تقارير خاصة

سالمين ما أحناش أخدام!!

عدن- إصلاح صالح

رأيتها في أحد الطرقات تمسك في يدها عصاها الخشبية، وتحمل في الأخرى أغراضًا توحي بأنها قد جلبت الطعام. كانت الخالة سعود عجوزًا في نحو السبعين من عمرها، لكنها يقظة وفائقة الحيوية. رافقتها إلى منزلها الذي تسكنه مع زوجها الذي أقعده المرض، بعد أن تخلى عنهما جميع أبنائهما، يكابدان شقاء الأرواح الطويل.
 وفي طريقنا بدأت تروي لي عن فئة المهمشين التي تعتبر أحد أفرادها، أو كما يطلق البعض عليهم (الأخدام) أو أصحاب البشرة السوداء في مدينة عدن: "كنا أول من سكن هذه المنطقة. كنت صغيرة. كثرت البيوت وزاد السكان لكن ما عندنا ملكيات ولا ترخيصات. ما أجت لنا أي لجان وما تابعنا وكل البيوت هنا عشوائية وبسيطة بسبب الظروف الصعبة. ما قدرنا نحسن من البناء. نعيش حالنا حال نفسنا وما نتدخل بحد".
 وصلنا أخيرًا بعد عناء طويل إلى منزل الخالة سعود. كان المشهد محزنًا ومؤسفًا. حياة بدائية تعيشها تلك الفئات. بدا عليهم الشعور بالظلم والتفرقة واليأس من الحياة. لمست ذلك في طريقة حديثهم. منازل خشبية وعشوائية، أطفال يلعبون ونساء وفتيات يجلسن في تلك الممرات الضيقة، يتبادلن أطراف الحديث هربًا من منازلهن بعد انقطاع التيار الكهربائي.
"الجبرتي"
تميزت فئة المهمشين (الأخدام) بلون بشرتهم السوداء، وبسكنهم في أحياء بعيدة وعدم اختلاطهم بعامة السكان. واختلفت الآراء حول البلدان التي نزحت منها هذه الفئات. يعتقد الكثيرون أن الأخدام من أصول يمنية من منطقة زبيد، بينما تذكر المصادر التاريخية أنهم بعض من بقايا الأحباش الذين غزوا اليمن سنة 525 م. وكلمة "الجبرتي" كان يستعملها العدنيون لوصف هذه الفئة، وهي كلمة مشتقة من الكلمة العربية جبر التي تعني: أصلح وأرضى وساعد وألزم، وكانت هذه الفئة تقوم بخدمة جليلة للمجتمع في نقل الفضلات الآدمية من المدن إلى أمكنة أخرى لدفنها، كان ذلك قبل وجود الصرف الصحي.
وقاد الحظ العاثر ماجد علي أحمد 38 عامًا، للعمل مع بلدية مدينة عدن كعامل نظافة، مقابل مرتب شهري لا يتجاوز التسعة آلاف ريال يمني. ظروف أسرته الاقتصادية حالت دون تعليمه وحصوله على شهادات تسهل حصوله على عمل آخر.
"أساعد والدي في صرفيات عائلتي إضافة إلى زوجتي وأولادي الأربعة، حتى ولو كان المبلغ بسيطا"، يفسر أحمد. رغم الظروف الصعبة، ما يؤثر حقا في أحمد هي "نظرة بعض الأشخاص لي ولعملي لتي تصيبني بالإحباط الموضوع مش بيدنا أننا خلقنا ضمن هذه الفئة. يكفي الظروف الصعبة والفقر وعدم وجود من ينصفنا"، يقول أحمد مفسّرًا حجم المعاناة التي تعيشها تلك الفئة.

الاندماج الاجتماعي
ما زال الذين عاصروا تلك الفترة في عدن يتذكرون صدى هتافات المهمشين الذين خرجوا يجوبون الشوارع ويرددون "سالمين قدام قدام سالمين ما أحناش أخدام"، حيث لم تعرف تلك الفئة الاندماج الاجتماعي التام وإلغاء التهميش في عدن إلا خلال فترة حكم الرئيس السابق، سالم ربيع علي (سالمين)، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والتي بدأت في 22 يونيو 1969م وانتهت في 26 يونيو 1978م. كان أول قرار أصدره هو إلغاء التخاطب بالألقاب. ولم يلغ سالمين التمايز الاجتماعي بأسلوب الحديد والنار، وإنما بقوانين أوجد لها رقابة فاعلة. وأتاح فرص الدراسة والتعليم للفئات المهمشة، وشجعها على الانخراط في مؤسسات الدولة بما فيها الأمن والجيش. وتخرج العديد من هذه الفئات من المدارس والجامعات في الدول الاشتراكية كالصين وكوبا وألمانيا الشرقية كمحامين ومهندسين وضباط في الجيش.
واقع مرير
واقع مرير تعيشه تلك الفئات المهمشة، التي تقع على عاتقها أعمال النظافة وتهيئة المناخات الصحية لمجتمع لا يلتفت إلى مأساتها المحصورة في مساكن، أقل ما توصف به بأنها ليست للاستخدام الآدمي. لا يمتنع المهمشون عن ممارسة أي مهنة لتأمين قوت يومهم، لكن ذلك لم يشفع لهم، بل تحولوا إلى أكثر الفئات اليمنية تهميشًا وفقرًا؛ فلا مساواة ولا اهتمام ولا حياة كريمة تحتويهم. وبعد أحداث الحرب الأخيرة نزحت تلك الفئات كغيرها من المواطنين إلى مناطق بعيدة عن المواجهات؛ فمنهم من سكن المدارس ومنهم من افترش الأرض، وقد عادوا اليوم إلى منازلهم البسيطة، مطالبين بمساواتهم في الحقوق.

حياة بدائية
وبرفقة نجلاء أكملت زيارة تلك التجمعات وانتقالنا من منطقة وحدة الشغيلة إلى منطقة كود الحشيش، مررنا بمسكن أول من قدم إلى هذه المنطقة ووقفنا فيه نصغي لصوت أم مروان وهي تقول: "كنا أول من قدم إلى هنا. كانت المنطقة لا يوجد فيها إلا نحن. كان ذلك قبل أربعين سنة. كنا نعيش على ضوء الفوانيس، إلى قبل فترة بسيطة أوصلوا لنا الكهرباء ولكن بشكل عشوائي، وكنا نجلب الماء من زريبة الأغنام. بعدها بدأ الناس يقدمون إلى هذه المنطقة، لكن جميع البيوت وإلى الآن عشوائية ولا يوجد معنا أي ملكيات. تزوجت إلى هذه المنطقة ولدي عشرة أولاد وجميعهم غير متعلمين لأن ظروفنا المادية لا تسمح لنا بتعليمهم خصوصًا بعد وفاة زوجي قبل فترة طويلة".
شاركتها بالحديث أم علي التي كانت تتحدث بمرارة الفقر والجوع الذي تتقاسمه مع أولادها الستة: "لا نريد من الدنيا شي. فقط يدخلوا أولادنا أشغال. تعبنا من هذه الحياة، لا نستطيع توفير قوت يومنا إلا بعناء، بناتنا يعملن شغالات في البيوت، نبيع خضروات وأطعمة أخرى، ندور على رزقنا، فواتير المياه تتراكم، الكهرباء عشوائية، خرجت ابني من صف ثاني بسبب الفقر والمتطلبات التي لا قدرة لنا على توفيرها. صحيح إن منازلنا عشوائية وبغير ملكيات إلا أننا لا نستطيع القيام بأي شي يحسن من ذلك".

أطفال في زوايا النسيان
وبين تلك المساكن العشوائية كان جميع الأطفال يركضون ويلعبون، إلا فاطمة ذات العشرة أعوام ونجوى ذات التسعة أعوام، جلستا تستمعان إلى حديثنا بإنصات، نظرت فاطمة وهي تقول: "أشتي أتعلم"، والحزن والانكسار في عينيها. شاركتها نجوى الحلم بصوت منخفض تخنقه العبرات قائلة: "وأني كمان أشتي أتعلم". فاطمة ونجوى طفلتان حرمتهما الظروف من الحصول على أبسط حقوقهما. هما تحلمان بالتعليم، وبحياة آمنة وتغذية صحية، وقليل من الاهتمام فقط. فهل من يسمع ويستجيب؟

نظرة دونية
يُفسّر أستاذ علم الاجتماع في جامعة عدن ورئيس مركز مدار للدراسات والبحوث البروفسور د. فضل الربيعي، أسباب النظرة الدونية تجاه الفئات المهمشة وكثير من المهن وشاغليها "إن البنى التقليدية أي التراكب الفئوي الاجتماعي قائم وراسخ في بنيان المجتمع، وهذا أخذ مسار تاريخي طويل تجاه هذه الفئة حتى أحس المهمشون أنفسهم بالنقص تجاه الآخرين الأمر الذي انعكس في سلوكهم وممارستهم العامة سواء مع بعضهم أو تجاه الآخرين، إضافة إلى بقاء المجتمع في حالة من التخلف الفكري والاجتماعي والنفسي العالق في سيكولوجية البشر وفي ذهنية الناس، أيضًا النظرة الدونية أحيانًا من أسبابها بنية المجتمع أو مؤسساته التي لم تستطيع أن تخلق رؤى ومواقف وثقافة تُغيّر من وجهة نظر المجتمع تجاه هؤلاء" 
يقول الربيعي: "هناك عامل ساعد مؤخرًا في تجاوز تلك النظرة الدونية للمهمشين أو للمهن التي ينظر لها الناس بدونية وهو المؤشر الاقتصادي خصوصًا مع تفاقم أزمة البطالة، حيث تعود تلك المهن أحيانًا بفوائد ومكاسب مالية وأصبح الوضع الاقتصادي لهم متميز، الأمر الذي أدّى إلى تراجع المجتمعات المدنية والريفية عن هذه النظرة لهذه المهن ولجأ كثير منهم إلى امتهانها ما ولّد لديهم شعور المساواة مع الآخرين".

عاجل.. أمن عدن يكشف تفاصيل حادثة طعن مواطن بالمنصورة من قبل مالك ملحمة


وكيل تعز يشارك في حفل التكريم السنوي لعمال مجموعة شركات أحمد عبد الله الشيباني بمناسبة يوم العمال العالمي


المحكمة العليا تقر الحكم بإعدام قاتل الطفلة حنين البكري


العليمي يكرم شهداء وجرحى القوات المسلحة والأمن وعددا من القادة المناضلين" صور"