أخبار محلية

دولة الجنوب عمق استراتيجي للخليج العربي

د. عديل الطهيش


في خضم التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، برز الجنوب العربي كأحد أهم المرتكزات الاستراتيجية لأمن واستقرار الخليج العربي، فليست الجغرافيا وحدها ما يجعل من الجنوب عمقًا استراتيجيًا لدول مجلس التعاون، بل التاريخ المشترك، والروابط الثقافية والاجتماعية، وموقعه الاستراتيجي عند بوابة الملاحة الدولية، كلها تجعل من استقرار الجنوب ضرورة إقليمية.
منذ فجر التاريخ، ارتبط الجنوب العربي ارتباطاً وثيقاً بجيرانه في الجزيرة العربية، ثقافياً وحضارياً واقتصادياً، فالموروث الاجتماعي والتقارب الثقافي واللغوي والمذهبي مع دول مجلس التعاون الخليجي، يجعل من الجنوب أقرب ما يكون إلى النسيج الخليجي الواحد، غير أن النظام الذي نشأ عقب الاستقلال عام 1967، سعى لطمس الهوية الجنوبية الأصيلة، محاولاً سلخها عن جذورها العربية والخليجية، متأثراً بالشعارات القومية آنذاك، ومتخذاً من الأيديولوجيا الاشتراكية غطاءً لسياستة ، ما جعل الجنوب ساحة صراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي ولم تجد دول الخليج حينها الفرصة أو الإمكانيات لاحتضان الجنوب العربي، وهو ما جعل المجال مفتوحاً أمام القوى المتطرفة والأفكار الدخيلة لابعادة عن محيطة واستمر هذا المشروع في طمس الهوية الجنوبية حتى لحظة إدخال الجنوب في وحدة اندماجية غير متكافئة عام 1990م ، بين هويتين متناقضتين وكان الشعب الجنوبي حينها متأثراً عاطفياً بتلك الشعارات القومية دون أن يدرك أن تلك الشعارات ستتحول يوماً ما إلى مأساة لشعب بأكمله، سلّمت  أرضه لنظام قبلي متخلف لا يعرف سوى لغة الحرب والقوة والنهب وقد ارتكبت قيادة الجنوب حينها خطاء تاريخيا بالذهاب إلى هذه الوحدة دون أي استفتاء شعبي أو ضمانات عربية ودولية تحمي الحقوق الجنوبية في حال الانقلاب عليها، بل والادهى من ذلك انة تم التسريع بتوقيع الاتفاقية قبل موعدها المقرر وباصرار من الرئيس الشمالي صالح حينها ، في إطار تفاهم سري جرى لاحقاً الكشف عنه بين صدام حسين وعلي عبدالله صالح، يهدف إلى تعجيل قيام الوحدة تمهيداً لغزو العراق للكويت، وهوماتجلى لاحقا حيث اعلن النظام اليمني وقوفة الى جانب النظام العراقي الذي اجتاح الكويت حينها، في موقف رفضه الجنوبيون بشدة ولقد عبّر شعب الجنوب آنذاك عن موقفه الوطني الرافض لاجتياح الكويت، إدراكاً منه للعلاقة الوطيدة التي تربط الجنوب بدولة الكويت التي لطالما قدمت مشاريع تنموية وإنسانية في الجنوب مازالت باقية حتى يومنا هذا وفي الوقت الذي أعلن فيه نظام صنعاء موقفاً داعماً لصدام باسم "اليمن الموحد"، أعلن الجنوبيون بكل وضوح رفضهم لهذا العدوان، في موقف أخلاقي وإنساني أكد عمق العلاقات التاريخية بين الجنوب ودول الخليج.
عقب حرب 1994، التي اجتاحت فيها قوات نظام علي عبدالله صالح الجنوب وأسقطت شراكته السياسية والاقتصادية، وقفت دول الخليج ضد فرض الوحدة بالقوة، حيث صدرت قرارات مهمة في قمة أبها ومواقف داعمة لحق الجنوب، كما أيدت دول الخليج قرارات مجلس الأمن في العام نفسه، التي رفضت الحسم العسكري ودعت للحوار والعودة إلى الاتفاق السياسي ومنذ ذلك الحين، دخل الجنوب في مرحلة مقاومة شعبية، بدأت بالرفض الشعبي ثم تبلورت عبر نضال سلمي واسع تمثل في انطلاق  الحراك الجنوبي في العام 2007م، الذي طالب باستعادة الدولة الجنوبية وفي خضم هذا النضال، جاء اجتياح مليشيات الحوثي للجنوب عام 2015، بدعم مباشر من إيران، ليشكل لحظة فاصلة في وعي الجنوبيين ووعي الخليج بمصير مشترك يتطلب المواجهة مع المشروع الإيراني،  فانطلقت عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة،  والتي شكّلت بداية لتحالف عربي واسع دعما للمقاومة الجنوبية ومنع التمدد الايراني في المنطقة،  
فقد خاض الجنوبيون معركة تحرير ارضهم من الحوثيين بشجاعة وشراكة صادقة مع التحالف العربي، حيث جاء تحرير عدن في يوليو 2015 ليشكل أول انتصار حقيقي للمشروع العربي في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة فقد قطع تحرير العاصمة الجنوبية يد طهران، وأعاد الجنوب إلى محيطه العربي، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الشراكة بين الجنوب ودول التحالف، ثم اتجة الجنوبين لدعم ابناء الشمال لتحرير مناطقهم ابتداء  من ذباب والمخا في الساحل الغربي وصولاً إلى مشارف الحديدة، ولولا اتفاق استوكهولم الذي جاء بضغط دولي، لكانت القوات الجنوبية بمساعدة التحالف العربي حررت المدينة بالكامل ومنعت الحوثيين اليوم من استهداف الممرات الملاحية الدولية. لقد أثبت الجنوبيون أنهم الحليف الحقيقي للمشروع العربي، وأنهم قادرون على حماية الأرض والمصالح الإقليمية، وهو ما يستوجب دعمهم لبناء قوات عسكرية وأمنية قادرة على مواجهة التحديات و في المقابل، ظهر تقاعس واضح من قبل القوى الشمالية في تحرير صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، رغم تلقيها دعماً هائلاً من التحالف العربي، بل إن بعض الجبهات تم تسليمها للحوثيين في عمليات خيانة مكشوفة، ما أثبت وجود تواطؤ بين بعض قيادات "الشرعية" ومليشيا الحوثي، في محاولة لبقاء هذه القوى في الجنوب لتحقيق أجندات خاصة.
في ظل هذا الواقع، تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي بعد تحرير عدن، ككيان سياسي منبثق عن الحراك الجنوبي، حامل لمشروع شعب الجنوب ومعبّر عن تطلعاته، حظي بشرعية شعبية واسعة، وساهم في توحيد الصف الجنوبي وتنظيم جهوده وقد أثبت المجلس أنه شريك فاعل وملتزم مع التحالف العربي، وقدم نموذجاً مستقراً في إدارة المناطق المحررة.
إن الجنوب اليوم، وبعد كل هذه التضحيات، لا يسعى فقط لاستعادة دولته، بل يطمح لأن يكون شريكاً استراتيجياً لدول الخليج، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، فالجنوب يمتلك ثروات طبيعية هائلة، وسواحل استراتيجية، وموانئ قادرة على أن تكون رافعة اقتصادية للمنطقة، وهو ما يجعله بيئة آمنة وجاذبة للاستثمارات الخليجية، ومكوناً أساسياً في ضمان أمن الملاحة الدولية، كما أن دعم دول الخليج لاستعادة الدولة الجنوبية بقيادة  لم يعد خياراً سياسياً فحسب، بل أصبح ضرورة أمنية واستراتيجية لضمان استقرار اليمن والمنطقة. فمع تراخي الشمال وعدم جديته في تحرير صنعاء، واستمرار سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، لا بد من المضي نحو دعم الجنوب سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، عبر استثمار العلاقات الخليجية مع الدول الفاعلة في مجلس الأمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لنقل قضية الجنوب إلى المحافل الدولية.
إن الدولة الجنوبية القادمة ستكون دولة قريبة من محيطها الخليجي في النظام والهوية، وستكون عامل استقرار حقيقي في المنطقة، لا مصدر تهديد ولقد آن الأوان لرد الاعتبار لشعب الجنوب، وتمكينه من بناء دولته المستقلة، كشريك موثوق، وجارٍ أصيل، وعمق استراتيجي حيوي لدول الخليج العربي.

اليمن.. التاريخ والحضارة والأصل والفصل


تعز تحتضن الموسم الثاني من مختبر الابتكار الاجتماعي في اليمن


في ختام أسبوعه الأول.. المخيم الطبي الثاني لجراحة حَوَل العين ينجز 150 عملية جراحية مجانية في المخاء


اليمنية تدشّن رحلة ثالثة إلى دبي وتُعلن عن وجهات جديدة للنصف الثاني من 2025