حـوارات
الدكتور ياسين : الجنوب حصل على الفرصة التاريخية
حاوره : نصر العيسائي
قال السياسي والمفكر اليمني الكبير د. ياسين سعيد نعمان ان هناك في اليمن قوة هي التي أورثت البلد كل هذه الكوارث واطلق عليها اسم "القوة الغبية " وذلك في حوار اجراه معه الناشط السياسي والاعلامي نصر العيسائي على هامش لقاء جمعهما في العاصمة البريطانية لندن.
وفي ذات الحوار الذي نشرتة جريدة شمسان التي تصدر في بريطانيا اكد الدكتور ياسين سعيد نعمان " الذي يشغل حاليا منصب سفير اليمن في بريطانيا " ان الحل السياسي في اليمن لن يكون في إطار الانقلاب باي حال من الأحوال مشيرا ان الجنوب حصل على الفرصة التاريخية.
وفي ردة على سؤال حول مستقبل اليمن وتوازن القوى فية اكد على وجوب وضوح الاستراتيجية المستقبلية على الصعيد السياسي والاقتصادي والامني من قبل دول التحالف العربي.
وعن مستقبل الحزب الاشتراكي اليمني والذي كان د. ياسين سعيد نعمان الامين العام للحزب اشار الى ان الحزب الذي لا يستطيع ان يكيف نفسه مع الحاجة المجتمعية المتجددة سينتهي او سيهمش, كما تحدث عن موقف الحزب الاشتراكي من الانقلاب وكذلك دور الحزب في الدفاع عن وحدة الجنوب وهناك الكثير من الرسائل التي وجهها السياسي والمفكر اليمني د. ياسين سعيد نعمان في هذا الحوار الهام.
س1: ما تقييمكم لواقع الثورات الأخيرة في اليمن ؟ وخاصة الثورة الجنوبية التحررية التي انطلقت في 2007م والمستمرة الى الان, والذي يرى مراقبون انها لن تهدى الا بتحقيق جميع أهدافها؟ كما نود تقييمكم لثورة التغيير اليمنية التي يرى البعض انها انتهت بمجرد توقيع المبادرة الخليجية وان هناك من خطف تلك الثورة واضاعها، بينما يرى اخرين انها لازالت مستمرة؟
- ج : القاسم المشترك للثورة في الجنوب مع ثورة الشباب هو السلام .. حراك سلمي وثورة سلمية .. كان ذلك بمثابة رد عملي على التاريخ الدموي للثورات العربية بشكل عام والتي كانت تكتفي بهزيمة الخصم عسكريا وتعتقد انها بذلك قد انتصرت ، ثم تعيد انتاج نفسها في صراعات مستمرة وكأن الثورة هي استمرار كسر عظم الاخر ..وحتى لو لم يكن هناك اخر فانه يجري خلقه بصورة تحكمية من داخل النخبة الثورية ذاتها . لذلك التغيير بالسلام هو محطة مهمة جدا جدا في حياة اليمنيين .. وكان من الطبيعي ان تجند آلة الحرب الغبية نفسها مجددا للقضاء على الثورة السلمية ، لكن صدقني ان التحول في الوعي الذي صنعه الحراك السلمي وثورة الشباب السلمية لن تهزمهما هذه الحرب وسيعاود السلام تنشيط الإرادة الشعبية لتحقيق أهداف الحراك السلمي في الجنوب وكذا ثورة الشباب السلمية على قاعدة الاحتكام لخيارات الناس السياسية بدون اي مواربة او التفاف .. المهم هو كيفية إدارة هذه العملية بحسابات مختلفة عن حسابات القوة الغبية التي أورثت البلد كل هذه الكوارث ..لا بد ان نفهم ان عجلة التاريخ تتحرك لصالح خيارات الشعوب واي محاولة لتعسف هذه الحقيقة لن تنتج غير مزيد من الدماء والنتيجة هي ستفشل في نهاية المطاف .
س2 : كيف تعلق على المشهد السياسي اليمني وكيف ترى سير مشاورات الكويت بين الشرعية والانقلابيين؟ هل نحن على أبواب تسوية أم إنها استراحة تعود بعدها الحرب؟
- ج: الى الان لا يبدو ان الانقلابيين قد ادركوا حقيقة ما قادت اليه مغامرتهم من دمار بحق هذا البلد لا سيما وانهم لا زالوا مصممين على الحل السياسي في إطار الانقلاب. لن يكون الحل السياسي في إطار الانقلاب باي حال من الأحوال .. لا بد من الالتزام بالمرجعيات الوطنية والدولية للحل :المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الاممية وخاصة القرار ٢٢١٦ وبدون هذا لا يمكن ان تصل المفاوضات الى نتيجة . الجنوب وقد تحرر لا بد ان يشكل قوة ضاغطة في معادلة الحل وعلى قواه ان تغادر الحسابات الفرعية والتائهة احيانا والتي للأسف تدفع بها الى هامش العملية السياسية كلها .. تدكر كلامي جيدا انها الفرصة التاريخية للجنوب كي يكون في قلب الحل لا على هامشه . هناك خطوات على الارض شكلت رسايل مهمة للنخب الجنوبية أوصلتهم الى داخل خط ١٨، كما يقولوا في كرة القدم ، لكنهم لا يريدوا ان يقرأوها جيدا وفضلوا ان يواصلوا التهديف من خارج خط ١٨ .
س3 : يرى الكثير من المراقبين ان توازن القوى في اليمن قد تغير بعد انطلاق عاصفة الحزم وقد انتج قوى جديدة في الساحة السياسية والعسكرية, هل تعتقد ان ذلك التغيير في موازين القوى كفيل بالذهاب باليمن الى مستقبل يحافظ على حقوق الجميع ؟ ام انه سيذهب باليمن الى صراعات من نوع أخر؟
- ج: رأيي الشخصي ان استراتيجية الإقليم تجاه اليمن لما بعد الحرب هي الكفيلة بالرد الشامل على هذا السؤال الهام . ولذلك فان هذه الوقفة الى جانب اليمن والتي عبر عنها آلتحالف عسكريا بمنع سقوط اليمن بيد ايران لما لذلك من مخاطر جيوسياسية لن تكون مكتملة الا بوضوح الاستراتيجية المستقبلية على الصعيد السياسي والاقتصادي والامني وهو ما يجب التفكير فيه بجدية من الان .
س4: تتناوش اليمن مجموعة من الثنائيات بعضها له جذور طبيعية وبعضها من صناعة الطبقة السياسية اليمنية من هذه الثنائيات: ثنائية الوحدة والانفصال، ثنائية الشمال والجنوب، ثنائية الحرب والسلام، وثنائية الأصل والفرع.. . كيف يرى المفكر والسياسي والدبلوماسي د ياسين سعيد نعمان آفاق المشهد السياسي اليمني في ضوء هذه الثنائية المتنافرة؟
- ج: تحدثت عن هذا الموضوع الشائك في اكثر من مقال واكثر من مقابلة ولخصت ذلك في كتاب (عبور المضيق) الذي صدر عام ٢٠١٤ .. هاجمني كثيرون لان الايديولوجيات السائدة لا تستطيع ان ترى العاصفة المحيطة بمشاريعها لان هذه العواصف في الأساس تنبع من قلب هذه الايديولوجيات نفسها . اهم ما في المسالة هي ثنائية الهوية التي تم التعاطي معها بتعالي وبلا مبالاة من منطلق ان ما كان يسمى الهوية الوطنية الجامعة كفيلة بسحق كل من يتطاول عليها وكانت النتيجة ان هذه الهوية لم تؤسس لنفسها ارضية قوية تساعد على استيعاب الهويات المحلية التي ظلت اقرب الى مشاعر الناس الامر الذي دفعها الى ان تعيد تكوين نفسها في صيغ من التحدي الثقافي والسيكولوجي وربما السياسي ، وهذ المسالة كامنة في الوعي المجتمعي وبإمكانك ان تلاحظ ذلك من خلال التكتلات السكانية آلتي تنشأ بهدف حماية نفسها من المجهول .
س5 : كيف ترى مستقبل الحزب الاشتراكي اليمني في ظل تداخل المهمات والتغير الذي تشهده الخارطة السياسية اليمنية وخاصة بعد انقسام الحزب الى فريقين شرعية وانقلاب، وموقف بعض أطراف الحزب المتذبذب من القضية الجنوبية؟
- ج : لا يمكن الحديث عن مستقبل الحزب الاشتراكي او غيره بمعزل عن مستقبل الحياة السياسية كلها . السؤال هو ما الذي ستسفر عليه الحياة السياسية بعد كل هذا الذي حدث .. والحزب الذي لا يستطيع ان يكيف نفسه مع الحاجة المجتمعية المتجددة سينتهي او سيهمش بكل تاكيد . لم يعد الزمن هو ذلك الزمن الذي تصوغ فيه الأحزاب بطريقة إرادوية المجتمعات وفقا لأيديولوجية بعينها .. اليوم تتداخل تطلعات الشعوب وتعبيراتها المدنية مع نضال القوى السياسية والأحزاب لتنتج أهدافا سياسية واقتصادية واجتماعية تكون هي الاختبار الحقيقي لنجاح هذا الحزب او فشله .. وهذا ما قرره الحزب الاشتراكي في برامجه منذ ان تحول الى حزب سياسي ديمقراطي .. الحزب لأسباب سياسية ظل شبه محظور يحيط به الخصوم من كل جانب .. ومع ذلك استطاع ان يحدد خياراته السياسية بما يحافظ على مكانته السياسية والاجتماعية ووفاء لتاريخ مناضليه ..ولم ينجرف الى خصومات رخيصة كالتي امتلات بها الحياة السياسية .. عبر الحزب بخطاب سياسي عن كل المشكلات التي مرت بها البلاد..ربما ان هذا الخطاب لم يعجب أطراف الصراع التي اتجهت نحو بعضها بخطاب تصفوي وهو ما جعل البعض يعتقد انه خطاب لا يرقى الى خطابه ..هذا شانهم ..لكن في المواجهة اليومية مع الأزمات كان الحزب الاشتراكي هو اول من يضحي وأول من يقاوم وآخر من يقف في طابور الانتفاع ، هذا اذا لم يخرجوه كلية من هذا الطابور . الحزب الاشتراكي ادان الانقلاب من الوهلة الاولى وأدان امتلاك السلاح قبل ان يتحدث الجميع عن ذلك .. الذين لم يعجبهم هذا الموقف المبكر اختلقوا تصريحات باسم الحزب كلها كاذبة لا لشيء الا ليبرروا إخفاقاتهم الكثيرة .. اما بالنسبة للجنوب فهناك مسالة اخرى ظل الحزب يدافع عنها وهي وحدته والتي لم تثنيه عن دعم الحراك السلمي .. كانت المشكلة المثارة عند البعض هي ان يعلن الحزب قيادته للحراك وهذا ما نظرنا اليه من زاوية اخرى وهو ان الحراك عملية جماهيرية يجب ان تنتج قياداتها من داخلها بعيدا عن الحساسيات الحزبية التي ستؤدي الى صراعات لا نهاية لها ..وقد اثبتت الايام صحة ما قلناه وهو انه عندما ادخل الحراك في حسابات حزبية بابعاد صراع تاريخية تعثر مساره بصورة كبيرة .وعندما تخلى الكثيرون عن وحدة الجنوب لم يقف ويدافع عن وحدة الجنوب غير الاشتراكي لمعرفته بمخاطر هذا التوجه . ومع ذلك لايخلو العمل السياسي من اخطاء خاصة عندما يصاحب هذا العمل حركة ثورية متقلبة المزاج والمعايير والانتماءات لا بد ان تسمع كلاما يسليك وكلاما يقليك كما يقال .