حـوارات
ياسين: البعض يقودون الجنوب الى المجهول ليصبحوا أبطالاً باسم الانفصال
طالب أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني "المنضوي في تكتّل اللقاء المشترك" ومستشار رئيس الجمهورية الدكتور ياسين سعيد نعمان برد الاعتبار لجنوب اليمن والتعامل معه كطرف حقيقي في المعادلة السياسية اليمنية ومعادلة بناء الدولة، ومعالجة المشكلات القائمة في الجنوب معالجة جذرية في إطار النقاط الإثنتي عشرة التي طرحها الحزب الاشتراكي لبناء الثقة ومدخل لإجراء الحوار الوطني الشامل.
وقال نعمان الذي يشغل عضوية اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل في حوار خاص لموقع "نيوز يمن" إنه يجب ألا ينظر للجنوب كقضية عصبوية ولكن كمشروع سياسي حتي يتم المحافظة على وحدته بدلاً من أن يتعرّض للتمزّق.
واعتبر القيادي البارز في تكتّل اللقاء المشترك أن بقاء الرئيس السابق على عبد الله صالح على رأس حزب المؤتمر الشعبي العام "الحاكم سابقاً والشريك في الائتلاف الحكومي حالياً" يمثّل مشكلة حقيقية حيث أنه تحوّل إلى "مركز جديد للقوى الرافضة لعملية التغيير ونقل السلطة، ومركز استقطاب لهذه القوى وهذا من شأنه فعلاً أن يعيق عملية انتقال السلطة".
وشدّد أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني على ضرورة توحيد الجيش تحت قيادة واحدة قبل الشروع في الحوار الوطني، على أن تأخذ عملية هيكلة الجيش والأمن مداها الزمني، وأن يقوم الرئيس عبد ربه منصور هادي المفوّض شعبياً باستعادة الدولة "من أي مغتصب كان حتى لا يعرقل مواصلة نقل السلطة على أسس سليمة".
وعبّر نعمان عن تفاؤله بنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقدرة الأطراف السياسية على التوصّل لحلول لمختلف القضايا والملفات المطروحة. وأضاف "لا يوجد أمام اليمنيين إلا أن يتحاوروا بمسؤولية، وتفاؤلي ناشيء عن قناعتي بأن اليمنيين تحاربوا وتصارعوا وجرّبوا كل ألوان الصراع ولم يصلوا إلى نتيجة، واليوم الجميع مقتنعون بأنه يجب أن يتحاوروا. أمام اليمنيين قاسم مشترك جميعهم في حاجة إليه وهو الدولة الضامنة لحرية الجميع".
نص الحوار:
*بعد أكثر من عام ونصف على اندلاع الثورة الشبابية الشعبية وبعد أكثر من سبعة أشهر على التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.. كيف ترون سير عملية التسوية السياسية؟
**طبعاً التسوية السياسية تسير بشكل طيب حتى الآن، وهناك بعض التعقيدات ناشئة بدرجة رئيسية عن إصرار الرئيس السابق علي عبد الله صالح أن يبقى في المشهد السياسي بينما الاتفاق والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وروح التسوية السياسية تقول إن على الرئيس السابق بعد إعطائه الحصانة أن يغادر الحياة السياسية، ومفهوم نقل السلطة يعني ذلك. لكن الآن إصراره على البقاء في المشهد السياسي يخلق كثير من التعقيدات لا سيّما وأن بعض القوى التي ترى أن العملية السياسية والتغيير ونقل السلطة قد أضرّت بمصالحها تريد أن تجعل منه مركز استقطاب مضاد لعملية التغيير والتسوية السياسية.
وكونه يقبل بذلك ويعمل لمصلحة هذه القوى التي ترفض عملية التغيير لا شك أن ما سينتج عن ذلك هو مزيد من التعقيدات في المشهد السياسي وفي عملية التسوية، هذا جانب. الجانب الثاني هناك العنف ومظاهر الإرهاب التي تجلّت بصفة خاصة في الآونة الأخيرة وبشكل أكبر وبالرغم من هزيمة هذه القوى الإرهابية لتنظيم القاعدة في أبين وشبوة إلا أن المظاهر التي بدأت تبرز سواء كانت في التفجيرات الانتحارية أو غيرها من أعمال العنف تدلّل على أن وراء هذه الأعمال توظيف سياسي من نوع ما. ولذلك نشعر في الوقت الحاضر أن هذه التعقيدات أبطأت العملية السياسية إلى حد ما. لكن العنصر الرئيسي في العملية السياسية في الوقت الحاضر هو الحوار الوطني وتجليات الحوار واضحة من خلال تشكيل اللجنة الفنية للإعداد والتحضير للحوار الوطني التي بدأت عملها فعلياً.
مراكز قوى
*تشير بعض التقارير إلى أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح لا يزال الطرف الأقوى في الساحة السياسية وأنه يملك من النفوذ والقوة ما يمكّنه من العودة إلى السلطة مرة أخرى إما من خلاله شخصياً أو عبر ترشيح نجله الأكبر قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في عام 2014؟
**أولاً الحديث عن أن الرئيس السابق الطرف الأقوى مبالغ فيه، الرئيس السابق الآن يجري استخدامه من قبل مراكز القوى التي ترفض عملية التغيير ومستفيدين في هذا من بقايا النظام السابق وما لديه من إمكانيات سواء كانت مادية أو عسكرية.
ولكن دعني أقول لك إن عملية التغيير في هذا البلد قد دارت ولن تعود إلى الخلف. وذاكرة الناس فيما يخص ممارسات النظام السابق وما أنتجه من مشكلات في حياة الشعب اليمني بالتأكيد لن تمحى على نحو سريع. هذا بخلاف الأسلوب القمعي الذي مورس ضد الشباب وجماهير الشعب خلال أحداث الثورة الشبابية الشعبية لن يترك الفرصة لهذه القوى أن تعود إلى صدارة الحكم بكل تأكيد لأن ذاكرة الشعوب ليست بذلك التشوّه الذي من شأنه أن ينسيها كل ذلك.
ومع ذلك دعني أقول لك شيئاً إننا ننتقل خلال المرحلة الانتقالية إلى حياة ديمقراطية كاملة تستعاد فيها القيمة الفعلية للإرادة الشعبية ويرد فيها الاعتبار للإرادة الشعبية، ومن حق الناس بعد ذلك أن يختاروا من يريدونه. فالذي يستطيع أن يقدّم نموذج لحكم يحقّق مصالح اليمنيين فمن حق اليمنيين أن يختاروه.
استعادة الدولة
*تطالبون بإعادة هيكلة الجيش والأمن قبل الشروع في الحوار الوطني الشامل، فيما تتحدّث قيادات المؤتمر الشعبي العام عن إنهاء الانقسام وتوحيد الجيش أولاً وأن الهيكلة عملية فنية تتطلّب وقتاً وخطة وخبرات؟
**لا.. نحن نتحدّث هكذا، المشترك هو الذي يتحدّث هكذا، المشترك هو الذي يرى أن الهيكلة عملية طويلة تأخذ مداها الزمني ولم يشترط أن تتم قبل الحوار الوطني. ما يجب أن يتم قبل الحوار الوطني هو توحيد الجيش تحت قيادة واحدة هذه هي نظرة اللقاء المشترك. لماذا نقول ذلك؟
نقول ذلك لأنه في اللحظة الراهنة مهمة الرئيس هادي المفوّض شعبياً بانتخابات 21 فبراير 2012 هو أن يستعيد مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية من الأيادي المغتصبة لهذه المؤسسات، وبالتالي لا بد أولاً إنجاز استعادة الدولة حتى تكون هذه الدولة هي الضامنة لحوار ناجح بين كافة القوى السياسية، وما لم توجد الدولة الضامنة لمثل هذا الحوار الناجح فلا نستطيع أن نتحدّث عن حوار.
أما الهيكلة فلا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أننا نتحدّث عن جيش وطني والمسألة ليست فقط فنية لكن نتحدّث عما لحق بهذا الجيش الوطني من تشوّهات من قبل النظام السابق بدءاً بحرب 94 وانتهاءاً بتصفية مكوّنات الجيش الوطني باتجاه بناء الجيش العائلي.
كل ما يعرقل استعادة الدولة يعتبر خطراً أياً كان ولكن لا أعتقد في الوقت الحاضر أن هناك من يستطيع أن يعرقل عملية نقل السلطة. الرئيس هادي مفوّض شعبياً وعليه أن يتّخذ القرار الذي يميله عليه واجبه باستعادة الدولة من أي مغتصب كان حتى لا يعرقل مواصلة نقل السلطة على أسس سليمة، والسير نحو بناء الدولة المدنية الحديثة وإجراء الانتخابات في وقتها المحدّد وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014.
النقاط الـ 12
*طرحتم في الحزب الاشتراكي إثنتي عشرة نقطة لحل القضية الجنوبية وتبنّاها تكتل أحزاب اللقاء المشترك الذي ينضوي الحزب في إطاره.. هل هذه النقاط تمثّل رؤيتكم لحل القضية الجنوبية بعيداً عن السيناريوهات الأخرى المطروحة؟
**أولاً دعني أقول لك إن النقاط الإثنتي عشرة التي وضعناها ليست لحل القضية الجنوبية ولكن اعتبرناها مدخلاً لبناء الثقة والسير نحو حوار وطني لكل أطراف العملية السياسية.
ثانياً هذه النقاط ليست جديدة، هذه النقاط وضعناها بعد حرب 94 مباشرةً ولكن نظام علي عبد الله صالح كان يتجاهل كل ما كان يطرح فيما يخص حل مشاكل الجنوب مما أدّى إلى مزيد من التعقيدات، وبالتالي خلق حالة من الإحباط عند الناس في الجنوب بأنه لا أمل من حل أي مشكلة مما دفع إلى هذا الموقف الذي نشهده اليوم وهذا المزاج الذي يعكسه الحراك الجنوبي والذي على ضوئه طبعاً تكوّنت مثل هذه المواقف السياسية.
الوضع في الجنوب اليوم يحتاج إلى معالجة جذرية ليس فقط معالجة المشكلات القائمة التي تحدّثنا عنها في إطار النقاط الإثنتي عشرة، ولكن لا بد من معالجة جذرية تقوم على أساس اعتبار الجنوب طرف حقيقي في المعادلة السياسية اليمنية، معادلة بناء الدولة، هذا يتطلّب حوار شامل يشترك فيه الجنوبيون وتشترك فيه كافة القوى السياسية وفي نفس الوقت، النظر إلى الجنوب كمشروع سياسي سواء كان من الناحية السياسية أو بالاستناد إلى الأدوار التي ظل الجنوب يؤدّيها في حياته خلال كل العقود الماضية. أنا برأيي أن الجنوب يجب ألا ينظر إليه كقضية عصبوية ولكن كمشروع سياسي إذا تم الاتفاق على النظر إلى الجنوب بهذه الصفة أنا أعتقد أننا بذلك نستطيع أولاً أن نمكّن الجنوب من أن يحافظ على وحدته بدلاً ممّا يمكن أن يتعرّض له من تمزّق، وثانياً أن يقوم بالدور التاريخي الذي يعوّل عليه أن يلعبه فيما يخص بناء هذه الدولة المدنية لكل أبناء اليمن.
بناء الثقة
*ماذا لو لم يتم الموافقة على النقاط الاثنتي عشرة وخاصةً الاعتذار الرسمي عن حرب صيف عام 1994 وإعادة المسرّحين قسراً والأراضي والممتلكات العامة والخاصة؟
**أنا أعتقد أن النخب السياسية مع السلطة القائمة الآن إذا لم تعط لهذه المسألة الأهمية الكافية وتتّخذ الخطوات والإجراءات العملية وفقاً لما تحدّثنا عنه سواءً فيما يخص هذه النقاط الاثنتي عشرة وغيرها من الإجراءات الأخرى وتنظر إلى ما يجري في الجنوب من مشكلات ومن مزاج فإنها ستتحمل مسؤولية ما سيترتّب على ذلك من تعميق الانقسام الوطني. على الجميع أن يدرك أن هذه الخطوات لا تساوي شيئاً أمام الحاجة إلى إعادة بناء الثقة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد.
وبالتالي هذه الخطوات هي مجرّد مقدّمات ضرورية بل ومدخل كما قلنا لإعادة الثقة حتى يشعر الناس في الجنوب أن هذا النظام أو هذه السلطة الجديدة بدأت تكوّن منطلقات جديدة لحل مشكلة الجنوب بعيداً عن نزق النظام القديم الذي عبث كثيراً بالجنوب وعبث كثيراً باليمن وقادت سياساته التفكيكية إلى هذا الوضع الذي نعيشه اليوم. النظام القديم أراد أن يحمي نفسه بخلق هذه البنى التفكيكية وهذه المشاريع المختلفة باعتباره نظام عائلي أراد أن يخلق هذه المشكلات في مواجة المشروع الوطني.
وبالتالي على هذه السلطة اليوم أن تعي تماماً أنها أمام مهمة صعبة تبدأ بتقديم الأدلة على أنها قادرة أو مستعدة لمواجهة كل ما أنتجته السياسة التفكيكية للنظام القديم بدءاً بالحالة الجنوبية.
*في ظل أطروحات الفيدرالية والكونفدرالية والانفصال وفك الارتباط بين شمال وجنوب اليمن.. ما الخيار الذي ترون أنه الأنسب لحل القضية الجنوبية؟
**الحزب الاشتراكي لديه رؤيته فيما يخص حل المشكلة بشكل عام وسيقدم هذه الرؤية إلى مؤتمر الحوار الوطني. الحزب الاشتراكي يرى أن الحل فيما يخص الجنوب أو الوضع اليمني بشكل عام يجب أن لا يكون حلاً نخبوياً وإنما يجب أن يتم على قاعدة شعبية لأن الذي سيتحمل مسؤولية أي خيار هو الشعب، ويكفي أن النخب في كثير من المحطات اختارت حلولاً من نوع ما لم تصمد كثيراً أمام متغيّرات الحياة، ولذلك أعتقد أنه آن الأوان أن تتحاور الأطراف السياسية بثقة وتتحاور مع الشعب وأن يكون للشعب كلمة فيما ستستقر عليه الأمور. لكن مبدئياً أستطيع أن أقول إن الوحدة القائمة على أساس رد الاعتبار للجنوب واعتباره طرفاً في معادلة وطنية حقيقية هي في الأساس تحمي الجنوب.
تحميه لماذا؟ لأن رد الفعل الذي نشأ اليوم في الجنوب من هذه الوحدة التي جرى ضربها في حرب 94 تجاوز حقيقة أن الجنوب مشروع سياسي واتّجهت به إلى أن يصبح مشروعاً عصبوياًَ، وإذا سار في هذا الاتجاه محمولاً بهذه الثقافة فإنه سيكون عرضة للتمزّق لماذا؟ الجنوب كدولة عمرها لا يتجاوز 23 سنة من عام 1967 حتى عام 1990، وقامت أيضاً على أساس مشروع سياسي واستطاعت هذه الدولة أن تدمج أو توحّد في إطارها 23 سلطنة ومشيخة، هذه السلطنات والمشيخات أعمار البعض منها يتجاوز 250 سنة. لاحظ هنا صراع الهويات، انطلقنا من ثقافة عصبوية للحديث عن الجنوب، هنا الخطورة، الهوية التي عمرها 250 سنة بالتأكيد ستكون أكثر قوة وفاعلية من الدولة التي عمرها 23 سنة ولذلك لا بد أن نتّجه نحو حماية الجنوب من هذه الثقافة العصبوية التي يجري انتاجها اليوم، بالتمسّك بأن الجنوب مشروع سياسي. إذا انطلقنا من هنا بعد ذلك قضية الوحدة أو غيرها من القضايا سيتم التعامل معها باطمئنان سواء كانت الوحدة أو حتى فك الارتباط، لكن الخطورة أن يتم التعامل مع هذه المفردات بمثل هذه الثقافة العصبوية التي يتم إنتاجها كرد فعل لحرب 94 وما حملته فعلاً من سياسات أدت إلى قتل الوحدة في وعي الناس في الجنوب.
علي سالم البيض
*ما وضعية نائب الرئيس السابق علي سالم البيض بالنسبة لكم في الحزب الإشتراكي، وكيف تنظرون إليه وهو الذي يطالب بالانفصال أو فك الارتباط؟
**وضعيته من أي ناحية؟
*من ناحية علاقته بالحزب الاشتراكي وعلاقة الحزب به وأيضاً مدى تمثيله لقطاع معيّن من اليمنيين في الجنوب؟
**دعني أقول لك كثير من القيادات السابقة التي كانت على رأس هذا الحزب تركت الحزب وبعضها أعلن ذلك، وبعضها ترك الحزب لكي يتطهّر كما يعتقد، حينما كان كثير منهم هم من صنعوا سياسات الحزب ولا يستطيعون اليوم أن يقولوا إنهم لم يكونوا مسؤولين عنه، لكن ما يشرّف هذا الحزب أن من بقي فيه هم المناضلون البسطاء الذين لم يكن معظمهم في يوم من الأيام لا في السلطة ولا في قيادة الحزب ومع ذلك نحن نريد أن نحتفظ بعلاقة طيبة مع كل من ترك الحزب، ليس لدينا مشكلة، لكل إنسان خياراته، لكن لا نريد البعض أن يعبّيء خياراته على حساب خيارات هذا الحزب أو بالانتقاص من خيارات هذا الحزب. الذي يقوم بالترويج أو تسويق خياراته بالانتقاص من خيارات الحزب نحن سنكون ضده مائة في المائة، أما إذا أراد أن يسوّق خياراته دون انتقاص من خيارات الآخرين فهذا شأنه. لكن دعني أقول لك شيئاً واحداً أنا فقط أريد أن أذكّر البعض بمسألة واحدة، إنه عندما كان الجنوب في التسعينيات وما قبل التسعينيات وكان الناس يصفّقون للوحدة وكان أي شخص يرفض الوحدة يعتبر خائناً، جميع هؤلاء أصبحوا أبطال باسم الوحدة، اليوم عندما تعثّرت الوحدة بسبب سياسات النظام العائلي وحرب 94 أصبح صعب اليوم أن من يدّعي أو يقول إنه وحده في الجنوب بسبب هذا الوضع، البعض يريدون أن يصبحوا أبطالاً باسم الانفصال.. مفارقة عجيبة!
مجاراة مزاج الناس في العمل السياسي عمل خاطئ، إذا لم تستطع أن تتحاور مع هذا المزاج وتدّعي أنك سياسي وقائد سياسي وتنطلق من مصالح الناس الإستراتيجية والبعيدة دون مجاراة لهذا المزاج المتقلّب فأنت لست سياسياً، أنت فقط تريد أن تبحث عن مكان لك في هذا المزاج.
نحن في الحزب الاشتراكي عانينا كثيراً ممّن أرادوا أن ينتقصوا من سياسات الحزب لكننا نشعر أننا نحب الجنوب أكثر منهم، نحن لا نريد أن نقود الجنوب إلى المجهول، نريد أن نتحدّث عن الجنوب ولا نريد أن نصادر حق الناس في أن يقولوا كلمتهم بشأن الجنوب، ولكن متى يقولون كلمتهم بشأن الجنوب؟ يقولونها في ظروف أفضل من الظروف الحالية، في ظروف يكون فيها هذا المزاج قد تغيّر وبالتالي يتحكّم في الكلمة ليس هذا المزاج المتقلّب ولكن العقل النافذ إلى الحقيقة، والجنوب لا يريد ذلك، لا نريد أن يتقرّر مصير الجنوب حقيقةً في ضوء هذا المزاج أو يتحكّم به هذا المزاج الذي للأسف يوظّفه البعض اليوم لمشاريع في تقديري مجهولة.
متفائل
*هل أنتم متفائلون بنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقدرة الأطراف السياسية اليمنية على الخروج بحلول للمشاكل العالقة والملفات الساخنة مثل قضية الجنوب أو قضية صعدة أو النظام السياسي أو الدستور؟
**أنا متفائل نعم.. لأنه لا يوجد أمام اليمنيين إلا أن يتحاوروا بمسؤولية، وتفاؤلي ناشيء عن قناعتي بأن اليمنيين تحاربوا وتصارعوا وجرّبوا كل ألوان الصراع ولم يصلوا إلى نتيجة، واليوم الجميع مقتنعون بأنه يجب أن يتحاوروا. سيقول البعض كيف يدار حوار في ظل هذه التناقضات من المشاريع والأفكار والرؤى المختلفة؟ أنا أقول إن أمام المتحاورين وأمام اليمنيين قاسم مشترك جميعهم في حاجة إليه وهو الدولة الضامنة لحرية الجميع. ماذا أريد أنا كصاحب مشروع أحمله سلمياً سوى أن تكون هناك دولة تضمن حريتي في تسويق مشروعي للناس. هذه مرحلة يعني دولة لا تقمع حريتي في تسويق مشروعي وفي نفس الوقت أنا أيضاً واجبي ألا ألجأ إلى العنف لكي أسوّق هذا المشروع، هذه معادلة يجب أن يتفق عليها المتحاورون وبالتالي المرجعية الأخيرة لتقرير مستقبل هذا البلد هي الشعب وإرادة الشعب. هذه يفترض أن يتحاور حولها الناس في تقديري الشخصي.
حزب المؤتمر
*هل لديكم مشكلة في بقاء الرئيس السابق علي عبد الله صالح رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام "الحاكم سابقاً" والشريك في الحكومة حالياً؟
**نعم.. علي عبد الله صالح بقاؤه على رأس الحزب يثير مشكلة حقيقية أولاً للحزب نفسه. على عبد الله صالح لا يدير حزب ولا يستطيع أن يدير حزب لأنه لو كان يدير حزب لكان المؤتمر الشعبي العام بهذه الإمكانيات الضخمة سواءً كانت المادية أو البشرية حزباً قادراً على التأثير في الحياة السياسية، لكن علي عبد الله صالح صادر المؤتمر مثلما صادر الدولة وبقاؤه اليوم على رأس المؤتمر هو مصادرة للمؤتمر والدليل على ذلك الانشقاق القائم الآن داخل المؤتمر وحالة الركود والجمود الكامل داخل هذا الحزب الذي يدار بنفس العقلية القديمة التي كان يدار بها سابقاً. هذا أولاً. ثانياً علي عبد الله صالح بقاؤه على رأس المؤتمر ليس حباً في أن يبقى رئيساً للمؤتمر ولكن ليتحول إلى مركز جديد للقوى الرافضة لعملية التغيير ونقل السلطة، يعني مركز استقطاب لهذه القوى وهذا من شأنه فعلاً أن يعيق عملية الانتقال لا سيّما وأن أصحاب المصالح غير المشروعة المحيطين بالرئيس السابق سيواصلون فرض هذه الوظيفة عليه حتى لو كان لا يريدها خدمةً لمصالحهم.
العدالة الانتقالية
*مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الذي أحيل إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي بسبب عدم التوافق عليه بين الشركاء في حكومة الوفاق الوطني، هل سيخرج قريباً من دار الرئاسة أو القصر الجمهوري؟
**أنا أعتقد أن هذا القانون يجب أن يصدر بشكل سريع، فصدور القانون له تأثير نفسي إيجابي لأنه يحمي حقوق الناس وحقوق الضحايا. المعادلة أن قانون الحصانة أعطي للحاكم أعطي للجلاّد وقانون العدالة الانتقالية للضحية. حسناً لماذا نؤجّل قانون الضحية ونسرع بإصدار قانون الجلاّد! هذه مفارقة غير مفهومة ولذلك أنا أعتقد أن القانون يجب أن يصدر بشكل سريع.
تصعيد ثوري
*ما موقفكم من دعوات شباب ساحات التغيير والحرية للتصعيد الثوري والاحتجاج والتلويح بالعصيان المدني والإضراب الشامل، إذا لم يستجب الرئيس عبد ربه منصور هادي لمطالبهم بإقالة أقارب الرئيس السابق من مناصبهم القيادية في الأجهزة العسكرية والأمنية؟
**أولاً لا أحد يستطيع أن يدّعي أنه يمثّل شباب الثورة، والتسوية السياسية التي تمت لم تكن بديلاً لهؤلاء الشباب ولم يكونوا طرفاً فيها، ولذلك من حق الشباب أن يشكّلوا عامل ضغط قوي لتحقيق وإنجاز عملية التغيير. هناك فهم في بعض الأحيان يكاد يكون قاصر، البعض يرى أن انتصار الثورة هو بإسقاط النظام أنا أقول لا.. لا توجد ثورة انتصرت بمجرّد إسقاط النظام. الثورات لا تنتصر إلا بتحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وهي تأخذ مداها الزمني الطويل. السؤال اليوم كيف تنتصر الثورات السلمية؟ بخلاف الثورات التي كانت تقوم بها نخب عسكرية سابقاً، اليوم الثورات مهمتها الرئيسية وأول مؤشّر لانتصارها هو أن تضع السلطة بيد الشعب أولاً، بعد ذلك تأتي البرامج والأهداف، لكن بمجرّد أن تضع السلطة بيد الشعب عبر انتخابات حرّة ديمقراطية نزيهة تكون هذه المقدّمة الأولى لانتصار الثورة، ولذلك فإن هذا التصعيد أو الجهد يجب أن ينصبّ في هذا الاتجاه. إذاً السؤال هو بماذا تنتهي التسوية السياسية؟ تنتهي بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة يعني أنها تضع السلطة بيد الشعب إذاًَ هنا نقطة التقاطع ولذلك التصعيد الذي يتحدّث عنه الشباب يرمي بدرجة رئيسية إلى إنهاء كافة العوائق التي من شأنها أن تقف دون توصّل التسوية السياسية إلى تسليم السلطة للشعب عبر انتخابات حرّة ونزيهة.