تقارير خاصة

ألفت الدبعي: حين تصير الحرية مشروعا سياسيا!

كتب/ فتحي ابو النصر

 

طبعا في بلد يتنفس البارود، وتُصادر فيه الحقيقة باسم الوطنية، وتُقمع الكلمة بوصفها جريمة، تبرز أسماء نادرة تُعيد تعريف الشجاعة، لا من خلال البندقية، بل من خلال الموقف.
 من بين تلك الأسماء، تلمع ألفت الدبعي لا بوصفها ناشطة، ولا بصفتها أكاديمية، بل كمشروع مقاومة ناعم في مواجهة خشونة الواقع، وكمثقف يزرع وردا في تربة مزروعة بالألغام.

بمعنى أدق حين تُذكر ألفت الدبعي، لا تُذكر كصوت نسوي أو كوجه إصلاحي، بل تُذكر كضمير تعز، وواحدة من القلائل الذين واجهوا السلطة والمعارضة، المؤسسة والانقلاب، السلاح والمساومة، بنفس الكلمة: لا. لا للخذلان، لا للتجريف، لا للركوع.
بل في زمن تطوي فيه الأحزاب انكساراتها تحت عباءة التحالفات، ويُدجن فيه المثقف ليصير بوقا أو موظفا، تجرأت الدكتورة ألفت على قول ما لا يُقال. 
نعم:
خرجت من عباءة حزبها، لا لتُهاجم، بل لتُذكر. قالت ببساطة موجعة: "لا أحد خدم الانقلاب كما خدمته مكونات الشرعية بتشرذمها وضعفها." 
ولقد كان ذلك إعلانا أخلاقيا لا سياسيا، لأن ألفت – ببساطة – لا تمتهن السياسة بوصفها حرفة، بل كمسؤولية.
هكذا أراها..
بمعنى أدق لم تنسحب لتصمت، بل لتُعيد صياغة السؤال الوطني الكبير: كيف يمكن لبلد يعيش الانهيار أن يُولد من جديد؟ والإجابة لديها لم تكن خطابا بل سلوكا. فكما سارت من تعز إلى صنعاء في "مسيرة الحياة" قبل سنوات، لم تتوقف عن السير في طريق مختلف: طريق المقاومة بالكلمة.
والصحيح أن الدبعي من تعز، لكن تعز ليست فقط مكان ولادتها، بل خلاصة تجربتها. مدينة لا تُهادن في وجه الحصار، ولا تساوم على حقها في الحياة، تماما كما لا تُساوم ألفت على موقفها وكرامتها.
وبالتأكيد هي ابنة المدينة التي تحولت بفعل الصراع إلى عنوان للوجع، لكنها رفضت أن تتحول هي إلى مجرد "ضحية"، وارتضت أن تكون "شاهدا" و"فاعلا" و"مُصرة على التغيير".
ففي شوارع تعز المحاصرة، وفي لجان فتح الطرق، كانت تحمل ملفا لا يحمل تهديدا، بل حلولا، وتطرح العدالة لا كسيف، بل كطوق نجاة.
والحق يقال أن تكون امرأة في اليمن، فذلك تحد يومي. وأن تكون امرأة سياسية، جريمة.
 أما أن تكون امرأة سياسية، مستقلة، ناقدة، ورافضة للمساومات، فذلك استدعاء دائم للخطر.
وللتذكير حصلت تهديداتٌ متكررة لحياتها، حملاتُ تشهير، تحريضٌ سافر من منصات قريبة من السلطة، وكل ذلك لأنها رفضت أن تنتمي للصمت، وقررت أن تكون "صوتا حرا". 
بل لم تطلب حماية، قدر ما طالبت بحماية القانون. ولم تبكِ الخوف، بل فضحته.
كما وفي كل مرة حاولوا إسكاتها، خرجت أقوى. لا لأنها تملك حصانة، بل لأنها مؤمنة بأن الخوف حين يتلبس المثقف، تتحول البلاد إلى مقبرة للحقيقة.
والشاهد أن انتماؤها لحزب الإصلاح لم يكن سرا، لكن الأهم أنها لم تكن يوما رهينة هذا الانتماء. وحين شعرت أن اللحظة الوطنية تتطلب قطيعة فكرية، انسحبت بهدوء، لا لتبحث عن بديل جاهز، بل لتدعو إلى تشكيل تيارات مدنية جديدة، تؤمن بالمواطنة لا بالمحاصصة، وترى في المجتمع مصدرا للشرعية، لا مجرد جمهور للتصفيق.
بمعنى آخر فإن ألفت لم تكن في يوم من الأيام نسخة من أحد. كانت دائما على مسافة واحدة من الجميع، قريبة من الحقيقة، بعيدة عن التبعية. ولهذا احترمها خصومها قبل أصدقائها، حتى أولئك الذين يختلفون معها أيديولوجيا يعترفون: إنها صادقة.
و:
من لجان الدستور، إلى طاولات الحوار الوطني، ومن مقترحات إعادة هيكلة الجيش، إلى مبادرات العدالة الانتقالية، طرحت الدبعي رؤى لا تُشبه عبارات السياسيين المستهلكة. 
فلم تكن تبحث عن "كرسي"، بل عن "كيان". ولم تسعَ لموقع، بل دافعت عن مشروع: الدولة. الدولة التي لا تقمع، ولا تميز، ولا تحتكر الحقيقة باسم الدين أو القبيلة أو الحزب.
ولأنها تعرف أن الجوع لا يسأل عن الانتماء، تحدثت عن كرامة الموظف في مناطق الحوثيين والمناطق المحررة كما لو كانت تتحدث عن نفسها. 
كذلك لم تخشَ الاتهام بـ"التحالف مع العدو"، لأنها لا تؤمن بالعداوات الجغرافية، بل بالعدالة التي لا تُجزأ.
صدقوني إن ألفت ليست قديسة، ولا تُقدم نفسها كضحية.  باحثة، مفكرة، سياسية، امرأة تعيش كل هذه التناقضات دون أن تسمح لها بابتلاع ذاتها. وهي لم تطلب من أحد أن يُصفق لها، بل أن يقف معها لا لأجلها، بل لأجل المعنى الذي تُجسده.
معنى الاختلاف من خلال الحدس الاجتماعي والسياسي النافذ.
أعني أنه في وطن تتهدد فيه الأصوات الحرة من قبل مؤسسات يُفترض بها أن تحميها، يصبح الدفاع عن ألفت ليس خيارا شخصيا، بل انحيازا للدولة، وللوطن، وللذات غير المنغلفة. 
فمن لا يحميها، لا يحمي تعز، ولا الثورة، ولا حتى الجمهورية التي يزعم الدفاع عنها.
كذلك فإن ألفت الدبعي ليست عنوانا لقصة نسوية، ولا بطلة في سردية حزبية. بل هي لحظة نادرة في الزمن اليمني، حين يتجسد الضمير في امرأة، وحين تتحول المعرفة إلى مقاومة، والكلمة إلى سلاح أشد وقعا من الرصاص. وبين من اختاروا الصمت، اختارت ألفت أن تتنفس حرية. 
ومن يتنفس حرية، يوقظ وطنا نائما على رماد الحروب.!
لكن لماذا أتذكر الفت محمد عبد الولي الدبعي الآن ، هل لأنها على صلة كبيرة بمؤسسة الرئاسة!؟
 الحق يقال إن الفت الدبعي، بشجاعتها الفكرية وصلابتها الأخلاقية، لم تكن بعيدة عن دوائر القرار، بل كانت على صلة واضحة بها، لا من باب التبعية، بل من موقع التأثير والمساءلة. 
وأرى أن علاقتها بالمؤسسة نابعة من إيمانها بمشروع الدولة الاتحادية، ومن إدراكها أن التغيير الحقيقي لا يتم من الخارج فقط، بل من قلب المؤسسة نفسها. لذلك، كان صوتها حاضرا في مطابخ القرار، ليس كصدى، بل كصوت مستقل، ناقد، وعاصف ، وملتزم بالحق، يعكس نبض تعز، وضمير اليمن المعاند بالضرورة.

 

محافظ لحج يتفقد سير العمل في مشروع المدينة الجامعية للذكاء الاصطناعي


أبطال "سماء عدن" و"النبراس" يتوجون أبطالًا للعالم في الدوري العالمي للحساب الذهني 2025


الحكومة اليمنية تحذر من محاولة الحوثيين عرض ممتلكات بنوك خاصة للبيع وتحذر من التعامل معها


حزب جبهة التحرير ينفي علاقته ببيان تكتل الاحزاب بمناسبة 22 مايو