​​​​​​

مصفاة عدن ... المعلم الاقتصادي التاريخي لمدينة عدن

عدن جلف

كتب : أ. خالد سيف سعيد

 

تعتبر مصفاة النفط المحدودة عدن B.P أهم مشروع اقتصادي في مدينة عدن، والذي تم بناءه في بداية الخمسينات من القرن الماضي وقبل الخوض إلى هذا المعلم الاقتصادي التاريخي ينبغي الإشارة إلى الأسباب والدوافع الرئيسية التي جعلت من الشركة البريطانية شركة البترول البريطانية British Petroleum بناء هذا الصرح الاقتصادي الهام "مصفاة عدن" وتتمثل في الآتي:

-   نظراً لما تتمتع به مدينة عدن من موقع جغرافي هام جعلها تقع في ملتقى الطرق البحرية بين الشرق والمغرب فأن ميناء عدن بأن يكون بنفس الأهمية من حيث قدرته على استقبال السفن من مختلف القارات، وخاصة من حيث وفرة كميات الوقود اللازمة لتموين أي عدد البواخر القادمة إلى الميناء، ولهذا السبب فقد انشأت شركة البترول البريطانية B.P عام 1919م منشآت للنفط في مدينة التواهي وذلك لاستيعاب كميات النفط التي كانت تكرر في مصفاة النفط في عبدان بايران.

-   نشؤ الأزمة الانجلو الإيرانية إلى ذروتها إثر تأميم حكومة الدكتور مصدق· الوطنية لشركة الزيت الانجلو – إيرانية ما رافقتها من إجراءات تأميم المصفاة عبدان، كل الدراسات حول بناء مصافي نفط عملاقة بين قناة السويس والهند، استقرت الدراسات بأن تكون هذه المصفاة في مدينة عدن الصغرى الواقعة غرب خليج عدن، وقد تم الاتفاق حول موقع هذا المشروع بين حكومة عدن البريطانية وشرطة البترول البريطانية B.P.

وينبغي التأكيد بأن الحكومة البريطانية قد اتخذت الخطوات والإجراءات في شبه الجزيرة بعد شرائها من العقارب أي في 15 يونيو 1988م تم الاتفاق بين الحكومة البريطانية المتمثلة بالمقيم السياسي البريطاني الجنرال أدم جورج هول والشيخ عبد الله حيدره مهدي شيخ العقارب على شراء الانجليز شبه جزيرة أحسان بالكامل، وبل الشريط الساحلي المؤدي إليها والممتد من الحسوة حتى بندر فقم، وأما الإجراءات التي اتخذتها بريطانيا قبل بناء مصفاة النفط البريطانية فلم تكن كبيرة وحساسة في شبه الجزيرة "جزيرة إحسان" الواقعة في عدن الصغرى قبل بناء مصفاة النفط وكل ما عملته يتمثل بالآتي:

*محمد هدايت مصدق (1881-1967م) سياسي وزعيم إيراني ورئيس لوزراء إيران أصدر قانون تأميم البترول وأنهى عمليات الشركة الانجلو – إيرانية.

 

 

 

-   تغيير اسم شبه جزيرة إحسان إلى منطقة عدن الصغرى وأن التغيير هذا قد جاء لتثبيت البيعة وربطها بممتلكاتها في عدن.

-   بناء نقطة مراقبة على جبل الغدير المواجهة شمال لجبل أو قيامه، وتلك النقطة غبارة عن موقع متقدم لمراقبة السفن القادمة إلى ميناء عدن علماً أن نقطة المراقبة هذه عبارة عن غرفة للحراسة يصعد إليها الإنسان من خلال سلم من الأحجار والنورة وما زال قائماً حتى يومنا هذا([1]).

 

شركة البترول البريطانية British Petroleum:

شركة البترول البريطانية B.P والتي صنفت المركز الثالث ضمن الشركات العالمية الكبرى في تاريخ صناعة البترول بعد الشركتين الكبيرتين ستاندر ، وشل البريطانيتين، وتلعب هذه الشركة دوراً رئيساً في حياة الخليج والجزيرة وعندما تأسست في فارس أطلق عليها شركة "الانجلو برسيان" الشركة الإنكليزية الفارسية ثم عدل ليكون الشركة الإنجليزية الإيرانية (انجلو إيرانيان)ـ ويمكن أن تعتبر مولد هذه الشركة (B.P) في 14 أبريل عام 1901م للعمل في صناعة البترول تطوراً هاماً في هذه الصناعة، التي كانت حتى ذلك الوقت صناعة أمريكية بحته وكانت أوروبا وتستورد احتياجاتها من الولايات المتحدة إلى أن دخل المحرك الصناعي ميدان العمل فبدأ اهتمام رجال الأعمال البريطانيين يتجه نحو البترول، وخلال نصف قرن من الزمن أصبحت هذه الشركة إحدى دعامات العالم الرأسمالي المعاصر حتى تاريخ تأميمها عام 1951م، ومنذ أن تحولت إلى شركة البترول البريطانية B.P اسهمت في أربع أو خمس شركات بترولية عاملة في الشرق الأوسط فهي أحد أعظم المؤسسات التجارية البريطانية آنذاك وأحد دعائم الدخل القومي البريطاني([2])، وينبغي الإشارة إلى أن هذه الشركة أنشئت في عام 1919م منشأة لتموين البواخر بالوقود في ميناء عدن.

 

بناء المصفاة:

أكدت المصادر والوثائق التاريخية بأن بناء مشروع مصفاة عدن جاء بعد تأميم حكومة مصدق في إيران المصافي الزيوت البريطانية في عبدان وحرصاً من الحكومة البريطانية في تأمين وتعزيز موقعها ووجودها في عدن سارعت إلى إنشاء محطة تكرير في منطقة البريقة إحدى أحياء عدن بتكلفة بلغت قرابة ثمانية وأربعون مليون جنية استرليني ، حيث شارك فيه قرابة أثنى عشر ألف عامل في مراحل التشييد أغلبهم من أبناء اليمن شماله وجنوبه ، كما شاركت عدد من الشركات الأجنبية كالأمريكية والإيطالية واللبنانية مع الشركات البريطانية في مختلف أعمال التشييد وأهم هذه الشركات (شركة بكتل ويمبي،  س. س. س، ماذر كات، كابلو للكهربائيات، زمبكاتي للبناء) واستغرق بناء هذه المصفاة واحدة وعشرون شهراً من النشاط والعمل المتواصل والجهد الشاق حتى أصبحت المصفاة([3]) جاهزة لاستقبال النفط الذي يصلها من دول الخليج لتكريره وإعادة تصديره بطاقة إجمالية بلغت عشرة مليون طن، وبالإضافة إلى تموين السفن بأفضل الشروط ويعمل في المصفاة ألف عامل يمني إلى جانب قرابة المائتين من الأجانب، يعتبر الكادر في العامل في المصفاة من الكوادر التي يتم تربيتها وتدريبها وإعدادها فنياً في معهد متخصص في المصفاة، أو عن طريق البعثات في دورات متقدمة إلى بريطانيا وغيرها.

يتطرق هاري كوكريل قائلاً: "قبل بناء مصافي البترول البريطانية في عدن الصغرى كان لشبه جزيرة عدن الصغرى أو كما كانت تعرف باسم جبل إحسان مركزان رئيسيان، وكان ذلك في قريتي بئر فقم والبريقة، ولا زالت قرية بئر فقم باقية وسكان قرية البريقة نقلوا إلى قرية الخيسة([4]). والصور المرفقة للبحث توضح قرية البريقة قبل وبعد بناء المصفاة.

بينما مصادر أخرى تشير أن بداية بناء مشروع اقتصادي في عدن والمسماة بمصفاة عدن قد بدأـ العمل في بناء المصفاة في الأول من نوفمبر 1952م واستغرق تنفيذ المشروع واحد وعشرون شهراً (21 شهراً) وبلغت قيمته الإجمالية (45 جنيه) خمسة وأربعون مليون جنية إسترليني موزعة على مجالات البناء المختلفة وفقاً للجدول الآتي:

م

نوع المادة المستخدمة

الكمية

1

حديد

110 طن

2

أسمنت

30 ألف طن

3

صخور

1.5 مليون طن

4

رمل

6 مليون ياردة مكعبة

5

تراب

2 مليون ياردة مكعبة

6

القوى الكهربائية

22.5 كيلو وات

7

ماء التبريد

4 مليون جالون/ ساعة

8

بخار الماء

600 ألف رطل/ ساعة

 

حيث أنجز البناء (12.000) من الفنيين والعمال منهم (2.500) من البريطانيين والأروبيين وعدد (10.000) من الهنود واليمنيين، وتعد المصفاة ملك لشركة البترول البريطانية B.P، أما الشركات التي قامت بالمقاولة منها الشركة BACHTEL الأمريكية وشركة WLMPEY البريطانية، وهناك شركتان قاولتا بالبناء بالباطن وهما شركة RCAT MOTHERCUT والتي قامت بعملية البناء وشركة C.C التي قامت بتصميم وتلحيم الخزانات وتركيب الأنابيب.

أن عملية تشغيل المصفاة كان في 29 يوليو 1954م وقد صممت لتكرير مليون طن في السنة وإلى جانب بناء المصفاة كانت في الوقت نفسه تجري عملية بناء ميناء يتبع المصفاة وقد صمم الميناء على استقبال ناقلات تحمل كل منها ألف طن.

أن مصفاة النفط المحدودة في عدن قد كلفت شركة البريتش برتوليوم حوالي (47) سبعة وأربعون مليون جنية، منها (5) خمسة مليون في المنشآت المرفئية، (6.1) مليون في السكن والتجهيز الاجتماعي – العام .

والمقصود هنا هو أهم الرساميل الأجنبية المثمرة في البلد آنذاك ، لقد ساهمت حكومة المملكة المتحدة في تمويل البنية السفلية بمنحها للمستعمرة قرضاً قدمته أربعة مليون جنية خصص للأشغال العامة.

وأن المصفاة جهزت بمائة خزان وخزاناً يحتوي على 24.000 طن (6.5 مليون جالون) وبمرفأ نفطي يمكنه استقبال أربع ناقلات بترولية، حمولة كل منها 32.000 طن، وتصرف المنتوجات المكررة بواسطة أنابيب، وقطر أكبر أنبوبين هما على التوالي، بوصات (15.24سم) ، 16 بوصة (4.64سم) وهما يصلان الخزانات ببعضها البعض من جهة الخليج الثانية وينقل كل أنبوب حوالي (2.5) مليون طن سنوياً.

وتتصل الخزانات ذاتها بثماني محطات ضخ تقع في البحر، بواسطة أنبوب نفط تحت البحر، وأهم هذه المحطات التي تمون السفن بالوقود قادرة على تصريف (1500) طن في الساعة، وعدا عن ذلك، فأن أنبوب الغاز يسمح بنقل الغاز إلى محطة حجيف الكهربائية ، حيث يحول إلى طاقة حرارية للحاجات المحلية الدارجة([5]).

أن الفائدة الرئيسية لمصفاة النفط المحدودة في عدن هي سماحها بالإنتاج المحلي للوقود الضروري لتموين السفن المقطوعة في عدن ، بينما كانت خزانات التموين تمون سابقاً من نقطة الشرق الأوسط المكرر في انجلترا([6]).

ويؤكد د. باوزير في كتابه بأن حجر الأساس وضع لمعامل شركة النفط البريطانية العدنية المحدودة في سنة 1952م وهي السنة التي أمم فيها الدكتور مصدق شركة النفط الانجلو إيرانية وعندئذ اتجهت بريطانيا إلى بناء معامل تكرير النفط في عدن وعدت من بين أهم المصافي في الشرق الأول ذلك أن منتجاتها النفطية المكررة كانت تغطي حاجة قطع الأسطول البحري البريطاني التي تمخر عباب البحر الأحمر والمحيط الهندي، وأن تكاليف المشروع تحملت شركة البريتش بتروليوم البريطانية كافة تكاليف التشييد التي بلغت في 1952م حوالي (47) سبعة وأربعون مليون جنية إسترليني شملت مبالغ مصفاة النفط وكان عقد البناء الذي وقعته الشركة مع الشركات الأوروبية والأمريكية المنفذة قد حدد فترة الإنجاز بعامين، ولكن هذه الشركة أنهت العمل قبل المدة المقررة بثلاثة أشهر فافتتحت ملكة بريطانيا "اليزابيت"المصفاة في يوليو 1954م.

وأضاف قائلاً: حيث تضمنت عقود بناها بناء صهاريج تخزين النفط بلغ عددها مائة صهريج سعتها الكلية (24.000 طناً) ومن تلك الصهاريج توزع المنتوجات النفطية المكررة بواسطة أنابيب تحت سطح ماء البحر ، قطر الأنبوب الواحد (40سنتمتر)، والصهاريج متصلة ببعضها البعض عبر خطوط الأنابيب ، وقدرت كمية النفط المكرر المار عبر الأنبوب بحوالي مليونين ونصف المليون طناً كل عام، أما أكبر المصفاة وأهمها فهي تموين السفن بالوقود وتبلغ قطاتها الإجمالية (36.000) طناً من الوقود السائل يومياً وتقدر طاقتها في الساعة الواحدة بـ (1500) طن آنذاك.

ومنذ خمسينيات القرن الماضي أنيطت بالمصفاة مهمة تموين السفن بالوقود، ولهذا الغرض أنشئت مراسي خاصة في ميناء عدن لاستقبال سفن يبلغ طولها من (650-900) قدم والغاطس فيها (11.5) متراً مما يمكنها من استيعاب بواخر حمولة (70) ألف طن كما أن هناك قاطرات بحرية خاصة بتموين السفن بالوقود خارج الحاجز المائي.

وأن أهم مكونات المصفاة هو مركز التدريب والتأهيل والذي يواصل مهامه منذ أكثر من خمسون عاماً حيث أنشئى في العام 1955م نظراً للحاجة الماسة لتدريب الأيادي اليمنية الشابة التي تتعاقب للانخراط في أعمال المصفاة، ويضم المركز حالياً ما يقارب (80) متدرباً يتلقون التأهيل في كافة تخصصات عمل المصفاة وعلى مدار أربع سنوات.

 


مصفاة عدن في قبة المجلس التشريعي:

المجلس التشريعي بعدن والذي تأسس في العام 1947م كأول مجلس برلماني تشريعي على مستوى الخليج والجزيرة العربية برغم أنه مجلس ذات صفة استعمارية ولكنه استطاع هذا المجلس مناقشة الأمور  والقضايا المتعلقة بمدينة عدن في كافة جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ....الخ، وطرح الاستفسارات والأسئلة بكل جراءة واقتدار وسوف أتطرق إليه في بحثنا التاريخي في العدد القادم.

في إحدى الجلسات المنعقدة لاجتماع المجلس التشريعي بعدن في الثاني من فبراير 1959م وضعت بعض الأسئلة والاستفسارات عن شركة مصافي عدن إلى الجهات المعنية من قبل أحد أعضاء المجلس التشريعي بعدن فجاءت تلك الاستفسارات ما يلي:

-         السيد/ علي محمد لقمان موجهاً سؤاله إلى السكرتير العام قائلاً.

ما مجموعة المساحة التي تحتلها مصافي الزيت البريطانية (عدن) المحدودة، وعما إذا كانت المساحة الخاصة بمنازل أ-ب بالإضافة إلى ب ، ج تابعة لحكومة عدن أم أنها جزء من الأرض التي أجرت للشركة.

** أجاب السيد ك. سيمندس السكرتير العام قائلاً:

" إن مجموع المساحة المؤجرة لمصافي الزيت البريطانية (عدن) المحدودة هو 1064 فدان منها 1033 فداناً بموجب عقد إيجار، و31 فداناً بموجب رخصة مؤقتة وتشمل المساحة المؤجرة الأرض التي بنيت عليها منازل الشركة درجة أ، ب بالإضافة إلى ب، ج.

-         السيد علي محمد لقمان موجهاً السؤال إلى السكرتير العام مرة أخرى قائلاً:

 "ماهي المدة التي أجرت بموجبها الأرض لشركة مصافي الزيت البريطانية (عدن) المحدودة، وما هي الترتيبات المالية وضريبة الأرض، التي تدفعها الشركة لحكومة عدن.

** أجاب السكرتير ك. سيندس بقوله:

"أجرت الأرض إلى شركة مصافي الزيت البريطانية (عدن) المحدودة بمقتضى نصوص قانون أراضي التاج للمدة العادية وهي 99 عاماً بإيجار سنوي قدره 12 جنيهاً للفدان وبالإضافة إلى ذلك يدفع رسم حكر بالسعر القانوني وهو سنتان في العام للياردة المربعة، ولا يوجد أي نص بمقتضى قوانين المستعمرة لفرض ضريبة الأراضي.

-         العضو السيد علي محمد لقمان موجهاً سؤاله إلى العضو المسئول عن الكهرباء قائلاً

عما إذا كانت الحكومة أو شركة مصافي الزيت البريطانية هي التي ستتولى تسديد نفقات مد أنبوبة الغاز الجديد من البريقة إلى محطة توليد الكهرباء، وهل ينتظر أن يؤدي التحول من الوقود باستخدام الغاز بدلاً من الزيت سوف يمكن إدارة الكهرباء من بيع القوة الكهربائية بأسعار زهيدة للأهالي.

** أجاب السيد علي سالم علي العضو المسئول عن الكهرباء قائلاً:

(سوف تتولى شركة مصافي الزيت البريطانية (عدن) المحدودة تسديد جميع نفقات مد أنبوبة الغاز من المصافي إلى نقطة تقع داخل موقع الغلاية التابع لمحطة توليد الكهرباء وفيما يختص بتأثير أسعار القوة الكهربائية من جراء استخدام الغاز فيجب أن يكون مفهوما ًبأن تموينات الغاز ستكون محدودة وسيكون من الضروري الاستمرار في استخدام الزيت، ومع ذلك فسيحقق استخدام الغاز وفراً ساراً في المصروفات وسيراعي ذلك بدقة عندما يعاد النظر في أسعار التعريفة وهنالك على كل حال عوامل أخرى عديدة تؤثر على سعر القوة الكهربائية، وقد علمت بأن السكرتير المالي سوف يلقي كلمة حول ماليات إدارة الكهرباء خلال المناقشة القادمة حول الميزانية العامة([7]).

 

نقابة عمال المصفاة:

شهدت الفترة الممتدة من سنة 1952م إلى سنة 1955من تأسيس أندية عمالية في بعض مؤسسات عدن ومنشأتها الاقتصادية، وكانت هذه الأندية العمالية تحقق بفضل مطالبها الموجهة إلى الأعراف، بعض المكاسب الاقتصادية الصرف، وخاصة زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، حيث كانت صحف عدن الوطنية تقف إلى جانب النقابة وتثير كثير من الموضوعات المتعلقة بمشاكل العمال كعدد ساعات العمل وشبكة الأجور وغيرها، كما كانت الصحافة تقارن بين أجور العمال في شركة بريتش بتروليوم (مصافي عدن) وهي الصناعة الأكثر تطوراً وتنظيماً في منتصف الخمسينات وأجور العمال في الصناعات العدنية المختلفة الأخرى([8]).

وعندما برزت الحركة العمالية في مستعمرة عدن وخاصة بعد ظهور المؤتمر العمالي بدأ نشؤ نقابة مصافي عدن، وصارت هذه النقابة من أقوى النقابات وأصلبها وأكثرها تنظيماً كون أن عمالها يشكلون أكبر عدد من سكان المستعمرة وينطبق عليهم أكثر صفة البيروليتاريا وهذه التسمية كانت موجودة في الخمسينات، وكانت هذه النقابة تشكل ضغط وصموداً على هيئة أو إدارة المصفاة وذلك بالمطالبة بزيادة في الأجور بقصد تعديل الكفة بين مستوى القدرة الشرائية للعمال وأجورهم وكان ذلك منطلق للحركة النقابية العدنية آنذاك ، ومن الإضرابات العمالية التي نفذها عمال المصفاة في عام 1956م ، 1957، 1961م.

ينبغي التأكيد بأن نقابة مصافي عدن ضمن الـ 25 الخمسة وعشرون نقابة التي تأسست في مدينة عدن وعلى ضوء إنشاء وظهور تلك النقابات عقد مؤتمر عدن للنقابات في العشرون من مارس 1956م، ومن أبرز الشخصيات النقابية في مصافي عدن آنذاك أمثال: عبد الله علي عبيد وحسين القاضي وغيرهم.

كما قررت شركة النفط البريطانية B.P بعد أن انتهت من بناء المصفاة وتشغيلها بناء وحدات سكنية بالقرب من المصفاة تشتمل 1.400 مسكناً يستوعب 15.000 سكناً، هذا إلى جانب بناء المرافق الخدمية الأخرى كالمدارس والحدائق والمتنزهات والمياه والكهرباء والاتصالات والمجاري وقد تم استكمال المشروع عام 1955م، حيث ميز ذلك المشروع أن مساكنه كانت متفاوتة في الجودة والاتساع وذلك وفقاً للدرجات الوظيفية لموظفي المصفاة حيث خصصت افيلات التي بنيت في منطقة كود النمر للكوادر القيادية في المصفاة وكبار الخبراء والفنيين، وتعتبر هذه المساكن من الدرجة الأولى ولهذا سميت A-CLASS ، أما الموظفون متوسطوا الدرجات الوظيفية فقد بنيت لهم الوحدة السكنية التي تلي مباشرةً المصفاة إلى الشمال الشرقي وأطلقت عليها تسمية B-CLASS ، أما الموظفون من ذوي الدرجات الدنيا فقد خصصت لهمن المساكن التي تقع إلى الشمال من المصفاة وأطلق عليها اسم C-CLASS وتسمى حالياً حي العمال، والجدير بالذكر أن لمصفاة عدن مستشفى خاص يضم 130 سريراً للمرضى من موظفي شركة المصفافي وعائلاتهم في منطقة عدن الصغرى (البريقة) وكذا ملاعب رياضية ومسبحان، وملعب له 12 حفرة للجولف، والولجان، ولاعب التنس، والسكواش واكنس المجهزة بالآت تكييف الهواء وتبريده، ونادي لليخوت الشراعية، ونادي لكروب الخيل، ونادي بي بي لسباق السيارات آنذاك.

في العام 1959م سمحت السلطات البريطانية وهيئة المصفاة للمواطنين بالبناء بهذه المدينة مدينة البريقة والتي تبعد عن مدينة كريتر بـ 38كم، بعد أن جهزت مساحات أرضية فنية فبنى الانجليز والمستثمرون العرب عدد من المنازل والبنود الكبيرة والمتوسطة، وتحول إليها العديد من السكان سؤ من العاملين في المصفاة أو من القادمين إليها، ومن خارج المدينة للعمل في أماكن أخرى كما بنت السلطات البريطانية العديد من المعسكرات لجنودها لحماية أمن المستعمرة من ناحية الحدود الغربية البحرية المحاذية للحدود الشمالية وحماية المصفاة من ناحية أخرى([9]).

ومن هنا ننوه بان مدينة عدن الصغرى (البريقة) الواقعة في ولاية مستعمرة عدن انسحبت منها القوات البريطانية في سبتمبر 1967م، وبقية تحت أيدي الثوار آنذاك، وفي الأول من مايو 1977من آلت أي تحولت المصفاة إلى ملكية الدولة بموجب اتفاقية تسليم وقعتها حكومة الجنوب سابقاً والشركة البريطانية.

ويؤكد أحمد علي مسعد في مذكراته عن الشركة قائلاً: ""انني ضمن شخصيات أخرى كمدراء للمرافق التي تم تأميمها، فبدأت العمل في شركة النفط المؤممة من أشهر شركات البترول في العالم، وكنت قد أمضيت الليلة السابقة أضرب أخماساً وأسداساً لأول مرة منذ أن بدأت الخدمة العامة، وعندما دخلت مبنى الشركة لفت نظري لأول مرة النظافة في كل مكان وأناقة المبنى والنظام وفي غاية الانضباط في أوقات العمل من قبل العاملون، وهناك بعض الإجراءات المتحمسة والتي أقدم عليها المسئولين أدت إلى إصابة العمال بالإحباط ، ولم يمضي وقت طويل إلا وبدأت الشخصيات القيادية في الشركة المؤهلة بالعلم والخبرة ، أما تطلب إعفاءاً من العمل أو إحالة إلى التقاعد وتسليم مستحقاتهم لدى الشركة أو التسلل إلى شمال الوطن (سابقاً) ومن هناك الالتحاق بشركات نفطية أخرى ومن بينها شركة (شل) أو في دول الخليج([10]).

وأخيراً نؤكد أن هذا المرفق الاقتصادي الهام لا يزال حتى يومنا هذا من أداء دوره الاقتصادي من خلال تموين السوق المنحلية بجميع المشتقات النفطية من البنزين والسولار والمازوت والكيروسين والديزل وغيرها، وأهم ما يميز مصفاة عدن أنها تدار بأياد يمنية 100% بمديرها التنفيذي د. نجيب العوج مدير عام المصفاة ، وأثبتت المصفاة قدرتها في تغطية السوق المحلية إلى جانب مواصلة عملية تصدير المشتقات النفطية بكميات كبيرة موفرة مبالغ مالية من العملة الأجنبية لرفد الاقتصاد الوطني فنالت المصفاة اهتمام الدولة من خلال تنفيذ حملة من المشاريع.