​​​​​​

قاسم داوؤد: لازال الجنوب يشكل عنصراً أساسياً في المشهد الراهن في الحرب والصراع

حاوره/فتاح المحرمي

طالب الفيادي الاشتراكي قاسم داوؤد الشرعية بالتحرر من ضغوط وابتزاز القوى المصابة بفوبيا الانفصال، مقدما قراءة للوضع في الجنوب والتحديات التي تواجه والأولويات الواجب السير عليها ومن أهمها قيام الكيان السياسي الجنوبي، أو بمعنى أدق قيادة جنوبية مؤسسية مقتدرة وتشاركيه.
وأكد رئيس مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب ضرورة فتح حوار بين القوى الجنوبية بتنوعها من جهة والشرعية (الجنوبيين فيها) من جهة أخرى، تحت رعاية الرئيس عبدربه منصور.. كما تضمن الحوار عدد من الجوانب السياسية الأخرى.. فإلى الحوار.

بداية دكتور.. كيف تقرأ المشهد العام الراهن؟
بشكل عام ما نشهده اليوم هو استمرار لعقود من الصراع والحروب والفشل .. كان الانقلاب في سبتمبر من العام الماضي 2015م، والذي استدعى التدخل العسكري العربي المباشر، وإعلان وشن الحرب العدوانية الثانية على الجنوب، كانت آخر حفل به المشهد العام.

من ملامح اللحظة الراهنة الدخول في حالة استعصاء وتعقيد على صعيد الصراع القائم والحرب الدائرة، فلا يوجد في الأفق لا حسم عسكري بات وناجز، ولا تسويه سياسية شاملة ومستدامه.

هل يعني استمرار الحرب؟

البديل هو استمرار الحرب والصراع، والذي لا يعني توقف الجهود والمحاولات، وحلول جزئية وموضعيه وهدن ومبادرات واهتمام بالجوانب الإنسانية، للأسف لم تنضج شروط وعوامل تحقق تسويه شاملة ومستدامة، فمقومات وعوامل الصراع والحرب، أكثر من عوامل ومتطلبات الحل والسلام، كما ان قضايا البلاد ومشاكلها وازماتها لا تختصر في معادلة الانقلاب-الشرعية، التي تعد بذاتها نتيجة لما هو أعمق في الواقع.
ويبدو إن كل الأطراف تتجه نحو خياراً ثالثاً، وهو التأقلم مع الوضع القائم، أي على ما استقرت عليه الحرب، والذي له أساس قوي في التاريخ، ويشمل القضية التي اعتبرها مؤتمر الحوار أساساً ومفتاحاً لحل كل القضايا والأزمات الأخرى، أي البناء على كيانين سياسيين في كل من الشمال والجنوب.

إين وضع الجنوب؟ وما هي خياراته الراهنة؟

بالنسبة للجنوب ووضعه في اللحظة الراهنة التي تتسم بالتعقيد والتداخل، والتمايز ، ويمكن القول عنه أولاً لازال يشكل عنصراً أساسياً في المشهد الراهن في الحرب والصراع وفي تقرير طبيعة المستقبل، لازال طرفا في الحرب سواء بكونه هدفاً لقوى الانقلاب والحرب، او بكونه شريكاً أساسياً في التحالف الآخر مع الشرعية والتحالف العربي.
ثانياً: على الرغم من إن الجنوب كان الهدف التالي للقوى الانقلابية - أي ما بعد الانقلاب – التي لم تتأخر في إعلان وشن الحرب عليه، وإلى ذلك استهدف من قوى شمالية أخرى التي سعت لجعله ايضاً هدفاً ثانياً لعاصفة الحزم، تحت مزاعم (الحراك الإيراني المسلح)، وخاب مسعاها أمام الحقائق التي كانت صادمة لها.
بالرغم من كل ذلك فقد خرج الجنوب من تلك المرحلة من الحرب منتصراً، موحداً أكثر قوة من ذي قبل. ومن الطبيعي القول إن ذلك ما كان له أن يتحقق لولا وحدة وتعاضد شعب الجنوب وصموده بوجه العدوان، وبسالة المقاومة الجنوبية الباسلة، والتضحيات الجسيمة التي قدمتها، ولولا التوافق مع الشرعية والدعم السخي الذي قدمته دول التحالف العربي وفي مقدمتها المملكة والإمارات.
لقد شهدت مرحلة ما بعد التحرير حالة من الارتباك، واختلاف الآراء إزاء الخطوات التالية والأولويات خاصة في ظل غياب الرؤية التفصيلية الموحدة، والمركز القيادي الذي يقود ويسيطر، ونشوء فراغ سياسي وأمني وإداري، وبروز خطر الجماعات الإرهابية، وتركت الماضي الثقيلة مع ذلك وغيره فقد تحقق الكثير، إين نحن اليوم عن ما كان عليه الحال قبل سنة، وأنا شخصياً أميل إلى من ينظرون للأمور بإيجابية وتفائل، التي لا تعني السكوت عن الأخطاء، وتأخر بعض الخطوات والإجراءات، ولا ايضاً التقليل من التحديات والمخاطر القائمة.

هل يمكن تحديد واضح للأولويات في هذه الفترة؟

الأولويات أمام الجنوب واسعة ومتعددة وشاملة، في تداخل ويصعب الحديث عن أولوية في مجال محدد دون الآخر، كما إن لكل جماعة وشريحة ومحافظة ومجتمع محلي والعاملين في مجال ما أولوياته.

في هذه اللحظة تكمن الأولوية في إدراك الناس للتحول الذي حصل على صعيد الجنوب، متمثلاً في التحرير وما تلاه من الآفاق ومهام ومسؤوليات. قبل سنة عاش الجنوب في مرحلة ثورية سلمية بوجه الاحتلال، ثم مقاومة مسلحة في مواجهة حرب ثانية واحتلال (مدبل)، واليوم تتمثل المهمة الجوهرية في بناء السلطة الجديدة، والسيطرة على الوضع وتطبيعه، واستعادة النظام والقانون والأمن، واستعادة جاهزية وثقافة بناء دولة المؤسسات القانونية والشراكة وعلى كل مستوى، والمساعدة في حل الأزمات والمشكلات الناشئة.

وفي ذات الوقت الاستمرار بالثورة، انما بما يستوعب الذي تحقق، وبما يساعد على النهوض بمهمات اليوم، بمعنى بتوجهات وشعارات جديدة، التمسك بما تحقق وتطويره، وحمايته وفي ذات الوقت السير نحو بلوغ الأهداف الأخرى، واستكمال ما بات تحت اليد، ليس مفهوماً إن يتم اليوم رفع شعار التحرير، ولا الاختلاف على مسميات من قبيل هل استعادة الدولة أو بناء الدولة؟

في ظل أن 90% من أرض الجنوب تحت سيطرة الجنوبيين، ممكن الحديث عن استكمال التحرير وحماية التحرير واكسابه مضامين جديدة من خلال التغيير والتطوير وبناء الجديد، والتخلص من تركة ربع قرن من الاحتلال، وهي عملية لها شروطها، ووسائلها وزمنها وأولوياتها. الامر نفسه يمكن ان يطرح عند الحديث عن الدولة بكل بساطة، والدولة هي الأرض والشعب والسلطة. عندما يكون أرضك محررة وشعبك العظيم في جاهزية عالية، لم يتبقى سوى أن تتجه لبناء أجهزة ومؤسسات السلطة، واليوم العالم كله يطالب ويدعم القيام بهذه المهمة، والاشقاء يقدمون كل الدعم ولديهم كل الاستعداد للمساعدة وهذا هو الحاصل، في ضوء ذلك هل المطلوب ان نرفع شعارات ومفاهيم للاختلاف، أم المطلوب ان تتوحد الجهود والإيرادات، وتخلص النوايا من أجل تفعيل وتطوير الموجود، وبناء وإنشاء الجديد، وتقديم النموذج في الإنجاز والنجاح، نجح الجنوب وسوف يشهد له التاريخ على ذلك في الثورة السلمية، نجح في ملحمة الصمود وبسالة وانتصار المقاومة، بنفس الروح والإرادة والوحدة عليه أن ينجح في مهمات اليوم التي تعد ثمرة للأولى.

مطلوب النجاح في القدرة على إدارة الاختلافات من خلال الحوار والاحتكام للشعب وليس للسلاح والإقصاء، مطلوب أن ينجح في تجسيد المشاركة، وقدرته في السيطرة على الوضع، والعودة إلى حياة طبيعية مدنية، وفي إنشاء أجهزة مهنية وإدارة كفؤة، وفي احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان والقيم الإنسانية، وفي قدرته على الانتقال من مشاريع ما قبل الدولة إلى وضع الدولة.

وماذا عن الأولويات السياسية..؟

من الأولويات السير الحثيث نحو قيام الكيان السياسي الجنوبي، أو بمعنى أدق قيادة جنوبية مؤسسية مقتدرة وتشاركية، على أساس رؤية سياسية توافقيه تجسد خيارات شعب الجنوب. تستمد شرعيتها عن ثقة وتأييد غالبية الشعب، وفي ذات الوقت وحتى تنجح في القيام بمهمة تمثيل الجنوب لابد أن تنال القبول والتأييد من الدول الشقيقة والمؤيدة للحق الجنوبي، ومن الأطراف الفاعلة الدولية، بقدر عظمة وأهمية هذه المهمة فلا يمكن التعاطي معها بالارتجال والعشوائية.

كيف تنظرون للخطاب الاعلامي الجنوبي..؟

الجنوب يحتاج اليوم وأكثر من أي وقت إلى خفض وتهدئة حالة الاحتقان والتعصب، وترشيد وعقلنة الخطاب السياسي والإعلامي، والنظرة تجاه ما يحدث، إلى القليل من اليأس والإحباط رغم الضغوط التي تثقل كاهل الناس، وتعزيز الآمال والتفائل، وشحذ الهمم.

للأسف أن الجنوب لا يمتلك وسائل إعلام تخدمه وتعبر عنه وتساعد قواه ومكوناته ونخبه على الحوار فالذي يحدث في مجال الإعلام وعلى شبكة التواصل الاجتماعي يُعد بعيداً عن ما يحتاجه الجنوب إن لم نقل انه يلحق الضرر والإرباك والتشتت.

ماذا على صعيد علاقة الجنوب بالشرعية؟

تنقسم الإجابة عن هذا السؤال إلى مستويين، الأول سهل وبسيط، ويتمثل بتجربة ملموسة في مواجهة الانقلاب والحرب على الجنوب، وكل ما ارتبط بها وما تلاها، وتدل بوضوح على أهمية وحيوية وضرورة العلاقة الإيجابية والتفاهم والثقة والعمل المشترك، لقد عادت بنتائج هامة لصالح الجنوب وأيضاً الشرعية، والحال سيكون كذلك في المستقبل.

الشق الثاني من الإجابة وهي المعقدة، تعد بشكل عام طبيعية نظراً لوضع السلطة وتركيبتها ومشروعها السياسي من جهة وأيضاً بوضع الجنوب وثورته ومشروعه السياسي من جهة أخرى.

ما ينبغي إدراكه اليوم هو إن الشرعية القائمة لم تعد بالنسبة للجنوب، تلك التي كانت قائمة قبل 2011م ولا قبل سبتمبر 2015م، وكذلك الحال بالنسبة للشرعية لم يعد الجنوب اليوم كما كانت تنظر له قبل التطورات الأخيرة، أي في وضعها السابق. لا يمكن للجنوب أن ينهض بمهمات ما بعد التحرير وفي كل المجالات إلا بالعمل والتنسيق والشراكة مع الشرعية، إلى ذلك فالشرعية تشكل مظلة للحالة الجنوبية الحالية، وبوابة للحصول على الدعم والمساعدة الضروريان للجنوب.

على صعيد آخر يعتبر الجنوب مصدراً أساسياً للشرعية القائمة، وعامل قوة في المواجهات مع الانقلاب، فالحديث اليوم لم يعد يشير إلى صندوق الانتخاب لوحده، إنما لكون الشرعية تسيطر على أوسع مساحة من البلاد، وان هناك شعب وقف بوجه الانقلاب وهزمها وكسر مشروعه، وحرر العاصمة المؤقتة إلى جانب غيرها من المحافظات، والجنوب أساساً هو المعني، لذلك ليس من الحكمة إن تهمل الشرعية الوضع في الجنوب الضروري لها وتساعد على إضعافه، وناهيك عن أن تسعى إلى الدخول في عملية تنافس مع شعبه، أو أن تفرض عليه مشروعاً معارضاً أو أن تعتمد سياسة الاستقطاب والتشتيت وفرق تسد.

اضعاف الشرعية لن يخدم الجنوب بل الشرعية المستنسخة في صنعاء، واضعاف الحالة الجنوبية الثورية، لن يخدم الشرعية بل يضعفها ويخدم مشاريع وقوى أخرى.

أخيراً الشرعية متهمة بالفشل وعدم الكفاءة، وكذلك الحال بالنسبة للقوى الجنوبية بعد سنة من التحرير، فإن لكل القوتين بل وبالذات الحكومة الشرعية إن تبرهن على قدرتها على الإنجاز والنجاح، وليس أمامها سوى الجنوب، وغير ذلك فالميزان قد يميل لصالح الحكومة الأخرى التي شُكلت في صنعاء.
وآن للقوى الجنوبية إن تقدم نموذج في قدرتها وسيكون ذلك أساس ثقة الشعب بها، وقبولها وتبنيها على صعيد الإقليم والعالم.
هناك ضرورة للحوار المعمق بين القوى الجنوبية بتنوعها من جهة والشرعية (الجنوبيين فيها) من جهة أخرى، أو الشعب الجنوبي منها تحت رعاية الرئيس عبدربه منصور هادي.
الحالة الراهنة على هذا الصعيد ينبغي ألا يستمر بل يجب أن تؤسس على وضوح وإلى إين توصل، والمطلوب من الحكومة الشرعية أن تتحرر من ضغوط وابتزاز القوى المصابة بفوبيا الانفصال، الموجودة داخل هيئات الشرعية قبل الموجودة خارجها.