ذاكــرة عـدن
صهاريج عدن .. بنيت في الألف الأول قبل ميلاد المسيح
صهاريج عدن تعرف بصهاريج الطويلة، وهي عبارة عن منظومة مصارف مائية بنيت في الجزء الجنوبي من المدينة لتصريف مياه الأمطار من على هضبة جبل شمسان وتوجيهها بعد (فلترتها) أي حجز الأحجار والطمى المتساقط مع تلك الشلالات بواسطة الدروب السبعة الموجودة على الهضبة .. وتصريفها على طول القناة وصهاريجها للاستفادة من مياه الأمطار.
وقد اشتهرت اليمن قديماً ببناء المنشآت المائية والسدود الضخمة وقنوات الري ذات الطابع الفريد، كما يؤكد ذلك النقش المودع في متحف اللوفر بباريس بالمسند الحميري.
وكان لنا لقاء مع الأستاذ / خالد عبدالله رباطي مدير الصهاريج لنعرف الكثير والكثير عن تاريخ الصهاريج ذلك المعلم التاريخي الشامخ الذي يذهل كل من شاهده ونعرف كيف تم بناؤه وكم هو عمر هذا المعلم وأسئلة كثيرة نبحث لها عن إجابة .. فإليكم أعزائي القراء هذا الاستطلاع الذي يحوي مجموعة قيمة من المعلومات التي نحن بحاجة لمعرفتها.
الأستاذ/ خالد رباطي: اختلف الباحثون حول التحديد الزمني / الدقيق لفترة بناء الصهاريج، وهناك مصدر يشير إلى أن الملكة بلقيس ملكة سبأ جاءت إلى عدن في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وعندما شاهدت أن مياه الأمطار لا يستفاد منها وتذهب إلى البحر أمرت ببناء السدود لخزنها وتصريفها ثم جاءت دولة حمير (115 قبل الميلاد - 525م) على أنقاض دولة سبأ فوجدت أن معظم هذه السدود قد دمرت فقامت بتوسيعها حتى أصبح عددها يقارب الخمسين .. ومايؤكد عودة هذه الصهاريج إلى العصر الحميري وما قبله هو الطابع المماثل للأصل الحميري في مناطق أخرى من اليمن.
حيث اشتهرت اليمن قديماً ببناء المنشآت المائية والسدود الضخمة وقنوات الري ذات الطابع الفريد.
واستعرض كثير من المؤرخين في كتاباتهم صهاريج عدن وماتؤديه من وظيفة ومنها بناؤها المعماري الفريد فقد ذكرها الهمداني في القرن العاشر الميلادي في مؤلفاته وكذا كامل المقدسي موحياً بوجودها في وقت مبكر من تاريخ المدينة، والرحالة ابن بطوطة الذي كتب عن زيارته لعدن عام 1329م وابن المجاور وابن الديبع وغيرهم من مشاهير المؤرخين في القرون الماضية.
الصهاريج بين نهوض وإهمال
وأضاف: استمرت حمير حتى مجيء الإسلام ومنذ تلك الفترة مروراً بالدولة الإسلامية وتعاقب الدويلات اليمنية على حكم عدن وحتى العهد البريطاني مرت الصهاريج بفترات نهوض وإهمال، ففي فترة الصليحيين (1047/ 1137م) أضيفت إلى احد الصهاريج (القبة) ذات الطابع الإسلامي في عهد الملكة أروى.
ويقال إنها كانت تستخدم ذلك الصهريج كمستحم خاص بها هي وحاشيتها.
حاجة الجيش البريطاني للمياه
وقال: عند الاحتلال البريطاني لعدن في 1839م .. لحاجة الجيش البريطاني للمياه حيث كان يواجه مقاومة في طرق قوافل الماء بين الحين والآخر من القبائل، فكر الإنجليز في الاستفادة من هذه الصهاريج وترميمها على أن تكون مصدر ماء يعول عليه تلبية احتياجاتهم واحتياجات المدينة.
وأوكل البرجدير كوجلان (المقيم السياسي البريطاني) مهمةpترميم الصهاريج لمساعده الكابتن بليفر، وهذا ماجعل البعض يدعى بأنه مكتشفها.
وامتدت فترة الترميمات تلك من (1854حتى فبراير 1899م) وتم خلالها ترميم وإبراز (18) صهريجاً.
اليمنيون القدامى وعبادة الثالوث
وخلال حديثنا عن تاريخ هذا المعلم الرائع تحدث قائلاً:
أثناء عمليات الترميم عدل المهندسون البريطانيون في المخطط الأصلي لشبكة المصارف (القناة) وذلك بغرض خزن أكبر كمية ممكنة من المياه، مما عطل هدفها فتحولت من مصارف إلى خزانات للماء.
وأكبر هذه الصهاريج اتساعاً ما سمي بـ(بليفر) ويقع خارج سور المجموعة ويتسع لأربعة ملايين جالون تقريباً ومنه ينحدر الماء إلى السائلة الرئيسية ومنها إلى البحر، يليه من حيث السعة صهريج (كوجلان) ويقع وسط المنظومة، وتبلغ سعته ثلاثة ملايين ونصف مليون جالون تقريباً، ويوجد في قاع هذا الصهريج (نحران) في اتجاه كوكب الزهرة لذبح القرابين للآلهة في مناسبات الجدب والجفاف كذلك لو تفحصنا في صهريج (ابو سلسلة) لأمكن ملاحظة محرابين باتجاه الشمس، ومعروف عن اليمنيين القدامى ديانتهم في عبادة الثالوث (القمر والشمس والزهرة) أما باقي الصهاريج فتختلف في أحجامها مابين المتوسط والصغير ويبلغ إجمالي سعتها عشرين مليون جالون.
الأهمية التاريخية الوظيفية
وقال: على الرغم من العمر الطويل لصهاريج عدن منذ العصر الحميري وما قبل، الا انها مازالت صامدة وتؤدي وظيفتها إلى يومنا هذا ويعود ذلك إلى صلابة صخورها البركانية، وإلى المادة المستخدمة في البناء والتي أكسبتها من القوة والصلابة ما ساعدها على مقاومة عوامل التعرية الطبيعية.
وهذه المادة من الرماد البركاني المختلط بمادة النورة مع (الهيلسن والنيس) تشكلت تحت حرارة وضغط عاليين.
كما تقوم الصهاريج بحماية المدينة من فيضانات السيول الموسمية وذلك تلقيها من أعمالي الهضبة، وتخفيف اندفاعاتها وأضرارها على منازل المدينة.
بالإضافة إلى وظيفتها التقليدية وهي خزن وحفظ الماء وتصريف مافاض منه إلى البحر.
كما تقوم الصهاريج بتغذية الآبار الجوفية للمدينة من خلال فتحات خاصة صممت في قاع كل صهريج لذلك الغرض.
ومن ذلك يمكن ان نستخلص بإيجاز تطور خدمات المياه المقدمة لمدينة عدن، فبعد ان كان اعتمادها في الماء على الآبار الجوفية ومخزون الصهاريج من مياه الأمطار، انتقلت إلى مرحلة جلب المياه من أماكن تقطير وتحلية مياه البحر بالمدينة وعرفت (بمياه اليمنية).
وفي الفترة 1924/ 1929م نجحت الحكومة في جلب كميات وافرة من المياه العذبة من الشيخ عثمان عرفت (بمياه الآبار الإرتوازية).
وأخيراً وليس آخراً أود أن أتحدث عن بعض المعوقات التي نعاني منها كإدارة في الصهاريج وتكمن في الآتي:
انعدام النظافة.
المياه منقطعة باستمرار حتى سقطت الأزهار وجفت.
انعدام المظهر الجمالي.
عدم وجود ميزانية من الدولة لتشغيل الصهاريج.
أصبحنا نستعين ببعض الأفراد الخريجين لحراسة الصهاريج ونظافتها ونقوم بإعطائهم أجوراً رمزية من دخل الزائرين أن وجدوا.
وأتمنى ان تصل رسالتي إلى كل القائمين والمسؤولين عن هذا المعلم التاريخي المهم بلفت الإنتباه إليه حتى لا يطمس بسبب الإهمال وعدم الإكتراث ...!!!