بلقيس
زواج الشِغار في اليمن.. طريق النساء إلى الهاوية!
"كنت كلما ذهبت إلى والدي شاكية له سوء حالي مع زوجي، أعادني إليه حفاظًا على زواج أخي الذي أصبحت زوجته حاملًا "، بهذه العبارات، بدأت تحكي لنا آية، 18 عامًا، عن مأساتها مع والدها الذي أجبرها على الزواج من ابن عمها مقابل أن يتزوج أخاها من شقيقة زوجها؛ فيما يُعرف في اليمن بزواج البدل (الشِغار).
وتضيف لـ "هودج": "تأزمت كثيرًا لحظة أخبرني والدي أنّه تم الاتفاق مع عمي، وتحديد يوم الزفاف، أخبرته أنني لا أرغب بالزواج بهذه الطريقة، لكنه لم يتح لي فرصة للحديث أو الرفض، عندها أغلقت الغرفة على نفسي، وبدأت أفكر بالانتحار".
مقايضة
مرت آية بظروف نفسية صعبة منذ قرر والدها مقايضتها مقابل أن يحصل ابنه على زوجة دون دفع مهر، تقول: "بقيت في الغرفة لثلاثة أيام، أفكر في أن أتناول "السم"، أو أي طريقة للخلاص من هذا الزواج".
تزوجت آية، لكنها ظلّت تشعر زوجها بعدم رغبتها به، كما تقول؛ فبدأ بضربها، وزادت الخلافات، حتى طلقها بعد عام من زواجهم، ليطلق أخاها زوجته أيضًا، وتضيف: "حين تطلقت، ظننت أنّ مشاكلي قد انتهت، لكنها في الحقيقة ازدادت أكثر، وبدأت عائلتي تعاملني بقسوة، وترمي بكل اللَّوم عليّ لفشل زواج أخي؛ ما جعلني أفكر بالانتحار من جديد".
وتعيش آية في إحدى قرى محافظة إب، وسط اليمن، حيث يكثر زواج البدل في عائلتها والمنطقة التي تسكنها، بحسب آية، وتتلخص فكرة زواج البدل في أن يزوج رجل وليته (ابنته أو أخته) لرجل ما، على أن يزوجه الآخر وليته بدون صَداق أو مهر.
فاطمة (اسم مستعار)، 25 عامًا، امرأة أخرى عانت كثيرًا من زواج الشغار، وتصف وضعها قائلة: "لا يعلم بحالي إلا الله!".
مصلحة ضيقة
ويعد هذا النوع من الزواج محرمًا في الشريعة الإسلامية، بحسب أنور مسيعيد، الحاصل على دكتوراه في الحديث والعقيدة، ويقول في حديث خاص لـ "هودج": "زواج الشغار حرام في الإسلام؛ حيث يتعارض مع النصوص الدينية لبخاري ومسلم، إلا أنّ هذا الزواج لا يزال حاضرًا بقوة، خصوصًا في الأرياف".
"الزواج مؤسسة اجتماعية قائمة على التوافق والتراضي بين طرفين، ويهدف إلى الاستقرار، والسكينة، وبناء أسرة، أما زواج الشغار فهو زواج قائم على مصلحة ضيقة، إما من جانب اقتصادي؛ بحيث يتخلص الولي من عبء دفع المهر؛ فيتم مقايضة الفتاة بأخرى، أو جانب اجتماعي يتلخص في الرغبة الملحة في توطيد العلاقة بين أسرة وأسرة أخرى، أو كونه عادات وتقاليد تم الاعتياد عليها"، بحسب الأخصائية الاجتماعية، أريج الحسني.
وتشير الحسني، وهي مدربة في النظام الوطني لإدارة الحالة، بأنّ أبرز أسباب زواج البدل الجهل، وعدم المعرفة بالحقوق، سواء من الرجل أو المرأة، والحالة الاقتصادية المتردية، مؤكدة على ضرورة التنبه لخطورة هذا الزواج؛ كونه، في الغالب، زواج فاشل يسبب التفكك الأسري، ويؤدي إلى انتشار الكراهية والبغضاء في حال تم الإجبار على الطلاق الذي بدوره يُوجِد أطفالًا منفصلين عن ذويهم.
المحامية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، تؤكد أنّ أضرار زواج الشغار لا تقتصر على فقدان المرأة المهر الذي يُعتبر حق لها في القانون، تتصرف به كيفما تشاء، إنّما يتعدى ذلك إلى إلحاق الضرر النفسي بها من خلال إجبارها على الزواج ممن لا ترغب به، في محاولة من الولي لتقديم مصلحته على مصلحتها.
رئيسة الدائرة الصحية والاجتماعية باتحاد نساء اليمن، ضياء فضل، تقول لـ "هودج": "إكراه الفتيات على الزواج جريمة، أما زواج البدل فهو جريمة أكبر بكثير؛ لأنّه يسلب حق المرأة في الموافقة أو الرفض، وكذلك يربط مصيرها بمصير عائلة أخرى".
قلق مستمر
وأوضحت فضل أنّ أغلب النساء اللاتي تزوجنّ عن طريق الشغار أكدنّ لها أنّ القلق المستمر كان يُسيطر على حياتهنّ، وتتابع: "حتى إن نجح طرف من طرفي هذا الزواج، يبقى الخوف من فشل الزواج الأخر عائقًا يمنع النساء، في الغالب، من الوصول إلى الاستقرار الأسري؛ وهذا يؤثر على العائلة ككل، إلا أنّ المرأة تكون أكثر عرضة للاكتئاب والقلق؛ خوفًا من مفارقة أطفالها إذا ما فشل زواجها، وهناك بعض الحالات التي وصلتنا بدت عليها أعراض الاكتئاب الحاد، أو العدوانية الشديدة، أو الهستيريا في بعض الحالات".
وتشير فضل إلى أن الوعي بأهمية الصحة النفسية لا يزال غائبًا عن المجتمع اليمني، وأنّ "بعض الأهالي يفضلون الذهاب إلى "المشعوذين" بدلًا عن العيادات النفسية؛ وذلك خوفًا من الوصمة الاجتماعية، كما أنّ بعض الآباء لا يتفهمون أنّ الفتاة بحاجة لعلاج نفسي طويل الأمد، قد يستمر لعام موزع ما بين جلسات علاج نفسي، وعقاقير مخصصة، ويرفضون تقبل حالتها النفسية، واحتواءها، والاعتراف أمامها بأنّهم كانوا السبب فيما وصلت إليه من اضطراب نفسي؛ فيحبسونها في المنزل، والعنف، بكل تأكيد، سيخلق مزيدًا من العنف!".
وهو ما تؤكده الاختصاصية النفسية، زينب الأسدي، بقولها: "زواج البدل أحد أسوأ أشكال العنف ضد النساء، وله آثار نفسية سيئة تصيب المرأة على المدى القصير أو الطويل"، موضحة بأن التعامل مع الحالة المرضية يختلف من أسرة إلى أخرى؛ فمنها من تعنف المرأة أكثر بعد طلاقها، ومنها من تحتويها، والكثير من الأسر تجهل أهمية الصحة النفسية، ولا تبدأ بعلاج فتياتها إلا عندما تبدو عليهنّ أعراض الجنون".
بدورها، تتحدث مدربة الدعم النفسي، ليلى خليل، لـ "هودج"، عن المخاطر النفسية لزواج الشغار، خصوصًا على النساء، موجهة رسالة لأولياء الأمور.
تتعدد مخاطر زواج الشغار ليس على المرأة فقط، إنما على الأسرة والأطفال ككل، لكنّ الأعراض النفسية، التي تصاحب النساء منذ البداية، وحتى انتهاء الزواج، تبقى الجزء الأكثر قسوة وتجاهلًا من قبل الأهل والمجتمع، وحتى المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان.
نشرت هذه المادة في منصة هودج على الرابط التالي: