بلقيس
«نشرن صورهن فتنمروا عليهن» قصص ونصائح من يمنيات
بالرغم من وجود حرب، وصراع مستمر بلا توقف، إلا أن ذلك لم يشغل المجتمع اليمني، عن أن يصبح هو نفسه الموضوع الأساس بالنسبة له، بل مازال البعض يذهب نحو مواضيع هنا وهناك، يخلق رفضاً تجاه المرأة، قد تجاوزته المجتمعات، بل كان قد تجاوزه اليمن نفسه في الماضي، من خلال الصور المنشورة عن جيل الثمانينات التي تبدو فيها الأمور أقل تعقيداً، والمجتمع أكثر قبولاً.
مع انتشار مواقع التواصل الإجتماعي، وبالرغم من التقبل الذي صنعته، إلا أن هناك من لازال يرفض صورة المرأة المنشورة على تلك المنصات، هنا مقابلات مع أربع نساء، لكل واحدة منهن، قصة مختلفة، عاشتها على مواقع التواصل، وأصبحت “ترند” فيه؛ بين مؤيد، ومعارض، بسبب نشر صورتها الشخصية، وهذا التدخل في الحرية الشخصية، يوحي بأن التعامل مع النساء بطريقة غير جيدة لايزال مستمراً.
قصة أمل
في يوم ما، نشرت المذيعة التلفزيونية، أمل علي، صورة لها، أثناء زيارتها لأحد المساجد، واجهت فيها عدداً كبيراً من المعترضين على ملابسها، ليتم تداولها بشكل كبير على مواقع التواصل.
عن الهدف من نشر الصورة تقول لمنصتي 30 إنها لم تتقصد أبداً، وأن الصورة التقطتها بعفوية أثناء زيارة لأحد المساجد التاريخية في تركيا، ضمن برنامج سياحي نظمه بيت الإعلاميين العرب في تركيا، وعن ردة الفعل، تقول: “لم أتوقع ذلك مطلقاً، نشرت الصورة، وخلدت للنوم، لأتفاجأ اليوم التالي بردة فعل كبيرة وغير منطقية، لقد وجدتُ مواقع التواصل مقلوبة على رأسي، لدرجة لم أعرف ماذا أقول، وكيف أرد؟ وبالأخير تجاهلت الأمر حتى انتهى”.
وفي مجتمع يغلب عليه طابع الانغلاق كاليمن، تؤكد أمل أن نشر المرأة لصور شخصية يعتبر رسالة، وتضيف: “الرسالة أن هذا الشيء حق من حقوقي البسيطة، والطبيعية، ويأتي في إطار حريتي الشخصية التي لا تمس، ولا تضر بأحد، سوى بعادات بالية نسعى لتصحيحها، وتجاوز القيود الذكورية التي قيدت المرأة اليمنية، والعربية لعقود، وهي بالأصل دخيلة، لأن القاعدة أن المجتمع العربي، واليمني خاصة أول من أعطى المرأة قيمة، وشأن كبير، وصلت لتتويجها كملكة في أزهى عصور التاريخ اليمني”.
وعن ردود الأفعال تلك، الإعلامية أمل علي، تقول: “للأسف الأكثر كانت سلبية، واخترت التجاهل والصمت مع ما حدث، كما أن نفسيتي تأثرت، لأن الأمر وصل للقذف، والشتم، والإساءات البالغة، التي طالتني، أنا وعائلتي بشكل مقرف جداً” وتواصل حديثها، عن دافع المجتمع بالتدخل في خصوصيات الآخرين، قائلة: “الفراغ، والكبت النفسي مع الأسف هو السبب، نحن نتحدث عن شعب محروم من أدنى مقومات الحياة الطبيعية، وحرفياً يعيش داخل مواقع التواصل، ويقضي فيها ساعات طويلة، بالإضافة إلى أن ذلك نتاج طبيعي لسنوات من الجهل، وغياب الدولة”.
بسبب هذه المواقف، هناك من تشعر بالرهاب، وتتحفظ عن نشر صورتها، فيما يخص ذلك، تنصح أمل بعدم الخضوع لذلك الترهيب، مضيفة: “أنسب طريقة للتخلص من ذلك، هو بمجابهته، وعدم الاكتراث له، والاستمرار بممارسة حرياتنا الشخصية مادامت لا تضر أحداً، وأتذكر كيف كان الوضع قبل 2011، وكيف لم تكن تجرؤ أي فتاة حتى على نشر صورة لها، الوضع تغير الأن، وهذا الترهيب الحاصل اليوم، سينتهي غداً، آمل ذلك”.
قصة آية
في منتصف عام 2020، نشرت الصحافية آية خالد مجموعة صور لها مع خطيبها، وبالرغم أن ذلك سلوك عفوي، وطبيعي كما تقول، وحرية شخصية قامت بها عبر صفحتها الشخصية، إلا أنها لم تمر دون أن تصبح ترند، ليتداولها الكثير منقسمين؛ بين المؤيد، والناقد، وعن نشر الصور بشكل عام، تضيف آية لمنصتي ٣٠: “نشر الصورة ليس رسالة، بقدر ما هو بداية وعي، وأقارن بين نشر صوري قبل عشرة أعوام، والأن، كانت الناس أنذاك تتعامل بغرابة نسبية، وتراه سلوك جديد، وغير مقبول، لكن، مع الوقت، أصبح الكثير من الفتيات ينشرن صورهن بأنماط مختلفة، وهذا صنع تقبل نوعاً ما، لكن، لازال هناك تعليقات بذيئة، وحملات تنمر، حتى لو كانت الصور بكامل الحشمة التي يتحدثون عنها”.
وعن الانتقاد الذي تعرضت له بسبب تلك الصور، والذي واجهه الكثير من الداعمين، تقول إن الردود الإيجابية كانت أكثر، وبوسائل متنوعة، وتضيف عن طريقة تعاملها مع الردود السلبية: “لم أعِرها أي اهتمام، فهي كلمات قاصرة لا تقدم، ولا تؤخر، ونفسياً: هي دافع لك للاستمرار، خاصة إذا كنت شخصية ناجحة، ومؤثرة، لكن، ما يحز بالنفس هو التعاطي السيء، وتوظيف تلك الصور بمقامات سلبية، مع ألفاظ دنيئة تمثل من يشنون الحملات، والمتنمرين“.
آية خالد، أيضاً، تحدثت عن هذا السلوك الذي يقوم به البعض بشكل عام سواءً في تلك الحملة، أو غيرها، وفيما إذا كان سلوك طبيعي تقول: “أستغرب كثيراً للهجوم الذي أتعرض له أحياناً لمجرد نشر صورة، لكن، في الأخير هذه وجهات نظر تخصهم؛ وهو مرض منتشر ويحتاج للعلاج” وتضيف أن الغرابة من أولئك، هو أن الكثير منهم ينتقد على العام، بينما يرسلون على الخاص رسائل تحرش.
برسالة لكل النساء، تختتم آية خالد، حديثها لمنصتي ٣٠، قائلة: “أنت كفتاة، بإمكانك فعل ما يروق لك، ما دام لا يضر أحد، ووحدك، من تضعين حدوداً لذاتك، وكلام الناس لن يتوقف، فكوني على ثقة كاملة بنفسك، فهناك شخصيات بسيطة على مواقع التواصل، أصبحت مصدر إلهام، وقدوة لغيرها”
قصة هنادي
في أواخر العالم 2020، نشرت الصحافية هنادي أنعم، صور لإعلان خطوبتها على صفحتها الشخصية، لكن، التفاعل حول الصورة بقي لأيام بلا توقف، بالإيجابية، والسلبية، تقول هنادي إن تلك التعليقات السلبية امتدت للحياة الواقعية، وبقي كل من يشاهدها، يشير إليها بالقول: (هذه التي تنشر صورها بالفيس بوك)، كما اعتبر المجتمع تلك الطريقة في الإحتفاء جديدة عليه، وتضيف: “ببساطة وجدنا تلك الطريقة هي المناسبة، وهي عبارة عن جلسة تصوير عادية، وأحببنا مشاركتها مع الأهل، والأصدقاء على حائطنا، وكنت أتوقع ردوداً سلبية، لكن ليس بتلك الصورة”.
تضيف هنادي أن دافع تلك التدخلات بخصوصيات الآخرين بسبب أن المجتمع تحكمه العادات والتقاليد، أكثر مما يحكمه المنطق، وتضيف: “بالرغم من أن هناك أيضاً تفاعل إيجابي، لكن التفاعل السلبي، في الفيس، وفي الواقع، وكأنني مدانة بتهمة، كان مزعجاً جداً” وتتابع هنادي بأنها “تجاوزت تلك القصة لأنها لم تنشر صورها بشكل عشوائي، بقدر ما هي واثقة بما تفعل”.
لمنصتي 30، تواصل هنادي أنعم حديثها بالقول إن نشر الصور أمر شخصي، ولا يتحدد بردود فعل الآخرين، وإنها تعرف الحدود، والأدب، والأعراف في البلد، ولا تعير للردود تلك أي اهتمام، وتضيف: “المرأة نصف المجتمع، لكن البعض في اليمن لا يريدون لها وزناً، نتجرع السنة السابعة للحرب التي كانت نتيجة أخطاء السياسيين الطامعين في السلطة من جماعات دينية ومتطرفة، بينما المرأة بريئة من كل الدماء التي سقطت” وتختتم حديثها بأن على المرأة أن تكون قوية، وستتغلب على العادات والتقاليد التي تجعلها من دون وزن.
قصة فاطمة
قبل فترة قصيرة، وعلى صفحتها الشخصية، نشرت الفنانة فاطمة مثنى صورة لها، مع إخوتها، وأصبح هذا الموضوع هو الأكثر تداولاً آنذاك، في انتهاك صارخ ضد خصوصيتها، بانتقاله إلى قضية رأي عام. عن ذلك تقول أنها كانت صورة عادية جداً، وتضيف: “كانت صورة تجمعني بإخوتي، وأي صورة لي مع إخوتي، أو زوجي أنزلها في حسابي الشخصي لا يكون الغرض منها سوى نشر ثقافة الحب، والفخر باعتزاز الإخوة بأختهم، والزوج بزوجته”، وتختتم أن تلك رسالة قوية، لمنح المرأة شعوراً أقوى بوجود أسرتها، وزرع ثقافة الثقة بالنفس، وثقة الأسرة بالمرأة.
وعن ردود الأفعال حول تلك الصورة تقول فاطمة مثنى أنها لم تكن متوقعة على الإطلاق، وعن أثرها، تضيف: “كانت هناك ردود سلبية، لكنني أثق جداً في نفسي، ولا ألتفت سوى للشيء الإيجابي، والذي تلقيت فيه رسائل كان لها صدى أكبر في قلبي”لكنها تختتم حديثها بأن التأثير البسيط فقط من ردة الفعل السلبية التي كانت من أناس تحبهم، وبمرور الوقت، تجاوزتها، كأن شيئاً لم يكن”.
وعن وعي المجتمع بالتعامل مع هذه الصور الشخصية، تصف فاطمة هذا التصرفات بالفوضى، والعشوائية، مضيفة: “نحتاج لوعي مجتمعي، وأخلاقي، وكيف نعرف التعامل مع الآخرين، وأن نعطي أولوية للترندات في المواضيع الهامة، والتي تمس قضايا المواطنين، والشعوب”.
وتختتم حديثها فاطمة مثنى، لمنصتي ٣٠، قائلة: “كوني امرأة قوية، حتى تستطيعي البقاء على هذه الأرض، فالجهلة والفوضى يلتهمون أي ضعيف، ولكل رجل؛ كن سند لزوجتك، وأختك، وافتخر بها، وامنحها الثقة، ولن تخيبك على الإطلاق، فكلما حصلت على الثقة، ستعمل، وتنجح لتثبت لك، وللجميع أنها على قد المسؤولية”.
هذه مجرد نماذج للكثير من القصص، التي تحدث باستمرار للنساء على مواقع التواصل الإجتماعي، بسبب نشر صور لهن فقط، مجرد صور شخصية اعتيادية، وهي مشكلة لا تؤرق سوى اليمنيات، فيما قد تجاوزته غالبية المجتمعات، ولم يعد النقاش يدور هناك حول حق المرأة في نشر صورتها، من عدمه، بل تجاوزه إلى المطالبة بحقوق أوسع من ذلك.
منصتي 30