كلف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مكتب الصحافة الحكومي، بمنع مشاركة مدير مكتب قناة الجزيرة القطرية في الدولة العبرية، وليد العمري، في ندوة خاصة ينظمها هذا المكتب الخميس، تحت عنوان “حدود حرية التعبير.. المأزق القائم بين أمن الدولة وبين حرية الصحافة – قناة الجزيرة نموذجا”.
ومكتب الصحافة الحكومي هو كيان تابع لرئاسة الوزراء، ويتولى التنسيق بين وسائل الإعلام والإعلاميين العاملين في إسرائيل، وبين الحكومة الإسرائيلية.
وتدخل نتنياهو بشكل شخصي لمنع العمري من المشاركة، عقب تلقيه دعوة رسمية للمشاركة في الندوة، وهو ما يعني أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان حريصاً بشكل استثنائي على تضخيم هذه الخطوة، ودفع وسائل الإعلام المحلية والدولية لتسليط الضوء عليها، لتحقيق أهداف أبعد من المنع إلى حد كبير.
تحركات نتنياهو
وتتناقل وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباءً عن قيام نتنياهو مساء الأربعاء، بتوجيه تعليمات إلى مدير مكتب الصحافة الحكومي بعدم تمكين العمري من المشاركة في الندوة التي ستعقد الخميس، وهو الأمر الذي أكد عليه مكتب الصحافة الحكومي عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك”، وكتب “وجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعليمات مساء الأربعاء، لمدير مكتب الصحافة الحكومي، بعدم تمكين مدير قناة الجزيرة وليد العمري من المشاركة في الندوة التي تعقد بحضور المراسلين الصحفيين”.
وجاء أيضاً في تدوينة مكتب الصحافة الحكومي أن نتنياهو “وجه تعليمات بمواصلة الخطوات القانونية بهدف سحب اعتماد القناة القطرية، وسحب البطاقات الصحفية الخاصة بجميع مراسلي الجزيرة العاملين في إسرائيل، وإغلاق مكاتب المحطة داخل إسرائيل”.
وتحدث وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا الشهر الماضي، عن إجراءات غلق مكاتب الجزيرة بدعوى أنها تحرض على إسرائيل، مشيراً إلى أنه عقد اجتماعات مع مسؤولي البث الرئيسيين في إسرائيل ومع مدير مكتب الصحافة الحكومي، وطالب بإلغاء بطاقات مراسلي القناة، لكن ما تسبب في تأجيل تلك الخطوة، هو عدم وصول تقارير جهاز الأمن العام “الشاباك” بشأن تشكيل هؤلاء المراسلين خطرًا أمنيًا يهدد سلامة البلاد، فضلا عن غياب القوانين التي تسمح لمدير مكتب الصحافة بالقيام بخطوة من هذا النوع.
دعاية لصالح الجزيرة؟
وتفجرت قضية غلق مكاتب قناة الجزيرة في إسرائيل في الشهور القليلة الماضية بالتزامن مع الانطباع السائد لدى الشارع العربي بأن تلك القناة فقدت مصداقيتها، وأنها تشكل أداة لتحقيق مصالح محددة لصالح النظام القطري أو جهات أخرى، مستغلة في ذلك عددًا من القضايا التي تهم الشارع العربي كغطاء، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وأعلنت السلطات الإسرائيلية في آب/ أغسطس الماضي عزمها غلق مكاتب الجزيرة القطرية في إسرائيل، كونها منحازة لصالح الجانب الفلسطيني، فيما ردت الجزيرة القطرية بأنها ستلجأ إلى القضاء، وأنها تستنكر هذا الإجراء من دولة تدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط وتعتبر ما فعلته أمرا خطيرا”.
وقدر مراقبون أن الضجة التي أحدثها الإعلام الإسرائيلي، وتدخل رئيس الوزراء نتنياهو شخصياً في تلك القضية، إنما تستهدف إنقاذ المحطة القطرية من السقوط، ومحاولة رفع شعبيتها في العالم العربي عبر القيام بخطوات ضدها في إسرائيل، حيث يعلم نتنياهو أن اتهامه للقناة يصب في مصلحتها عربيًا وليس العكس.
أداة دعاية لإسرائيل
وكشفت وسائل إعلام عبرية للمرة الأولى النقاب عن دور قناة الجزيرة القطرية في خدمة مصالح إسرائيل، في كانون الأول/ ديسمبر 2008، ووقتها نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” تحقيقاً، سردت خلاله طبيعة الدروس التي استخلصتها المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية جراء حرب لبنان الثانية عام 2006، وعلى رأسها عدم ترك الساحة الإعلامية للطرف العربي.
وأكدت وقتها أن إسرائيل لم تشن عملية “الرصاص المصبوب” على قطاع غزة، سوى بعد أن اختارت شخصيات محددة، على رأسها وزيرة الخارجية وقتها تسيبي ليفني، ووزير الدفاع وقتها إيهود باراك، للمشاركة في حملة إعلامية تستهدف توصيل وجهة نظر إسرائيل للشارع العربي ومحاولة خلق رأي عام مضاد للرأي العام المعادي للعمليات الإسرائيلية في قطاع غزة.
وقالت الصحيفة حينذاك إن إسرائيل حرصت على عدم مقاطعة وسائل الإعلام العربية، وعدم تركها للفلسطينيين وحدهم، وأن قناة الجزيرة القطرية تقوم بشكل ثابت باستضافة مسؤولين إسرائيليين كبار ممن يجيدون العربية، وخصت الصحيفة بالذكر كلا من وزير الأمن الداخلي وقتها آفي ديختر، والمستشرق مردخاي كيدار، والصحفي يوآف شتيرن، وليفني وزيرة الخارجية وقتها.
بلبلة الشارع العربي
وتسببت سياسات الجزيرة في ظهور وجهات نظر مختلفة في الشارع العربي تجاه قضايا كانت محل إجماع تام، ونجح متحدثون إسرائيليون ظهروا في الجزيرة القطرية في وضع مبررات للعدوان المتواصل على قطاع غزة، إلى أن فقدت القضية الفلسطينية زخمها نسبياً في الشارع العربي مع مرور السنوات.
وفتح نجاح تلك السياسات إسرائيلياً، شهية الدولة العبرية للتواصل المباشر مع الجمهور العربي والفلسطيني، عبر منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية بالأراضي المحتلة، اللواء يوآف مردخاي، الذي دشن حساباً على الـ”فيسبوك” وقناة على “يوتيوب” وموقع إنترنت بالعربية تحمل اسم “المنسق”، وذلك بعد 8 سنوات من دراسة نتائج ظهور شخصيات إسرائيلية عبر المحطات الفضائية العربية، وعلى رأسها الجزيرة.