بلقيس
حقوق المرأة تبطلها أسطوانة المؤامرة
“تختلف كل الأطراف السياسية والدينية، ولكنهم ينسون خلافاتهم ويتفقون عندما يتعلق الأمر بقضايا المرأة” هكذا تقول الصحفية وداد البدوي رئيسة مركز الإعلام CMC معلّقة على تحديات المناصرين لقضايا المرأة.
توضح البدوي بأنه عندما أصدرت جماعة الحوثي قرارا بمنع المرأة السفر بدون محرم، اتفقت معه جميع الأطراف وقالوا: “لأول مره الحوثي يتخذ قرار سليم للحفاظ على المرأة”.
# بدون محرم هشتاق تبنته البدوي ردّا على ما لاقته أثناء رحلة سفرها لمصر وسرعة سريان قرار منع السفر بدون محرم في بقية المحافظات. فوجئت حينها بمنع الفندق المبيت بدون محرم، رغم ان القرار لم يكن موجودا من قبل، لكنها أصيبت بالرعب من كمية الهجوم البشع وردود الفعل السيئة وكمية الألفاظ الخارجة من مجتمع محافظ على مواقع التواصل الاجتماعي تجاه الهاشتاق المذكور.
تقول البدوي : تتتفاوت ردود الفعل حول مناصرة قضايا المرأة لفئات متعددة، فيزداد حدة الهجوم والقمع من الأحزاب السياسية عندما يتعلق الأمر بمشاركة المرأة السياسية وعملية بناء السلام، بسبب القلق من حضور المرأة الذي سيكون أكثر قربا للسلام، مستخدمين وسائل التشكيك واصابع الاتهام بنوايا المرأة بالعمل مع المنظمات الغربية.
اما الأحزاب الدينية فتنتهج محورة الأمور وحصر المرأة في مسألة الشرف والأخلاق ومهاجمة ملبسها بعيدا عن القضية الرئيسة، وتبقى الفئة الأقل خطرا عن سابقتها فئة الناس التي لا تثق بالنساء وتستخف بقدراتهن نتيجة قلة الوعي والجهل.
واختتمت البدوي حديثها بأنه عادة عندما يشنون الهجوم، يوظّف كل ما يتعلق بالدين من أجل إعطاء أنفسهم الحق بدون خوف من المجتمع، ويستخدمون مبررات انتهاك ومخالفة المرأة للعادات والدين، من أجل تحييد المجتمع إن لم يكن من أجل دفعه ضدها وقمع قضاياها.
تقول سارة محمد (25 عاما) (اسم مستعار): إنها تخشى الإدلاء بآرائها حول حقوق المرأة، حتى لا تتعرض لمضايقة المجتمع والاتهامات الباطلة التي تلحظها ضد كل من يناصر المرأة، وترى أن مسلسل العنف والقمع لقضايا النساء سيظل مستمرا طالما أن أصحاب القمع في مأمن من العقاب وحماية العادات والتقاليد التي تصوغ لهم القوانين النافذة لا القوانين المكتوبة مجرد حبر على ورق.
العنف بالأرقام
يكشف تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2021م عن حجم معاناة النساء والفتيات بشكل أو بآخر من العنف والفقر وحرمان الحقوق الأساسية حتى قبل النزاع. وحاليا، زادت فرص تعرضهن لذلك، لا سيما في ظل الحجر المنزلي الذي تسبب به كوفيد-19 وأدّى لتزايد صور العنف، وتشير التقديرات إلى أن (15،8) مليون من النساء بحاجة للحماية، وأن (1,6) مليون من النساء والفتيات المستهدفات عرضة للعنف.
هذا الكم من المعاناة يدفع كثيرا من الصحفيين والناشطين والنساء لمناصرة قضايا المرأة بهدف توعيتها، ولكن هذا الأمر ينتج عنه كثير من التحديات وردود الفعل السلبية التي تتمثل في صور القمع المختلفة الحبيسة بين خانات أسطوانة المؤامرة الغربية بدلا من التوعية.
حقوق المرأة ونظرية المؤامرة
يستنكر الناشط أنور دَهَاقْ معارضة بعض النساء لحقوقهن، وهو ما لمسه من تجربة تحقيقه الأخير حول حق المرأة في منحها جواز سفر بدون موافقة ولي الأمر، لينصدم بكمية النساء المعارضات لهذا الحق، وخلط هذا الحق بأمر الدين من دون أدني نقاش أو حتى قراءة كاملة للموضوع، ناهيك عن فئة مجتمع الرجل الذي يرجع كل الحقوق تحت خانة “نظرية المؤامرة الغربية” على العادات والتقاليد والدين رغم أن الحقوق التي تُناصر لا تتنافى مع مبادئ الشريعة والعادات المجتمعية.
يتعرض دَهَاقْ بين الحين والآخر للسب والقذف، ويتعرّض أحيانا للتكفير والإخراج من الملة، وكل هذا بسبب مناصرته لقضايا المرأة. كل هذه المضايقات كادت تُثنيه في بادئ الأمر عن الخوض حول هذه القضايا، لكن إيمانه بأحقية المرأة جعله يستمر في مناصرتها متجاوزا كل التحديات.
دوافع قمع حقوق المرأة
تكشف الدكتورة سهير عاطف المستشارة الدولية في النوع الاجتماعي والتنمية لمنصة “……” أن الدوافع لقمع المناصرين لحقوق المرأة تعود إلى العادات والتقاليد المجتمعية والتنشئة والصورة النمطية المكرسة للنظرة القاصرة للمرأة، ناهيك عن مضمون المناهج الدراسية التي ينشأ عليها الأجيال بتكريس دور المرأة في أعمال المنزل ولا تُظهرها بأدوار قيادية، مثل الملكة بلقيس والملكة أروى.
وبمشاركة المرأة الاقتصادية وخروجها لسوق العمل أثبتت عدم خروجها عن المبادئ الاستراتيجية للمجتمع حتى أصبحت عائلا لا معيلا .
أشارت عاطف إلى أن قلة الوعي والثقافة أحد الأسباب الداعية للقمع ، وارجعت ذلك إلى قصور دور الإعلام في التوعية وقصر دور أئمة المساجد في التوعية لأن مجتمعنا متأثر بالدين.
وذكرت بشأن ما يترتب على الآثار النفسية للمناصرين جراء القمع، فإن ذلك سيؤثر عليهم، لكن لن يعدلهم عن المناصرة لقضايا المرأة إذا كانوا مؤمنين بها.
من جانبها، علّقت رئيسة القمة النسوية اليمنية مها عوض بأن التحديات التي تواجهها المنصات والمنظمات المناصرة للمرأة تكمن في ضعف التجاوب والتفاعل من السلطات والجهات الرسمية الحكومية والقضاء تجاه قضايا المرأة ومناصرتها، ناهيك عن تصاعد الخطاب الديني المتطرف والأخطر لمناهضة جهود المنظمات والمنصات المناصرة لقضايا المرأة والحد من العنف الموجه ضدها من جهة وفي استخدام وسائله للتأثير على تعبئة المجتمع.
تضيف عوض بأن استمرار حالة الحرب والصراع ضاعفت من ارتكاب الانتهاكات ضد حقوق المرأة، خصوصا ما أنتجته من توفير بيئة غير آمنة لحقوق المرأة ولجهود المناصرة، لا سيما في تضييق الحيز المدني وفرض القيود على عمل المنظمات، بالإضافة لضعف دور المنظمات الدولية بتقديم الدعم اللازم الفني والمادي.
ولفتت عوض إلى جملة من الحلول تلخّصت بضرورة مواصلة الجهود وتطوير مناهج العمل الحقوقي، ووسائل وطرق المناصرة، ، بالإضافة للتشبيك بين المنظمات والمنصات في توحيد جهود المناصرة ، والتركيز في مجال الحماية و رصد وتوثيق الممارسات والانتقادات.
غياب الحماية القانونية للمرأة
“هناك نص عام في قانون الجرائم والعقوبات لجريمة السب والقذف تتخلّله كثير من الفجوات تمكّن للمنتهك التنصل عن فعله ” هدى الصراري رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات معلقة حول دور القانون في حماية المرأة من الإساءة للابتزاز الإلكتروني.
شكل غياب مؤسسات رسمية تلاحق المنتهكين أو تستلم بلاغات وتتابعها عزوف النساء عن رفع شكاوى في ظلّ غياب الدولة وتعطل أجهزة إنفاذ القانون، ناهيك عن أنه لا يؤخذ بها إلا إذا نتج عنها جرم بين أو أثر بالغ . كما تقول الصراري .
أسهمت الحركة النسوية ومنظمات المجتمع المدني العاملة بمجال المرأة برفع توصيات لمجلس الوزراء ومجلس النواب قبل الصراع بمشروع قانون يجرّم العنف ضد النساء، بالإضافة إلى تعديلات بعض النصوص القانونية في القوانين الوضعية لصالح المرأة، لكن للأسف كل هذه الجهود توقّفت وجمدت خلال سنوات الحرب.
يجدر الإشارة إلى أن اليمن قد وقّعت على اتفاقية القضاء على أشكال العنف ضد المرأة “السيداو”، وهذا يلزمها بمواءمتها بتشريعاتها الوطنية في الدستور والقوانين وتفعيلها خلال التقاضي، لكن حتى اللحظة تخلّ اليمن بالتزاماتها الدولية تجاه المرأة، وهذا واضح وجلي من تقارير المنظمات الدولية عن حالة حقوق الإنسان للمرأة في اليمن، وتوصلت له تقارير الظلّ لمنظمات المجتمع المدني الذي نوقش مؤخرا أمام لجنة “السيداو” في مجلس حقوق الإنسان.
وكشف تقرير الظل عن حملات تشهير وتشويه ممنهجة تتعرض لها الحزبيات والإعلاميات وناشطات المجتمع المدني باستخدام الجيوش الإلكترونية، وما يعترض حياة البعض منهن إلى خطر الموت بالسلاح والتهجير من المنازل.
ورصد التقرير قرابة 80 حالة عنف ضد النساء المعتصمات في ساحات الاعتصام أثناء الاحتجاجات الشعبية وضرب وهدم لخيام النساء، وقتل أثناء المداهمات الأمنية على الساحات بالقنص، واختطاف صاحبها حملات لا أخلاقية تشهيرية وتكفيرية.
وأوضح التقرير ما تتعرض له الناشطات من العنف بهدم قبور أسرهن، وتهديدهن بالقتل والسحل والصلب، والتحريض عليهن من خلال المساجد وبإصدار الفتاوى الدينية والتهديد بالقتل من قبل الجماعات الإرهابية لمشاركتهن في المحافل الدولية وفضح الانتهاكات في النزاع.
المشاهد نت