متابعات دولية

#ترامب يقلب موازين التجارة العالمية

في خضم نظام تجاري دولي استقر لعقود على قواعد ثابتة، يمكن لقرار فردي أن يحدث زلزالاً يقلب موازين التجارة العالمية. هذا ما أبرزه فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية في كل اتجاه منذ توليه منصبه في 20 يناير الماضي.

على الرغم من أن النظام التجاري متعدد الأطراف بُني على مبادئ العدالة والمساواة بين الدول – حيث تلتزم جميع الدول بقواعد موحّدة وتنال كل دولة صوتاً متساوياً في منظمة التجارة العالمية – جاءت سياسات ترامب لتختبر متانة هذه المبادئ.

لقد وضعت هذه الخطوات أحادية الجانب العالم أمام تساؤل حرج مفاده: كيف يمكن لشخص أن يعيد تشكيل القواعد الدولية التي تحكم التعاون والتبادل التجاري، رغم أن تلك القواعد نتاج توافق دولي قائم على الإنصاف؟

نظام عالمي

بعد الحرب العالمية الثانية وعلى مدى عقود تبلورت منظومة التجارة الدولية في إطار اتفاقيات الجات GATT ثم إنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO) عام 1995، مرتكزة على مبادئ أساسية تهدف إلى منع تكرار حروب الرسوم الجمركية التي عمقت الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.

ومن أهم هذه المبادئ عدم التمييز بين الشركاء التجاريين عبر قاعدة (MFN) أو "الدولة الأَوْلى بالرعاية" التي تُلزم أي بلد يمنح معاملة تفضيلية لشريك تجاري أن يعممها على باقي الدول، وكذلك، مبدأ المعاملة بالمثل (reciprocity) الذي يشجّع على تبادل امتيازات متوازنة في المفاوضات التجارية.

نتيجة لهذه القواعد، تمكنت الدول الصغيرة والنامية من الانخراط في التجارة العالمية دون خوف من هيمنة الدول الكبرى أو تعرضها للاستغلال في المفاوضات، ليحقق بذلك النظام التجاري العالمي درجة من العدالة والتكافؤ فلم تعد المفاوضات التجارية مجرد لعبة قوة، بل عملية مؤسسية تخضع لقواعد متفق عليها تكبح استفراد الدول الأقوى بالمكاسب.

هذا الإطار المؤسسي عزز الاستقرار السياسي وربط مصالح الدول اقتصادياً تحت مظلة التعاون المتعدد الأطراف، ما جعل القرارات الأحادية التي تنحرف عن هذه القواعد أمراً نادراً ومستهجناً دولياً.

أميركا أولاً

منذ توليه سدة البيت الأبيض لولاية ثانية، أعلن الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم جمركية واسعة النطاق، منها ما تم تفعيله ومنها ما يبدأ مفعوله في 2 أبريل الجاري، والذي أطلق عليه اسم "يوم التحرير"، مستنداً في قراره إلى شعار "أمريكا أولاً" وادعاءاته بأن الولايات المتحدة في وضع تجاري خاسر مع بقية العالم.

قلب ترامب ظهر المجن للتقاليد التي التزمت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية، تلك الإدارات التي قادت بنفسها بناء النظام التجاري العالمي القائم على التعددية واحترام القواعد المشتركة.

لتأتي ردود الفعل سريعاً من أقرب الحلفاء التاريخيين، حيث وصفت المفوضية الأوروبية الخطوة الأمريكية بأنها إجراءات حمائية صارخة تخالف روح التعاون، مؤكدة أنها ستتصرف "بحزم" لحماية مصالحها. ومن المنافسين وعلى رأسهم الصين، التي كانت هدفاً رئيسياً لتصعيد ترامب التجاري في ولايته الأولى، حيث اعتبرت الرسوم الأمريكية انتهاكاً لقواعد منظمة التجارة العالمية وتدشيناً لأكبر «حرب تجارية في التاريخ الاقتصادي حتى الآن».

أبعاد

لم تكن خطوة فرض الرسوم الجمركية مجرد قضية أرقام ورسوم؛ بل حملت في طياتها أبعاداً إنسانية تمس حياة الملايين حول العالم، إذ يؤدي اندلاع حرب تجارية شاملة إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج، ما ينعكس مباشرة على المستهلكين والعمال.

بدأت بوادر تلك التداعيات بالظهور مبكراً، إذ أعلنت بعض الشركات المصنعة رفع أسعارها في السوق الأمريكية لتعويض الرسوم، وأعرب وكلاء السيارات عن خشيتهم من فقدان العمال وظائفهم إذا انخفضت المبيعات على نطاق أوسع.

ونبهت المؤسسات الدولية إلى المخاطر الاقتصادية العالمية لهذا النهج، فقد حذّر صندوق النقد الدولي من أن التوترات التجارية المتصاعدة ستؤدي إلى تراجع نمو الاقتصاد العالمي إلى أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية لعام 2008.

هذه النسبة الضخمة تعني انتكاسة تنموية خطيرة قد تطيح بجهود مكافحة الفقر في العالم النامي، ما يضفي بُعداً إنسانياً قاتماً على الحروب التجارية.

إنجازات إنسانية

تكشف هذه الأحداث بوضوح مدى تأثير القادة الأفراد على مسار النظام العالمي، فعلى الرغم من أن المؤسسات الدولية وُجدت لضبط تصرفات الدول ضمن إطار قانوني جامع، يبقى للقرار السياسي الفردي وزنٌ قد يطغى على تلك الضوابط.

إن حالة رسوم ترامب الجمركية توضح كيف يمكن لقائد واحد أن يعيد صياغة الأولويات ويبدّل الاتجاه الذي تسير فيه العلاقات الدولية.

فبقرار واحد، تحولت الولايات المتحدة من مهندس للنظام التجاري العادل إلى مشكك فيه، ومن حليف وثيق لشركائها إلى خصم تجاري لهم في نظر العديد، وقد اضطرت الدول الأخرى للتكيف بسرعة مع الواقع الجديد: فإما مواجهة التصعيد بالمثل – وبالتالي هدم جزء من مبادئ النظام التجاري – أو البحث عن مخارج وحلول لتطويق الأزمة، وفي كلا الحالين نجد أن الفرد وضع بصمته العميقة على هيكلية النظام المؤسسي.

يُذكّرنا هذا الواقع بنظريات في العلاقات الدولية حول دور الفرد في التاريخ، فبينما تفترض بعض المقاربات أن المؤسسات والقوانين قادرة على كبح جماح الأهواء الشخصية وصهر الدول في منظومة واحدة متماسكة، تأتي أحداث كهذه لتظهر أن الإرادة الفردية قد تتغلّب أحياناً على اعتبارات العمل الجماعي.

لقد بُنيت قواعد التجارة العالمية على افتراض حسن النية والتعاون، ووضعت إجراءات لحل النزاعات بشكل عادل للجميع، لكن إذا قرر أحد اللاعبين الكبار تجاهل تلك الروح الجماعية، فإن القدرة على فرض الالتزام تصبح محدودة.

وتكمن المفارقة ربما في أن هذه المؤسسات نفسها لا تملك آليات فعالة لمحاسبة دولة بحجم الولايات المتحدة، عندما تتصرف بمنأى عن القواعد، فمكانة هذه الدولة ونفوذها الاقتصادي يمنحان قرارات قائدها ثقلاً كبيراً يصعب موازنته.

هكذا استطاع ترامب أن يعيد تشكيل قواعد اللعبة الدولية بمفرده في بعض الجوانب، فارضاً على الآخرين إما القبول بالأمر الواقع وإما التفاوض وفق شروط جديدة يحددها هو، وقد رأينا بالفعل إعادة تفاوض اتفاقيات تجارية كاتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية.

كما أن مبدأ الحلول التفاوضية الجماعية تم استبداله في كثير من الأحيان بمنطق الصفقات الثنائية تحت الضغط.

قصة الرسوم الجمركية تثير سؤالاً حول إيمان العالم بأهمية الحفاظ على روح العدالة والتعاون التي دفعت البشرية قدماً منذ منتصف القرن العشرين، وربما يكون إرث هذه المرحلة المضطربة هو التأكيد على أهمية ألا تكون الإنجازات الإنسانية والسياسية التي تحققت عبر عقود عرضةً للانهيار بقرار فرد واحد.

#أيسلندا تعلن حالة التأهب خوفا من حدوث هذا الأمر


هيئة الإغاثة والأعمال الإنسانية بالمجلس الانتقالي الجنوبي تطلق حملة إنسانية لدعم هذه الفئات في لحج وعدن


خلال زيارته العيدية..الوكيل علوي النوبة يتفقد الجرحى والمقعدين بمنازلهم في عدن


ثاني عيد الفطر.. مبادرة "العبيدي" توزع وجبات غذائية وعيديات للأطفال المرضى بعدن بدعم من مبادرة "أم محمد"