من إيران، الأمر الذي يتطلب، وبسرعة، تفاعل الجهات الأممية والمبعوثين من مختلف الجهات من أجل التبرؤ من هذه الأنشطة الحوثية، وفتح الطريق أمام تنفيذ عمليات نوعية لقطع الطريق أمام وصول الأسلحة الإيرانية إلى المليشيات الحوثية، خاصة أن هذا السلوك الحوثي يناقض اتفاق ستوكهولم، الذي تم بمقتضاه تسهيل عودة فتح الميناءين لـ"اعتبارات إنسانية"، بالإضافة إلى أنه ثبت أن التخطيط لأعمال قرصنة السفن من قبل الحوثي يتم في ميناء الحديدة، كما أن ميناء الصليف استُخدم في تصنيع معدات عسكرية من قبل الحوثي.
والصليف والحديدة ميناءان أساسيان لإيصال المساعدات الإنسانية، التي يعتمد عليها 80% من اليمنيين، وتعد المنطقة أيضا طريقا بحريا تجاريا مهما، لا سيما لنقل النفط، إذ يمر نحو 1.5 مليون برميل نفط يوميا عبر البحر الأحمر من الكويت وسلطنة عُمان والسعودية، ولا شك أن عمليات القرصنة من قبل المليشيات الحوثية الإرهابية تمثل تهديداً لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية بمضيق "باب المندب" وجنوب البحر الأحمر، ما يتطلب إعادة تأكيد بعض التدابير العامة والمرتبطة بالتحول إلى ميناء عدن، بهدف نقل احتياجات السلع والبضائع للداخل اليمني، مع وقف الاعتداء على مساحات المنطقة الحرة التابعة لميناء عدن، وتطوير الأجهزة والأنظمة التي من شأنها خدمة الحركة الملاحية، مع الاهتمام بتطوير وتوسعة مطار عدن، وحث شركات الطيران على فتح مكاتب لها بما يضمن نشاط الحركة التجارية والسياحية والاستثمار في المدينة لمواجهة ما يجري من مخططات للمليشيات الحوثية للمساس بأمن الملاحة البحرية.