بلقيس
سعاد.. نموذج كفاح للمرأة اليمنية نحو العلم
عند النظر إلى عادات المجتمع اليمني وتقاليده وطبيعة الأعراف التي تسود هذا المجتمع، نلاحظ أن المرأة اليمنية عالقة في دوامة تلك العادات التي تحيط بها وتعثر أي خطوة طموح لها، لكن هناك من النساء اليمنيات من كافحن كثيرًا وانتصرن على تلك العادات، كما حدث مت سعاد الجابري.
تعتبر سعاد “34 عامًا” امرأةً ملهمة ونموذجًا جيدًا للكفاح والتحدي، بعد أن تجاوزت تلك العادات التي وقفت في طريق نجاحها، وتخطت الصعاب، إلى أن غدت امرأةً رائدةً في “مدرسة الفجر” في حي التوحيد بتعز وقدوة لآلاف الطلاب.
تقول سعاد أنها بعد أن اتممت الثانوية العامة، قررت الالتحاق بالتعليم الجامعي لكن أسرتها ووقفت عائقًا أمامها ومنعتها من الدراسة لأنها أسرة محافظة للغاية، خصوصًا أن النظرة السائدة في ذلك الوقت كانت سلبية جدًا تجاه الفتاة الجامعية وأسرتها أيضًا، ناهيك عن المسافة الطويلة بين المنزل والجامعة.
” أسرتي كانت لاتحبذ فكرة دراستي في الجامعة، وظل أبي يخبرني حينها أنه لن يدعنا نحتاج لأحد كونه تاجر المفروشات الأول بتعز”
الإصرار يولد النجاح
على رغم من إصرار والد سعاد وأسترها على عدم إلتحاقها بالجامعة، لكنها لم تفقد الأمل وظللت متمسكةً بأحلامها، وتلهث وراء كل فرصةٍ يقربها من هدفها وطموحها ذلك، واستمرت تحاول إقناع أسرتها المتشددة وبعد إصرار كبير، لم يخالطهُ القنوط يومًا، إلتحقت بمعهد المعلمين القريب من منزلها ودرست عامين في قسم الرياضيات.
تقول سعاد واصفةً شعورها بعد إلتحاقها بالمعهد، “شُعرت حينها بإنجاز عظيم، وتعاظمت لدي روح الطموح والحماس ورسمتُ بخيالي المزيد من الأحلام الواسعة، وتطلعت إلى مستقبلٍ بعيد رغم أن المحيطين بي كانوا ومايزالون يرمونني بوابل من سهام الإحباط والانتقاد”.
وتشير سعاد إلى أن طوال سنوات الدراسة صادفتها العديد من الانتقادات وكان الكثير يخبرها بعدم جدوى الدراسة وبأنه لا فائدة من من قراءة الملازم وحفظ المعلومات وسهر اليالي، على واقع أنها في النهاية الأمر وإن أتتمت الدراسة بتفوق، ستعود إلى البيت وكأن شيئًا لم يحدث، كون أسرتها وأهلها لن يسمحوا لها بالعمل، لكنها تقول أنها استمرت على أمل كبير على الرغم من أن كل شيء كان يجرها نحو اليأس، والإحباط.
الأمل الوحيد
وبعدما أنهت سعاد دراستها، وجدت نفسها وعائلتها بحالة صعبة، بعدما أفلس والدها بسبب مشاكل تجاريةٍ لم يترك لها احتمالية من قبل، ولم تجد هذه الأسرة حيلة للخروج من هذا المأزق، حينها وجدت نفسها، سعاد، في موضع المسؤولية والاختبار ولتثبت للجميع قصور تفكيرهم حول جدوى دراسة وعمل المرأة.
تقول سعاد وهي تحكي قصتها ل”مشاقر ميديا” أن أسرتها سكحت لها بالعمل حين غدت أملهم الوحيد، وأبأنها ثابرت وعملت بأكثر من مدرسة، إضافة إلى الدروس الخصوصية في المنازل، إذ لم تكتف بذلك، بل تعلمت حِرَف أو مِهَن جديدة كالنقش وطبخ البخور، واستطاعت بذلك أن تُعيل أسرتها بكل اقتدار.
واصلت سعاد مسيرة الكافح واستمرت بالعمل، وحينما أدرك والداها وأهلها عظمتها وقوتها وأهمية تعليمها، أصبح من الضروري استكمال دراستها وتطوريها، إذ عمل والدها هنا على تشجيعها على الالتحاق بالجامعة للحصول على درجة البكالوريوس، كما تقول.
ومع استمرارها في العمل وقربها من النجاح، أعادت وضع أسرتها إلى سابق عهدها في الاستقرار، وتمكنت من إعادة فتح مشروع والدها التجاري من جديد، وتدريس أخواتها الأربع بأقسام متطورة، لتمثل جسرًا لعبورهن، وفي الوقت ذاته واصلت تطوير نفسها حتى غدت مالكة المدرسة نفسها التي كانت تدرس فيها براتب زهيد.
بؤس الواقع
بإصرار هذه المرأة وعزيمتها التي لم تنتكس ولم تكبت طموحها، إذ استطاعت أن تُحقق نجاحًا كبيرًا وتصل إلى إنجازات كانت تظنها أحلام مستحيلة، وها هي قدوة ورائدة لآلاف الطلاب والطالبات والنساء.
وحتى اللحظة، ما تزال سعاد تواجه التحديات وتتجاوز الضغوطات التي يضعها المجتمع في طريقها كونها تدير مدرسة أهلية واقعة في خط النار، وفي ظل استمرار الحرب.
تقول سعاد بأن هناك مسلحين يأتون رشكل شبه يومي لطلب قبول أولادهم كطلاب بمدرستها مجانًا بدون رسوم، تحت تهديد السلاح، مشيرةً إلى أنهم يهددوها كثيرًا بحرق المدرسة أو إغلاقها.
ورغم تلك الأوضاع التي تعيشها سعاد، ما زالت تواصل مسيرتها بمثابرةٍ منقطعةَ النظير، وتدير كل التحديات التي تواجهها بحنكة واقتدار، وتقود الاف الأطفال نحو مستقبل أفضل، وتغرس المبادئ الأخلاقية لديهم، وتنمي مواهبهم وملكاتهم، وتخبرهم كل يوم عن جدوى الحلم والطموح مع امتلاك الارادة التي لا يوجد مستحيل يقف أمامها.
مشاقر